غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

نوال السعداوي

الدكتور وليد القططي.jpg

بقلم د. وليد القططي

الإنسان العادي يموت ويُدفن دون أن يختلف فيه الناس حياً أو ميتاً، فإذا اختلف الناس حول إنسان ما في حياته وبعد مماته اختلافاً شديداً، فرفعه بعضهم إلى درجة الملاك الرحيم، ودعوا له بالرحمة، وهوى به بعضهم إلى دركة الشيطان الرجيم، وصبوا عليه اللعنة، فاعلم أنه إنسان غير عادي، ونوال السعداوي من هذا النوع من الناس، ماتت فنالت من الثناء والمدح بقدر ما نالت من الهجاء والقدح، وأخذت نصيبها من الاحترام والتعظيم، كما أخذت نصيبها من الاحتقار والتصغير، وانقسم الناسُ فيها بين مُحبٍ غالٍ، ومُبغضٍ قالٍ، وانهال المحبون تقريظاً وتكريماً، وعلا صوت المبغضين تقريعاً وتوبيخاً، وما بين النقيضين يوجد فسحة من الرأي يُسمح بالذهاب إلى ما كتبته نوال السعداوي مباشرة، وما كتبته محوره قضية (تحرير المرأة)، على تنوّع أشكاله ما بين الدراسة والمقال والقصة والمسرحية، في عشرات الكتب على مدار سبعة عقود من الزمن عاشتها الكاتبة، كانت فيها قضية تحرير المرأة تتأرجح بين قطبين: يُريد أحدهما تقييد المرأة بالإٍسلام، ويريد الآخر تحرير المرأة من الإسلام، وأوسطهما يُريد تحرير المرأة بالإسلام، ولمعرفة موقع نوال السعداوي من ذلك، لا مناص من دراسة مختصرة لفكرها من خلال كتبها.

ترى نوال السعداوي في كتابها (الأنثى هي الأصل) أنَّ الأنثى بالطبيعة أصل الحياة بسبب قدرتها على ولادة الحياة الجديدة، وبالتالي أعلى قيمة، ولكنَّ الرجل فرض سيطرته، فساد النظام الذكوري الأبوي المجتمعات البشرية. وانتقدت في كتابها (الأُغنية الدائرية) النظام الذكوري، الذي سيطر على كل شيء، ولم يترك للمرأة سوى مكانة ثانوية على هامش نظامه. وذكرت في (مسرحية إيزيس) كيف انتشرت الصورة النمطية للمرأة، فأصبحت رمزاً للخطيئة وحليفاً للشيطان. وهذه المكانة الدونية للمرأة رُسّخت من خلال ممارسة التربية الذكورية وسيادة الأُسرة الأبوية، كما ذكرت في كتاب (الرجل والجنس)، وعُمّقت من خلال دور الثقافة المجتمعية التي تُرسّخ أفضلية الذكور على الإناث، كما جاء في كتابها (المرأة والجنس) فكان ذلك من أسباب معاناة المرأة، التي تعيش في ظلها صراعاً نفسياً عميقاً، صوّرته في رواية (امرأتان في امرأة)، من خلال شخصية بهية شاهين بطلة روايتها الثائرة المتمردة على مجتمعها الذكوري الأبوي، تعيش فيه صراعاً بين شخصية تريدها متحررة من قيود المجتمع، وأُخرى تريدها منصاعة لقيوده وراضخه لسطوته. والصراع النفسي للمرأة ركزت عليه في دراسة خاصة بعنوان (المرأة والصراع النفسي) تناولت فيه مرض العُصاب الناتج عن الإحباط المستمر للنساء لعدم تحقيق طموحهن الجسدي والعقلي بسبب مفاهيم اجتماعية ترى في المرأة أقل من الرجل جسداً وعقلاً، وأنها خُلقت لخدمة الرجل وإنجاب وتربية الأطفال فقط.

ركزّت نوال السعداوي على معاناة المرأة العربية والمصرية، فذكرت من خلال مجموعتها القصصية (أدب وقلة أدب) مجموعة من المشاكل المعاصرة للمرأة من خلال شخصيات رواياتها مثل: النظرة المزدوجة لكل من سلوك الرجل والمرأة، والزواج القصري من الأثرياء العرب، والاستغلال الجنسي للنساء، والقتل الفكري والنفسي للبنات، وزواج الصغيرات القاصرات، وختان الإناث، والعنف الذكوري ضد المرأة، وتمييز القانون المصري ضد النساء. وفي كتاب (المرأة والغربة) توضح قهر المرأة الجسدي والنفسي المتستر وراء الفضيلة، وتصف كيف تفقد المرأة ذاتها داخل الزواج، فتصبح زوجة فلان أو أم فلان، فتفقد اسمها عندما يقرر الرجل الزواج بأخرى أجمل أو أصغر أو أغنى. وتنتقد في كتابها (الأغنية الدائرية) التمييز المجتمعي في عقوبة الزنا بين الرجل والمرأة حتى لو كانت المرأة هي الضحية بالرضا أو بالإكراه. وربطت بين السلطة والدين والجهل كثالوث يُعمّق معاناة المرأة المصرية من خلال روايتها (موت الرجل الوحيد على الأرض)، فنسجت بواسطة واقع بعض النساء الريفيات كيف تتحالف السلطة ممثلة في عمدة القرية، والدين ممثلاً في إمام الجامع، والجهل متمثلاً في حلاق القرية، على إيجاد مجتمع تكون فيه المرأة وسيلة للإمتاع فقط.

