مقال علمي
بقلم/ محمد فايز الحسني
كاتب صحفي مختص في الإدارة والإعلام الرقمي
يعتبر التحول الرقمي الحاصل من القضايا المهمة والاستراتيجية، والحديث عن المستقبل حديث شيق ليس من باب الكلام الذي يعتبره البعض ضرب من الخيال في ظل تقنية تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، بل هو مستقبل مهول بالتغيرات والتحولات الرقمية على مستوى العالم.
ان فهم المستقبل وتوقعه هو بحد ذاته فهم الواقع لمعرفته وتقديره وقراءة القادم لعلنا نصل إلى جواب حقيقي في عصر الاتصال الرقمي، والحق يقال أن جائحة كورونا هي التي سرعت الموجة للتغيير والاستدارة الكبيرة لجهة التحول الرقمي مطلع 2020، وهو مصداق القاعدة الأساسية في علوم إدارة الأزمات " الأزمات تسرع اتجاهات التغيير"، ملايين البشر وجدوا أنفسهم بنفس اللحظة في زاوية التغيير التطبيقي لاستخدام الفضاء الرقمي.
ان الاستهلاك الذي حصل من الجمهور بسبب الحجر الصحي المنزلي وعدم خروجهم من المنازل ساهم ذلك في تعظيم سرعة التغيير والتحول إلى التعامل مع التكنولوجيا الرقمية عبر برامج عديدة ومنصات إعلامية مختلفة والتغيير الذي حصل في حياة الناس وتعايشهم مع الجائحة هي تجربة جماعية فريدة وهذا لم يحصل قبل ذلك على الاطلاق، وربما يحصل في المستقبل بشكل إلزامي للإنتقال الى مسارات البيئة الرقمية التعليمية الشاملة، والحكومة الرقمية الواسعة، والسحابات السايبرية المتعددة الأغراض.
ويبرز لدينا سؤال؛ من الفائز الأكبر في ظل جائحة كورونا؟
في الحقيقة أن جائحة كورونا تركت حضورها السلبي العام والصعب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى على حياة وتفاصيل المجتمعات، وخاصة أولئك الذين فقدوا أحبابهم والذين عانوا من أمراض مصاحبة للفيروس .
ولكن؛ ان كان هناك فائز من كل هذا الحديث هو بكل تأكيد قطاع الصحة يليه تكنولوجيا الاتصال الرقمي، نلاحظ مثلا ارتفاع إيرادات شركة "Zoom" بأكثر من 350٪ في الربع الثاني من العام، مع زيادة بالأرباح بلغت حوالي 10 أضعاف، بينما اشتركت الشركات في تطبيق مؤتمرات الفيديو لربط الموظفين الذين يعملون معهم خارج مقرات العمل ببعضهم البعض في ذروة تفشي الجائحة.
ان الاستهلاك الحاد الذي حصل جراء كسر نظام الحياة التقليدية في العالم سرع بقوة عملية التحول، حيث عمدت شركات الاتصالات والتقنية على تطوير وتجهيز بنية تحتية رقمية واسعة بشكل سريع لتواكب هذا التحول المهول الذي حصل.
وبينت ذلك دراسة أجراها معهد كومسكور (Comscore) الأمريكي وهو متخصص في الحسابات الانترنتية وتقديم خدمات تسويق المعلومات ورصد حركات المستخدمين على الانترنت، حيث أدرج المعهد دراسة منشورة يُلخص فيها حجم الاستهلاك ويرصد ذلك بالارقام في امريكا، تقول الدراسة أنه في فبراير كان استهلاك المنصات الرقمية بحجم استخدام حوالي 43 مليار زيارة من خلال منصات رقمية اختاراها هذا المعهد، وفي أبريل تصاعد إلى 64 مليار زيارة، وفي شهر يونيو وصلت الى 80 مليار زيارة ، وفي شهر يوليو نزلت الى 60 مليار زيارة، ومن ثم نزلت في نهاية الشهر الى 52 مليار.
