غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

دور بعض الخطباء والأئمة في عذاب وهلاك الأمة

وليد حلس ابو يحيى مسؤول اللجنة الدعوية لحركة الجهاد الاسلامي

قلم/ وليد حلس

يقول الله _عز وجل_ في كتابه العزيز: *(وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ)* مخبراً عن نبيه داود عليه السلام (وَآتَيْنَاهُ الحكمة) أي: النبوة ، وسعة العلم، وصالح العمل، وحسن المنطق.

(وَفَصْلَ الخطاب) أي: وآتيناه أيضاً الكلام البليغ الفاصل بين الحق والباطل، وبين الصواب والخطأ، ووفقناه للحكم بين الناس بطريقة مصحوبة بالعدل، وبالحزم الذي لا يشوبه تردد أو تراجع.

 إذًا الخطاب؛ هو الكلام المفهم لمن هم أهل للفهم، فإن كان الخطاب غير مفهم وليس موجه لأهل الفهم فلا يعتبر خطاباً، بل ثرثرة وكلام بلا رسالة ولا هدف ولامعنى. 
ولقد كان العرب أهل فصاحة وبيان حتى اشتهروا بمعلقات الشعراء النوابغ، لذلك نزل القرآن الكريم عليهم بلسان عربي مبين، ولقد أوتي النبي _صلى الله عليه وسلم_ جوامع الكلم ، وتلألأت من ثنايا كلامه بدائع الحكم، وكان _صلى الله عليه وسلم_ يقول: *(بعثت بجوامع الكلم)*، فكانت أحاديثه وخطبه تمتاز بسهولة الألفاظ، وجودة الأسلوب، وكانت تتفرد بالعبارات القليلة التي تجمع المعاني العظيمة، بعيدة عن التكلف في الألفاظ أو الإطناب في العبارات، وقد ثبت عن عائشة _رضي الله عنها_ قالت: *"إن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يُحَدِّث حديثاً لو عدَّه العادُّ لأحصاه".* 

