أشكال وصور من العنف تواجهها المرأة يوميا، في مختلف أنحاء العالم، مع اختلاف الثقافات والمستويات العلمية والاجتماعية والمادية، لكن أحد أشكال هذا العنف تتعرض له المرأة أحيانا دون أن تدرك ذلك، إذ يعدّ العنف أثناء الولادة ظاهرة عالمية، تمارس ضد المرأة عند الولادة القيصرية أو الطبيعية.
المال و"شق البطون"
وتكشف 3 تقارير طبية في دورية "ذا لانسيت" ( The Lancet) الطبية عن ارتفاع معدلات الولادات القيصرية في جميع أنحاء العالم إلى حدّ ينذر بالخطر.
ففي الـ30 عاما الأخيرة، تضاعف عدد الولادات القيصرية أكثر من 3 مرات، من نحو 6% من جميع المواليد إلى 21%.
ومن المفترض أن تكون الولادة القيصرية هي الحل الأخير وليست الخيار الأول، إذ يمكنها أن تزيد من فرصة الوفاة بنسبة 60% على الأقل، وفي بعض الظروف تبلغ 70% حسب ما أفادت الدراسات.
كما يمكن أن تؤدي إلى خطر تعرض المرأة لمضاعفات تهدد حياتها أثناء الولادة، مثل النزيف وتمزق الرحم واستئصال الرحم والسكتة القلبية بنحو 5 أضعاف، ويرتفع هذا الخطر أكثر في الولادات اللاحقة.
لكن الفارق المالي بين الولادة الطبيعية والقيصرية يجعل بعض مزودي الخدمات الصحية يفضلون العمليات القيصرية حسب بعض الدراسات، وهو ما دفع فريق باحثي الدراسات اقتراح المساواة في الأجور في المستشفيات عند إجراء الولادة الطبيعية أو القيصرية لخفض تلك المعدلات.
لا تدرك كثيرات تعرضهن في أثناء الولادة الطبيعية إلى العنف وعدم الاحترام (غيتي)
عنف الولادة
تخضع غالبية النساء، مرة واحدة على الأقل، لعملية الإنجاب، ورغم آلام المخاض التي تعانيها المرأة، يكون لدى بعضهن تصور أو إدراك بأن الولادة الطبيعية، رغم ألمها ومشقتها تكون أسهل وأكثر أمانا.
ولا تدرك كثيرات تعرضهن في أثناء الولادة الطبيعية إلى العنف وعدم الاحترام، وسوء المعاملة في المرافق العامة والخاصة في جميع أنحاء العالم، وبطريقة ممنهجة.
ولأن الإهمال والإيذاء الجسدي وعدم الاحترام أثناء الولادة، يعدّ شكلا من أشكال العنف ضد المرأة، كما أنه يعد حالة متكررة تحدث في مختلف أنحاء العالم، فقد عرّفت منظمة الصحة العالمية ذلك النوع من العنف بأنه "الاستيلاء على جسد المرأة من قبل العاملين الصحيين، في شكل علاج غير إنساني، وإضفاء الطابع الطبي التعسفي، وكذلك إضفاء الطابع المرضي على العمليات الطبيعية، بما في ذلك فقدان المرأة الاستقلال والقدرة على اتخاذ قراراتها بحرية بشأن جسدها وحياتها الجنسية، مما له عواقب سلبية على نوعية حياة المرأة".
اللكم والصفع والصراخ.. إنها الولادة الطبيعية
إساءة معاملة النساء أثناء عملية الولادة، والمعروفة أيضا باسم العنف عند الولادة، هو مصطلح عالمي أثار اهتمام المنظمات العالمية، والباحثين في المجال الطبي، حتى إن منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وعددا من المنظمات الدولية عملت دراسة مشتركة عن الأمر، وخلصت إلى أن نحو 42% من النساء، في التقرير، قلن إنهن تعرضن للإيذاء الجسدي أو اللفظي أو التمييز أثناء الولادة في المراكز الصحية، مع تعرض بعض النساء للكم والصفع والصراخ في وجههن، أو الاستهزاء بهن أو الضغط عليهن بالقوة.
وتتعدد أشكال عنف الولادة الطبيعية الممارس في كل أنحاء العالم بما في ذلك البلدان المتقدمة، وفقا للدراسة، بين استخدام القوة مثل الضغط على البطن، وإخفاء المعلومات عن المرأة، وعدم الحصول على أي مسكن للألم، وأيضا اللمس المفرط أو غير المناسب أثناء الولادة أو عند التخدير.
وتشير الدراسة إلى أن عنف الولادة، إلى جانب العنف في مجال أمراض النساء، يعدّ شكلا من أشكال الإساءة التي تؤثر في النساء حصريا، وتميل إلى أن تكون تحت البساط لأنها لا تزال موضوعا محظورا، حتى إن النساء أنفسهن، دائما، لا يدركن أن تجاربهن في الولادة الطبيعية يمكن عدّها إساءة.
يعد العنف أثناء الولادة ظاهرة عالمية تمارس ضد المرأة عند الولادة القيصرية أو الطبيعية (غيتي)
إدراك ضروري
قد لا تدرك النساء حقا أن ما يتعرضن له أثناء الإنجاب يطلق عليه عنفا، لكن "كارولين مالاتيستا" أدركت ذلك وطالبت بأخذ حقها وردّ اعتبارها، وقد كان.
ففي عام 2014 كانت "كارولين" السيدة الأميركية تستعد لاستقبال طفلها الرابع، وقررت أنها تريد الولادة بطريقة طبيعية أكثر، فقد أرادت التخلي عن الدواء وتجنب الاستلقاء على ظهرها.
كانت خطتها للولادة غير تقليدية بالمعايير الحديثة، لذلك اختارت إنجاب الطفل في مركز بروكوود الصحي الذي أعلن صراحة أنهم سيتبعون أي خطة ولادة تضعها الأم.
وضعت كارولين خطة ولادة محددة بدقة، حسب كلامها في مقال كتبته على موقع "بيرث مونوبولي" (Birthmonopoly) تحكي فيه تجربتها كاملة.
كانت مفتونة بفكرة القدرة على التحرك في الغرفة أثناء المخاض، وتجنب التخدير أثناء الولادة، وأدوية تسريع المخاض، واستخدام وضعية الولادة التقليدية بدلا من الاستلقاء على ظهرها وتعليق قدميها.
وعندما حانت لحظة الولادة، اكتشفت "كارولين" التناقض بين التسويق والواقع، إذ لم تسمح لها الممرضة بالحركة أثناء المخاض كما اتفقت مع طبيبها سابقا، بل أجبرتها على الاستلقاء على ظهرها، وحين لم توافق على الانصياع استخدمت الممرضات القوة العضلية لإبقائها مستلقية وتثبيت قدمها على السرير وضمّ قدمها اليسرى إلى صدرها رغما عنها، في "صراع على السلطة" كما وصفتها "كارولين".
أصيبت "كارولين" بجروح، وعانت ألمًا مزمنًا يسمى "الألم العصبي الفرجي" كما تم تشخيصها باضطراب ما بعد الصدمة، فاضطرها ذلك إلى رفع دعوى قضائية ضد المستشفى، وفقا لـ"هيلث واي" (Healthyway).
وبعد عامين من التقاضي، حكمت المحكمة بإجماع هيئة المحلفين بصرف تعويضات لـ"كارولين" تقدر بـ16 مليون دولار أميركي عن العنف الذي مارسه ضدها مقدمو الرعاية الطبية.