السؤال المهم ماذا يعني هذا التوضيح البياني في الدراسة ؟
في الحقيقة مع تعايش المجتمعات مع جائحة كورونا واختلاف الروتين الذي حصل في عادات وتقاليد المجتمعات البشرية التي تغيرت بشكل جذري وان التحول الذي حصل يؤكد بما لايدع مجال للشك أن العالم مقبل على مستقبل تقني ورقمي بامتياز.
بيد أن هذا التحول الرقمي في المجتمعات فرض نفسه بشكل إلزامي على المنشئات والمؤسسات وهو يُترجِم حجم التغيير الذي حصل من تأثيرات تفشي جائحة كورونا في العالم ونرى في جميع الأقاليم الجغرافية وقطاعات الأعمال العامة والخاصة، مؤسسات تواجه تحديات مُماثلة عندما يتعلق الأمر بالتحول الرقمي، حيث العمل عن بعد وقيادة دفة المؤسسة بشكل الكتروني، والانتقال من المباني والمنشئات الأسمنتية والمكتبية الى الفضاء والمساحات السايبرية، والأن ترصد الشركات استثمارات والتزامات ذات أهمية كبيرة كي تتجه إلى "التشغيل الرقمي"، لكنها لا تزال تشعر بالمعاناة من هذا التحول الذي لن ينتظر أحد على الإطلاق.
وفق ذلك كله تعتبر 90% من المؤسسات أن التحول الرقمي مسألة حيوية أو بالغة الأهمية بالنسبة لها، إلا أن اقل من ذلك قد يكون "غير واثق تماماً " في قدرتها على تنفيذ التحول الرقمي، ويعتقد العديد من المسؤولين أن مؤسساتهم لا تتمتع بالمهارات والقدرات اللازمة لتحقيق طموحها الرقمي، والحقيقة هي أن العالم الجديد يتحرك بسرعة البرق، وتحتاج المؤسسات من أجل المنافسة في عالم كهذا، إلى انتهاج السُرعة في التفكير واتخاذ القرار والتنفيذ وتجهيز البيئة الرقمية والتعلم والتوسع، ولا يتعلق تحقيق ذلك بطرح تقنيات رقمية فحسب، بل يتطلب تغييرًا جذريًا في كيفية بناء المؤسسات لهياكلها التنظيمية وقيادتها واجتذاب موظفيها وتطويرهم ودمجهم.
من المهم والضروري اليوم أن نؤكد على أهمية هذا المقال العلمي الذي يُوجِه بشكل مُحدد قيادة المؤسسات ومدراءها لتبني استراتيجية " التشغيل الرقمي" وتطوير تقنية البيانات الضخمة واللحاق بالمؤسسات الرقمية الكُبرى .
ونضع بين يدي القارئ سمات القادة الرقميين والكفاءات الأفضل في فئتها التي تُحقق النجاح لتلك المُنظمات، فالمؤسسات التي ستُحقق النجاح في العالم الرقمي للعصر الحالي تتسم بخمس سمات رئيسة:
1_الذكاء والبديهة
2_القدرة على الاتصال والتواصل اللامركزي
3_الانضباط والتركيز الذهني
4_التمكين والموائمة التنقية
5_الابتكار والشفافية المهنية
الخُلاصة :
يعتقد خبراء من خلال مجموعة دراسات أن التحول الرقمي للعالم بشكل عام يفترض أن يبدأ مطلع 2025م، وبسبب جائحة فيروس كورونا تقلصت الفجوة الى 20% ووصل العالم بشكل سريع جداً لتحول رقمي شامل.
وعليه ينظر قادة المؤسسات الى تخفيض حجم البون بين التشغيل الرقمي والوضع القائم، لدى يجب كإجراء الزامي أن تعمل المؤسسات الى توسيع قاعدة الكفاءات لدى طواقمها من الناحية الرقمية، لتضع الأشخاص المناسبين في أماكنهم الصحيحة كي يتمكنوا من خوض تجربة التغيير التكنولوجي بكل ثقة وثبات واستغلال الفرص غير المسبوقة في عالم رقمي أشبه بطائر يسير بجناحي الابتكار والتنكولجيا الرقمية.