غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

أحمد المدلل: السودان .. من الثورة إلى التطبيع !!

أحمد المدلل.jpeg

كتب/ القيادي بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أحمد المدلل

بعد منتصف ليلة الحادي عشر من أبريل عام 2019، حدث الانقلاب العسكري على نظام الرئيس السوداني عمر حسن البشير إثر مظاهرات شعبية استمرت ما يقارب خمسة شهور، حاول خلالها نظام البشير استخدام كافة الطرق والأساليب، واستخدم سياسة العصا والجزرة لإيقافها ولكن لم يستطع.

انتهت المظاهرات الشعبية بالانقلاب العسكري، واعتقال البشير، وأركان نظامه .. في اليوم الثاني للانقلاب دار نقاشٌ مع بعض الإخوة حول ما حدث، ومآلات الأوضاع فى السودان .. تحدث البعض عن سوء أوضاع السودان الاقتصادية، والاجتماعية، وانفصال جنوب السودان، واستبداد البشير، والفساد الحكومي، والغلاء، وانخفاض سعر الجنيه السودانية مقابل الدولار وكما كل الثورات الشعبية لها مبرراتها، وتحدث البعض أن كل ما يُشاع عن البشير محض افتراء وكذب، وأنه رجل متدين، وما يحدث مؤامرة عليه عندما اكتشف خداع السعودية والإمارات ولم يتلقَّ الدعم المطلوب منهما للسودان، الذى يشاركهما عملية "عاصفة الحزم" كما وعدتاه، وكما أن أمريكا ترفض شطب اسم السودان من لائحتها للإرهاب بدأ بتغيير وجهته ثانية، حيث قام بزيارة لسوريا كأول رئيس عربي يتمرد على قرار الجامعة العربية بطرد سوريا، وجاءت الزيارة دعماً لنظام الأسد وتاكيدًا على الالتحاق بالتحالف الروسي- الإيراني بعد أن قطع علاقته مع إيران عام 2016 .. حينها كان لديّ شعور وقد عبرت عنه بأن مستقبل السودان لن يكون مثل ماضيها تجاه القضية الفلسطينية، وأن التغيير في السودان الذي جاء متأخراً عن "الربيع العربي"، والذي بدأ في تونس سيكون له تأثيراً كبيراً على وضع ومكانة القضية الفلسطينية، وتعاطي القيادة السودانية الجديدة معها.

وكان واضحًا غياب القيادات التاريخية (الإسلامية والعروبية والقومية) عن الشارع السوداني حينها، وحضور قيادات شيوعية وشبابية من قادة المظاهرات مدفوعة بالرغبة فى التغيير .. والنتيجة أن السودان كما مصر (انقلاب 3 يوليو 2013) من قبلها دخلت مرحلة جديدة من حكم الجنرالات وقد تعودت السودان على انقلاب الجنرالات منذ استقلالها عن الاستعمار البريطاني عام 1956، والبشير نفسه انقلب على الحكومة المدنية المنتخبة بزعامة الصادق المهدى، والذي ساعده حينها الإسلاميون بقيادة المرحوم الدكتور حسن الترابي، الذى انقلب عليه البشير بعد ذلك، وأودعه السجن .. وللأسف طموحات الشعوب العربية فى معظمها تذهب أدراج الرياح أمام حصاد الثورات التي يجنيها العسكر .. والعجيب أن هذه الانقلابات على إرادة الشعوب لا تأتي إلا بمزيد من الخراب والدمار والانتهاكات والقهر والفقر والتراجع على كافة المستويات.. أما الجنرالات الجدد فى السودان تبينت توجهاتهم منذ بداية تسلمهم زمام الحكم بأنهم سائرون صوب أمريكا و"إسرائيل" بدون سابق انذار وبدأت

اللقاءات السودانية - الاسرائيلية بين جنرالات الحكم السوداني وقادة الاحتلال الصهيوني، وبدون خجل وأمام الملأ يلتقى عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي فى السودان مع نتنياهو فى أوغندا فى شباط/فبراير الماضي، فيما أكدت الحكومة السودانية أنه لم يتم إخطارها أو التشاور معها في مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء الذي حدث بدون علم مجلس الوزراء الذى يرأسه عبدالله حمدوك ، ثم يذهب البرهان على رأس وفد إلى

الإمارات ليلتقى مع بومبيو وزير الخارجية الأمريكي بحضور بن زايد (عرّاب التطبيع فى المنطقة) والذي مارس ضغوطًا كبيرة على البرهان لكى يقبل بالتطبيع مع "إسرائيل"، وأكد المراقبون أن الحوار الثلاثى فى الإمارات (بن زايد - بومبيو- البرهان) تناول موضوعين :

- ضرورة إزالة اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية.