وبتتبع منهجه صلوات الله وسلامه عليه في خطبه، نجد أن خطبه كانت تتسم بالقصر دون الطول، بل كان صلى الله عليه وسلم يقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة، وكان يقول أيضاً: إن من البيان لسحرا)، فقصر الخطبة علامة على فقه الرجل؛ لكونه مطلعاً على جوامع الألفاظ، فيعبر باللفظ الموجز البليغ عن الألفاظ الكثيرة، فهدي النبي _صلى الله عليه وسلم_ في ذلك هو الاعتدال في خطبته، فلا إطالة مملة ولا إجازة مخلة، وفي هذا يقول جابر بن سمرة _رضي الله عنه_:(كانت صلاة رسول الله  صلى الله عليه وسلم قصداً، وخطبته قصداً، يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس).
 فكانت خطبه _صلى الله عليه وسلم_ مقتضبة ومعبرة وشاملة كخطبة حجة الوداع، والتي صارت فيما بعد دستوراً ومرجعاً للأمة، وصحابته الكرام الذين ساروا على دربه؛ لأن طول الحديث ينسي آخره أوله، ومن كَثُرَ كلامه كثر خطؤه وسقطه، وضاع وأضاع السامعين، وكما يقول المثل: (في الاختصار العمار)، وحينما كان يلتقي بالقبائل كان يأخذ معه الشعراء والخطباء، منهم حسان بنُ ثابت وثابت بن قيس للمبارزة، وهذا كان في صدر الإسلام  منبراً وباباً من أبواب التبليغ والدعوة إلى الله _عز وجل_، وسببا في دخول تلك القبائل في الإسلام عن طريق العرض الرائع والأداء المميز لنشر الدعوة بالحجة والبرهان وجمال الخطاب.
يُروى أن الحجاج تزوج من امرأة اسمها هند، وذات مرة سمعها وهي تهجوه فغضب، وقال لخادمه: اذهب إليها وبلغها بأني طلقتها في كلمتين فقط، ولو زدت ثالثة قطعت لسانك، وأعطها صداقها، فذهب إليها الخادم فقال لها: كنتِ... فبنتِ!!
ولكنها كانت أفصح منه فقالت:
كنا فما فرحنا، فبِنّا فما حزِنّا !!
هكذا كانت لغة وفصاحة العرب في البعد عن الاسترسال في طول الكلام والحديث؛ حتى لايقعوا في الأخطاء التي لا تحمد عقباها، فكانت السلامة والنجاة في الاقتصار والاختصار 
وكانت خطبته _صلى الله عليه وسلم_ لا تتجاوز بضع كلمات مركزة وموجهة، وكان يتحيّن الموعظة في وجوه أصحابه، وهذا باب آخر في تقدير أحوال ونفوس القوم؛ لتقبل الموعظة.
حتى جذع النخلة _الجماد_ كان يئن ويحن لرسول الله _صلى الله عليه وسلم_ حينما ترك الصعود عليه، أما في يومنا هذا، المنبر يبيت ليلة الجمعة حزيناً مهموماً مغموماً ممن سيصعد عليه؛ ممن ابتُليَت الأمة بهم من مثيري الفتن ومفتعلي الشجارات ومشعلي الحرائق وواضعي الزيت على نار الصراعات والحروب الطاحنة بين أبناء الأمة الواحدة!!، بدلاً من إخماد النار وإطفائها، وبدلاً من أن يكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر والفتن.
أليس ذلك جهاد في غير محله، وجهاد مع غير عدو؟!
لقد كان _صلى الله عليه وسلم_ يقول: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذّبَ اللهُ ورسولُه، رحم الله امرأً حبب الناس في دين الله، بشروا ولاتنفروا، ويسروا ولا تعسروا وسددوا وقاربوا". 
حيث إن أساس الشريعة الإسلامية مبنية على ما يسهل على الناس فعله وما لا يصعب عليهم اعتقاده.
 إذًا الفهم والفقه واللين أساس المخاطبة في ترغيب الناس ونشر الدين، لذلك قال الله عزوجل: "ففهمناها سليمان ولم يقل حفظناها" ودعا _صلى الله عليه وسلم_ لابن عباس قائلاً: "اللهم فقهّه في الدين وعلمه التأويل"، واستمر هذا الحال إلى ردح من الزمان، حتى وصل بنا الحال لبعض التجار والمرتزقة من الخطباء والدعاة ممن باعوا أنفسهم لهوى النفس والشيطان، فأشعلوا الفتن الطائفية والحروب العرقية إرضاءً لأسيادهم من الحكام والسلاطين الجهلة، وهدموا مصراً ولم يبنوا قصراً، وتغافلوا عن تناول قضايا وهموم الأمة المركزية الرئيسية، ووضعوا عوضاً عنها قضايا تافهة من سفاسف الأمور وقشورها، وأشبعوها بحثاً وصراخاً وعويلاً !!
أيها الخطباء والعلماء؛ يا ملح البلد، ماذا يصنع الناس إذا الملح فسد؟! 
أين دور الخطباء والعلماء الذين كانوا فيما مضى يتصدرون قيادة الجماهير في مواجهة التحديات والمؤامرات وفي طليعة الثائرين ضد المستعمرين والغزاة ؟!
من ملهم الثورة وخطيب جامع الاستقلال بيافا إلى شيخ المجاهدين إمام ومحفظ القرآن بالجبل الأخضر بليبيا، مروراً بخطباء وعلماء الأزهر الشريف قبل تأنيثه، لقد آن الأوان لتفعيل هذا الدور المغيَّب والمهمش وإعادة الهيبة والاعتبار له، لما لخطبة الجمعة من بعد تربوي ومحوري في تشكيل حالة الوعي لدى أبناء الأمة، ولما لها من دور ورسالة مهمة في العلاج والتوجيه والإرشاد للقضايا الوطنية والدينية والاجابة عن التساؤلات والإشكاليات المعاصرة التي تواجه الناس بطريقة ميسرة ومبسطة، بعيداً عن التشدد والتنطع، وليس كالخطيب الذي صعد المنبر في زمن أحمد شوقي، وعندما انتهى فسأله عن خطبته ما رأيك ؟! 
