شمس نيوز / عبدالله عبيد

لم يكن الشاب "أ . م" ( 25 عاماً) يعلم أن تناوله لحبوب "الترامادول" المخدرة سيؤدي به إلى ما هو عليه الآن من الإدمان شيئاً فشيئاً، كما يحدثنا أحد أقاربه، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، حيث يرافقه في مستشفى الشفاء، بعد أن وصلت به الأمور إلى محاولة الانتحار.

الشاب المذكور بدأ مشوار إدمان الحبوب المخدرة بتناول نصف حبة أخذها من صديق له، وأصبح يطلب هذه الحبوب بين الفنية والأخرى، وهو متزوج منذ ثلاثة أعوام ولم يزرقه الله بالأبناء.

يقول قريب الشاب لـ"شمس نيوز: بعد أن بدأت الحكاية بنصف حبة من هذا السم، انتهى به الحال إلى 12 حبة وأكثر في اليوم، يعني شريط ونصف من الترامادول يومياً"، منوهاً إلى أن انقطاع الترامادول عنه، بسبب نقصه في قطاع غزة، أدى به إلى محاولة الانتحار.

ويردف بالقول: آخر أسبوع انقطع عنه الترامادول ولم يقدر على مقاومة نفسه، وكل يوم نسمع صراخه ويشكو الألم في جميع أنحاء جسمه، ولا يستجيب حتى للمسكنات التي يتناولها".

وبيّن أن والد المدمن المنتحر كان يهدده بتسليمه للشرطة، مضيفا: إلا أن النهاية كانت حينما صعد للطابق الرابع من البيت يحاول القفز والجيران من حوله يصرخون، ولكنه ألقى بنفسه من هذا العلو".

وزاد قائلاً: والآن كما ترون هو ممد على سرير العناية المركزية بمستشفى الشفاء، كسور في جميع أنحاء جسمه وجروح خطيرة هنا وهناك، وننتظر الرحمة من الله تعالى".

وكشف انقطاع "الترامادول" المعروف شعبياً بـ"الترمال" من الأسواق الغزية، وارتفاع سعر ما تبقى منه بشكل جنوني، عن نسبة عالية من المدمنين عليه من الشباب العاطلين عن العمل وطلاب الجامعات، ولم يقتصر إدمانه على الشباب فقط، بل تعدى ذلك ووصل أيضاً إلى الفتيات.

نسب قليلة

مؤمن عبيد، أخصائي نفسي في الجمعية الفلسطينية لعلاج ضحايا الإدمان، أشار إلى أن عدد المدمنين الذين يتوافدون على الجمعية لعلاجهم من الإدمان في الشهر الواحد تقريباً من 15 إلى 20 شخصاً، موضحاً أن من بين هؤلاء أشخاصاً حاولوا الانتحار ولكن بنسب قليلة، مدمن واحد لكل أربعين شخصاً منهم" بحسب تقديره.

وقال عبيد متحدثا لـ"شمس نيوز": نرى بعضا من هؤلاء المدمنين حاولوا الانتحار، حتى أن منهم عندما نقوم بمعالجته وفطامه عن تناول عقاقير الترامادول، يبدأ بضرب رأسه في الجدران ويحاول الانتحار"، مشدداً على أن انقطاع "الترامادول" قد يزيد نسب المنتحرين.

وبيّن أن الطريقة الأمثل والوحيدة للتخلص من إدمان "الترامادول" وتفاديها، إلى جانب العلاج النفسي، هي العزيمة والإرادة من ذات الشخص المدمن، "فكثير من المدمنين يأتون إلينا بدون إرادتهم، ولكنهم يهربون بعد يومين أو ثلاثة".

هذا واستقبلت العيادات الصحية والمستشفيات في قطاع غزة، والتي تعاني من قلة الإمكانيات، عددا كبيرا من المدمنين، حيث بدأت تظهر عليهم أعراض الإدمان، لقلة التعاطي الذي أوصلهم إلى مرحلة “الانهيار العصبي”، وأصابهم بتشنجات وحالات إغماء وآلام شديدة مما هدد  حياتهم .

ويعتبر الترامادول من العقاقير المخدرة المنتشرة بغزة, والذي أصبح يمثل ظاهرة خطيرة بنسب عالية جداً بين متعاطيه,  فـ 90% من المتعاطين يمثلون فئة الشباب بين 20 إلى 30 عاماً, و 5% أطفال أقل من 20 عاماً, و5% أكثر من 30 عاماً.

انتحار لا إرادي

من جهته، يرى أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى، د. درداح الشاعر أن نقص الترامادول وانقطاعه يؤدي إلى انتحار لا إرادي، مضيفاً: بمعنى أن الإنسان المدمن يفقد السيطرة على نفسه ويفقد القدرة على التفكير، وبالتالي يتصرف تماماً كالمريض عقلياً وهو أبعد ما يكون عن الواقع".

وتابع الشاعر خلال حديثه لـ"شمس نيوز": وبالتالي ستكثر لدى المدمن الهلوسات والخداعات، وسيتولد عنده سوء إدراك وتأويل للواقع، وقد يلقي بنفسه وينتحر لأنه لا يعي ولا يدرك ما يفعله، وأعتقد أن هذا أسلوب قد يشعره بالرضا أو بالتخفيف النفسي عند حرمانه من هذا العقار".