- التطبيع مع الكيان الصهيوني والذي خضع للمساومة بين بن زايد وبومبيو من جهة والبرهان من جهة أخرى، وحدث الاختلاف على كم المليارات التى ستُدفع للسودان مقابل التطبيع فيما أمريكا تعرض 800 مليون دولار تساهم الامارات ب600 مليون منها، وشطب اسم السودان من لائحة الارهاب الأمريكية فإن البرهان يطالب ب 3_4 مليارات دولار وبعض التقارير تقول انه طلب 7 مليارات دولار لإنعاش الاقتصاد السوداني المنهار ، منها مليار و٢٠٠ مليون على هيئة مساعدات قمح ونفط.

وقد صرح البرهان فى أكثر من لقاء و أمام المجلس السيادى بأن السبب الرئيس من التطبيع مع "إسرائيل" هو رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب الأمريكية وتحقيق التنمية للسودان.. مما يعنى أنه في أي لحظة قد نشهد احتفال التطبيع بين نظام الحكم في السودان والكيان الصهيوني في حديقة البيت الأبيض وبذلك تكون قلعة مهمة جداً في عالمنا العربي قد سقطت من جديد..

بالنسبة لنا كفلسطينيين فإن فقدان السودان كداعم للقضية الفلسطينية يمثل لنا مصاباً كبيراً فإنه بالرغم من التغيرات المختلفة على أنظمة الحكم هناك إلا أن السودان كانت دائماً تمثل الظهير العربي والاسلامي الحقيقي الذى احتضن الفلسطينيين على مدار العقود الماضية بكافة أطيافهم وتنظيماتهم قبل أن تحط الثورة الفلسطينية رحالها على أرض السودان بعد أن خرج المقاتلون من بيروت عام 1982، وأقاموا مواقع تدريب لهم على أرض السودان وكذلك حركات المقاومة الفلسطينية بعد ذلك، والتي عملت على الأرض السودانية بأريحية مطلقة وتلقت الدعم المعنوي والسياسي من الشعب والسلطات السودانية ومن التهم الموجهة للسودان من أمريكا و"إسرائيل" السماح بمرور شحنات الأسلحة للمقاومة الفلسطينية عبر أراضيها وأيضاً إقامة معسكرات تدريب لها هناك.. دولة الكيان الصهيونى تدرك الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها السودان جغرافياً وإطلالتها على البحر الأحمر وأمنياً وعسكرياً وثروات طبيعية غير مستغلة، تعرف "إسرائيل" جيدًا كيف تستفيد منها فيما لم تستطع الانظمة التى تناوبت على حكم السودان استثمار تلك المقدرات والثروات الطبيعية والعنصر البشري إلى جانب عدم الاهتمام العربى أيضاً بالاستثمار في السودان وعدم استغلال مقدرات الأمة العربية وثرواتها للنهوض بالسودان هو الذي جعل السودان الغنية بثرواتها التي لا تُحصى من أفقر دول المنطقة ومن أقوال الشاذلى القليبى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية "لو زرعت السودان قمحاً لأطعمت الأمة العربية كلها " ... لذا فإن نتنياهو سيضرب عصافير كثيرة بحجر التطبيع مع السودان والتي ستمثل الكنز الاستراتيجي الحقيقى لإسرائيل..

أولاً- التطبيع مع دولة مثل السودان يُسجل انجازاً تاريخياً يستفيد منه نتنياهو في الانتخابات القادمة ويحميه من محاكم الفساد الذي تنتظره.

ثانياً- فقدان القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أهم حواضن الدعم والاسناد فى العالم العربي.

ثالثاً- استخدام التقدم العلمى والتكنولوجي الإسرائيلي للاستفادة من ثروات السودان المخزونة والذى سيسعى الكيان جاهداً للاستفادة منها.