فقال له شوقي: "لقد قمت فينا خَطباً (أي مصيبة)، لا خطيباً، فأضفت إلى خطابنا خطباً جثاماً" انتهى،
ولسان حال الناس اليوم يقول: يا ليته سكت، أو أرحنا منه يا مؤذن،
وأحدهم دعا للسلطان *قايتباي* في عهد الملك فاروق أي بعد ما يقارب خمسمائة عام،
وأحدهم تحدث عن حكم لبس القرفتة في البلاد المنبتة بعد نكسة وهزيمة حزيران عام 1967،
وفيما يتعلق بالإمامة فحدث ولاحرج عما يفعلوه بتعذيب وافتتان الناس في دينهم بعدما كان الإمام فيما سبق هو شيخ القرية وإمامها وقاضي ومختار البلد الذي تقضى على يديه للناس حاجات وتحل مشاكلهم وتفض النزاعات والخلافات في مجلسه، وليس كحال بعض أئمة اليوم الذي أصبحوا فيها جزء أساسي وسبب رئيسي في افتعال الأزمات والفتن وإشعالها، وتجده يثور ويغضب لأتفه الأسباب فذهبت هيبته وقل احترامه فهان على نفسه فهان على غيره!!
يقول _صلى الله عليه وسلم_ : "يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليتجوز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة".
 وغضب _صلى الله عليه وسلم_ على معاذ بن جبل، لما أطال بالناس في الصلاة، وقال: "أفتّانٌ أنت يا معاذ؟ " ثلاثاً.
 *يقول أحد الدعاة* :
 لقد ابتلينا في عالمنا الإسلامي بأئمة وخطباء للمساجد عذبوا الناس بجهلهم بالشريعة الميسرة والسنة السمحة، فمنهم من حول التلاوة في المسجد إلى نوائح ولطميات وصراخ، ومنهم من حول التلاوة إلى مقامات حجازية، ومنهم من قلب الدعاء في التراويح إلى خطب منبرية وإلى حكايات وعجائب وغرائب، ومنهم من دخل في تفصيل التفاصيل في الدعاء، فدعا لجميع المضطهدين على كوكب الأرض حتى نام الناس وهم وقوف!! شق عليهم ونسي أو جهل أو تجاهل الأدعية المأثورة الجامعة من القرآن والسنة!! ومنهم من خطب عن مقامات الحريري مع السجع والتكلف والتعسف والتمطيط مع الشهيق والزفير وإخراج الحرف من آخر الحلق، بل من الجوف، وهنالك خطيب تحتاج إلى قاموس لتفهم مفرداته!! فهو يقول: إن دستور الأخلاق يقوم على الوسط، بلا وكس ولا شطط؛ ليكون على أحسن نمط!! وخطيب يتحدث عن إنفلونزا الطيور والخنازير أربعين دقيقة، وخلص إلى أنها مؤامرة عالمية تستهدف العالم الإسلامي !!
فحمدنا الله على نعمة العقل.
وخطيب آخر يخطب في قرية نائية لم تصلها الكهرباء بعد، عن الغزو الفكري وطوفان العولمة، وأهل القرية لا يعرفون نواقض الوضوء!!
 *ويضيف قائلا :* إن السواد الأعظم من خطباء اليوم يقرؤون من أوراق سحبوها من النت، بدون تخريج وتدقيق للأحاديث والروايات فتشكل لديهم ثقافة النت والنتف، فتأتي خطبهم باردة سخيفة هزيلة، ميتة؛ لأنها بلا روح ولا تأثير.
وصلينا خلف إمام صلاة الفجر فقرأ سورة (ن¤ والقلم وما يسطرون)، فمد نون ومطها حتى كادت أزرار ثوبه تتقطع، وما أنِ انتهى من الصلاة حتى عذبنا وشق علينا، فكلمته بعد الصلاة وقلت له: أنا صليت خلف مشايخ أئمة الحرمين وهم أعلم وأفقه وأحفظ منا فكانت صلاتهم يسيرة خفيفة لطيفة، وتلاوتهم سهلة ميسرة، بلا تشدق ولا تنطع، وفهمت من جوابه أن من لم يعجبه فليصل في مسجد آخر!! ، *ويقول أخر:* هناك إمام يصلي بعشرة خلفه ومكبرات الصوت على رؤوسهم، فيرفع صوته إلى النهاية، ويصرخ بالتكبير صراخاً، وينوح بالتلاوة نواحاً، وما أدري ما السر وراء ذلك!!
ويروى أن مؤذناً نفخ في الميكرفون بقوة فاحترق جهاز الصوت، وكادت الكهرباء أن تضرب بشررها فتحرق المسجد ثم الحارة بأكملها _والله المستعان_ هذا قبل أن يؤذن، فكيف لو أذن؟!
والواجب على القائمين على أمر الخطباء والأئمة أن يفهموهم السنة، والأحسن والأجمل أن لا تزيد خطبة الجمعة في هذا العصر عن ربع ساعة، وأن تكون مركزة في موضوع واحد بأسلوب سهل جميل واضح ميسر، بلا تعذيب ولا تعنيف ولا تعسف ولا تكلف ولا تعمق ولا تشدق ولا تفيهق، وخير الهدي هدي محمد _صلى الله عليه وسلم_ القائل : "إن الدين يسر" ، والقائل أيضاً: "هلك المتنطعون والمتعمقون والمتشدقون والمتفيهقون".

 وفي الختام يقول _صلى الله عليه وسلم_:
"اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به".
اللهم ارزقنا هدي نبينا محمد _صلى الله عليه وآله وسلم_ وفقهنا في الدين، وعلمنا التأويل.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".