ولفت إلى أنه قد تتزايد حالات ردة الفعل الفسيولوجي بعد انقطاع عقاقير الترامادول في غزة، متمنياً أن لا تحصل حالات انتحار، لأن هذا الأمر خطير جداً، حسب تعبيره.

وأوضح د. الشاعر، أن كثيرا من الشباب المدمنين الآن يتوجهون إلى المستشفيات لتلافي ردة الفعل الفسيولوجي أو الاستجابات الفسيولوجية نظراً لنقص العقار، معرباً عن اعتقاده أن انقطاع هذا العقار من السوق، فرصة للشباب لأن يستيقظوا بإرادتهم وان يبتعدوا عن هذا الموت المحقق لهم.

لم تصل حالات انتحار

بدوره، نفى رئيس قسم الاستقبال والطوارئ بمستشفى الشفاء د.عماد الفيومي، وصول حالات انتحار من بين مدمني "الترامادول" إلى المستشفى، مبيّناً أن حالات الإدمان لم تصل المستشفى بالكم الكبير، حسب ما تداولته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وأشار الفيومي في حديثه لـ"شمس نيوز" إلى أن الحالات التي تصلهم في المجمع يتم التعامل معها بأريحية دون وجود أي مشاكل، "أما الحالات المستعصية فيتم متابعتها من قبل متخصصي الطب النفسي".

ولفت إلى أن الحالات التي تتوافد على المستشفى لا تعترف بأنها مدمنة على هذه المادة وتريد العلاج منها, لكن الأمر يكون واضحاً من خلال الأعراض الظاهرة عليهم من غثيان وتشنج وإعياء وصداع شديد، مستدركاً في حديثه: لكن تأتي إلينا حالات تشنج من المدمنين ونتعامل معهم  كتشنجات".

وأضاف الفيومي: أما الإنسان الذي يعترف أنه يتعاطى الترامادول أو ما شابه ذلك، يتم تحويله إلى مستشفى الطب النفسي للإدمان، وهم أصحاب هذا الشأن وأهل الاختصاص".

حالات انتحارية

الناطق باسم الشرطة في غزة، أيمن البطنيجي، أوضح أن هناك حالات انتحار في غزة، مستدركا:  ولكن لا نريد أن نعزو ذلك لنقص الترامادول في البلد فقط"، لافتاً إلى أن هناك حالات انتحارية سُجلت بسبب شح "الترامادول".

وأضاف البطنيجي لـ"شمس نيوز" : لا نستطيع أن نحدد الرقم الحقيقي لهذه الحالات التي وصلت لمستشفيات غزة"، مشيراً إلى أن معظم متعاطي "الترامادول" يعانون من مشاكل نفسية وعائلية فيتعاطون هذه العقاقير من أجل التخفيف من معاناتهم "كما يعتقد البعض".

وزاد بالقول: للأسف الشديد حالات الانتحار رغم أن الشق فيها جنائي ويجوز للقضاء أن يطلب ويدين صاحب الانتحار، إلا أن معظم حالات الانتحار من مدمني "الترامادول" إذا نجا من فلا أحد يراجع موضوعه".

واعتبر البطنيجي أن إغلاق الأنفاق الحدودية مع مصر ساهم في تقليل كمية الترامادول الداخلة لقطاع غزة، مما أدى إلى ارتفاع سعره واختفائه من عند التجار الذين يروجون له، و"هذا زاد من حالات المدمنين الذين يتوافدون إلى المستشفيات"، وفق قوله.

وكان عقار الترامادول يدخل قطاع غزة عبر الأنفاق، وانتشر كالنار في الهشيم بين سكانه منذ ما يقارب الثماني سنوات، ولكن في الوقت الحالي بعد إغلاق الأنفاق بشكل شبه كامل بات شحيحا في الأسواق، مما أدى إلى ظهور أعراض الإدمان على المتعاطين بعد ما أصيبوا بتشنجات وانهيارات عصبية.

محرمة شرعاً

في هذا السياق، أكد الشيخ الداعية، أيمن حمّاد أن الشريعة الإسلامية أمرت الإنسان بأن يحافظ على نفسه، وأن لا يعرضها لأي شر وسوء، موضحاً أن إقدام الشخص على الانتحار من أسوأ الأمور، وهي محرمة شرعاً.

ونوه الشيخ حمّاد في حديثه لـ"شمس نيوز" إلى أن تناول المخدرات ومن بينها "الترامادول" حرام شرعاً لأنها تضر بالإنسان نفساً وعقلاً، مشدداً على أن مدمن هذه العقاقير باع نفسه للشيطان أولاً ومن ثم أضر نفسه.

وبيّن أن من يتناول "الترامادول" يعدم نفسه ببطء، بعد أن يصبح في عزلة عن المجتمع، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن هذا المدمن يكون قليل الإيمان، مما يدفعه في نهاية المطاف إلى "الانتحار".

والترامادول مسكن أفيوني فعال في علاج الآلام الحادة أو المزمنة بما في ذلك آلام ما بعد الجراحة، وآلام الولادة والعمليات القيصرية، كذلك الألم الناشئ عن أسباب أخرى مثل السرطان وذلك بناء على البيانات المتوافرة من برامج متابعة الدواء بعد التسويق والتي أوضحت أن الترامادول يمكن أن يؤدي إلى اعتماد جسدي وسيكولوجي كما هو الحال مع المورفين.