رابعاً - أن يكون مكان لدولة الكيان على البحر الأحمر كما معظم دول العالم القوية والتى لها نفوذ على البحر الاحمر لأهميته الإستراتيجية، والسودان تطل عليه بمسافات كبيرة..

خامساً- حل مشكلة قلة المياه مستقبلاً وزيادة ملوحة مياه الشرب الذى بدأت دولة الاحتلال تعانى منها بالاستفادة من مياه النيل الذى يعبر السودان ومصر التى قامت بمد أنابيب من النيل الى سيناء ويؤكد المراقبون أن هذا كان مطلباً اسرائيليًا لإيصاله الى دولة الكيان .

سادساً - الاستفادة من التقدم الزراعى والصناعى الاسرائيلى فى زراعة ما يزيد عن 200 مليون فدان من أرض السودان متروكة بلا فائدة ، وكذلك امتلاك السودان ما يقارب 130 مليون رأس ماشية لا يتم الاستفادة منها كما يجب.

وهناك من الفوائد التى ستجنيها دولة الاحتلال ويذكرها بعض المراقبين أن ما يقارب 7 آلاف من السودانيين هاجروا الى الكيان الصهيوني بطرق غير شرعية بحجة العمل وبعضهم بحجة المعارضة السياسية لنظام البشير وهم مسلمون يخشى نتنياهو أن يؤثروا مستقبلاً على التركيبة الديموغرافية لإسرائيل سيتم إعادتهم الى السودان فى ظل الإتفاق مع النظام الجديد، وأيضا هناك خطة إسرائيلية لتوطين الفلسطينيين على ارض السودان، وكل ما هو مطروح ليس غريباً على العقلية الصهيونية .. حدثت الفوضى الخلاقة التى نسجت خيوطها كونداليزا رايس وشرق اوسط جديد يتشكل كما طالب شمعون بيرس ، ومن عنده قليل من الدراية السياسية يدرك بأن الشرق الاوسط الجديد هو الذى يستوعبُ اسرائيل ويقبلُها ويلغى مفهوم العداء التاريخى لها من عقول العرب الذين يحيطون بها من كل جانب وأيضاً حتى يمتلك العرب خاصية القابلية للاستحمار بأن تكون اليد الصهيوأمريكية هى الاقوى فى المنطقة ... ما نتج عن ثورات الربيع العربى فى بعض الدول العربية كان المستهدف الحقيقى هى القضية الفلسطينية مع تفهمنا الكامل لمطالب الشعوب العربية بالحرية والمساواة والكرامة والعدالة خصوصاً الشعب السودانى الذى رفع فى مظاهراته شعار ( حرية . عدالة . كرامة) ، وتعتبر السودان من الدول العربية القليلة التى بقيت ملتزمة باللاءات العربية الثلاث الصادرة عن مؤتمر قمة الجامعة العربية الذى احتضنته الخرطوم عام ١٩٦٧ على خلفية نكبة عام ١٩٦٧ ، حينها عُرفت القمة بإسم قمة اللاءات الثلاث (لا صلح ولا إعتراف ولا تفاوض) مع العدو الصهيونى وخرجت بإصرار على التمسك بالثوابت ، مع انها من أفقر دول العالم وليس الوطن العربى فقط ... كل المؤشرات تقول ان النظام السودانى الجديد ذاهب الى التطبيع تحت ذريعة رفع إسم السودان من اللائحة الأمريكية للإرهاب ومن أجل تحقيق التنمية ... ولكنها حجة واهية لأن قضية الإرهاب مرتبطة بنظام البشير الذى انتهى ويقول بعض المراقبين يمكن للسودان ان تُقنع أمريكا بذلك، وأما التنمية يمكن ان تتحقق من خلال التواصل مع الصين او مع دول اوروبية متقدمة وحثها على الاستثمار فى السودان ، ولكنها المؤامرة التى حيكت بليل وثقافة الهزيمة وعقلية التغريب وللاسف ان جزءاً ليس بسيطا من الحكام الجدد للسودان لديهم الرغبة بالتطبيع مع دولة الكيان وهناك أصوات أخرى تطالب بانفصال السودان عن العالم العربى والاندماج بأفريقيا اكثر ... والسؤال المُحيّر أين قادة السودان التاريخيين والنخب الدينية والثقافية والسياسية الذين كان لهم صوت عالٍ سابقاً واليوم لا تسمع لهم ركزاً.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".