واستفادت نوال السعداوي من سجنها في كتابة مسرحية (اثنتا عشرة امرأة في زنزانة) فساوت فيها بين قهر المرأة في البيت أو في السجن، واتخذت من قضايا السجينات قصصاً متعددة ترى في جميعها أسراراً تُخفي قهر النساء في المجتمع الذكوري، سواء كُنّ مسجونات بسبب حرية الرأي، أو التسوّل أو الدعارة، أو القتل، فالجريمة مرتبطة بالذكورة، فلا يمكن لأي امرأة أن تكون مجرمة من وجهة نظرها، فالإجرام يحتاج إلى ذكورة، كما ذكرت على لسان إحدى بطلاتها في قصتها (امرأة عند نقطة الصفر)، التي تروي فيها قصة سجينة تنتظر الإعدام بسبب جريمة ساقها الرجال إلى مصيرها المحتوم كامرأة مومس في مجتمع ذكوري مريض، الرجل فيه كل شيء، والمرأة لا شيء تقريباً. ومن السجن تنتقل إلى مجال الأدب لتنتقد فيه الأدب الذكوري المُتحّيز ضد النساء، فتذكر مثالاً على ذلك عبدالقادر المازني في كتابها (الوجه العاري للمرأة العربية)، فأقصى ما تتمناه البطلات في أدب المازني هو أن تحقق وجودها بالزواج، فعالم المرأة عنده هو الرجال، وأحلام العثور على الزواج، وفنون الاحتفاظ بالزوج. وفي (مسرحية إيزيس) لتوفيق الحكيم تنتقد مسرحيته إيزيس التي لا يرى المرأة من خلال شخصية إيزيس إلاّ ظل لزوجها، ولا يرى قيمة ذاتية عندها إلاّ الوفاء لزوجها، بينما رأت هي فيها قيم العدل والحكمة والمعرفة.

لم تقتصر كتابات نوال السعداوي على وصف معاناة المرأة عموماً، والمرأة العربية والمصرية خصوصاً، ولم تكتفِ بتحليل أسباب معاناتها- وفق رؤيتها – بل تعدى ذلك إلى تكوين مفهوم خاص لقضية (تحرير المرأة)، فوضعتها في إطار تحرير المجتمع كله، وجعلتها جزءاً من التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني، فكتبت في كتابها (المرأة والجنس) أنَّ تحرير المرأة جزء من تحرير المجتمع كله من النظام الرأسمالي وقيمه التجارية والأخلاقية، وأنَّ كفاحها من أجل التخلّص من قيم الرأسمالية وتقاليدها هو الكفاح المجدي، وأنَّ نجاح حركة تحرير المرأة يرتكز على مقدار نجاح المرأة في المساهمة في تغيير المجتمع نحو المساواة والعدالة للجميع. وفي نفس السياق رأت في كتابها (قضية المرأة المصرية السياسية والاقتصادية) أنَّ لتحرير المرأة مما أسمته عبودية الرجل يجب أن يكون لها كيانها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي المستقل، فالثمن الذي ستدفعه المرأة في العبودية أكبر من ذلك الذي ستدفعه من أجل تحررها. وإضافة للقوة الاقتصادية فإن امتلاك القوة السياسية للمرأة سيؤدي إلى انتزاع حقوقها كما جاء في كتاب (الوجه العاري للمرأة العربية) فالحرية تُؤخذ ولا تُمنح. وربطت بين كرامة المرأة وحريتها واستقلالها الاقتصادي في كتاب (المرأة والغربة)، فترى في قضية تحرير المرأة قضية سياسية واقتصادية ضد جميع أنواع الاستغلال الذكوري بمختلف أشكاله.

وإذا كان فقدان استقلال المرأة الاقتصادي من أبواب فقدانها لحريتها وكرامتها واستقلالها، فإنَّ فقدان استقلال مصر الاقتصادي يؤدي إلى نفس النتيجة، ولذلك كتبت في كتاب (أوراق حياتي) كتبت تنتقد المعونة الأمريكية لمصر في عهد السادات عقب اتفاقية كامب ديفيد، "من أجل استمرار المعونة تحدث التنازلات... الدولة التي تعيش عالة على غيرها كالمرأة أو الطفل الذي يعيش عالة على غيره". وتساءلت كيف سيكون الفرد مستقلاً في وطنٍ غير مستقل؟. وربطت بين كرامة المرأة والوطن في كتاب (توأم السلطة والجنس)، فقالت: " المرأة العاجزة عن الدفاع عن كرامتها وحريتها لا تستطيع أن تدافع عن كرامة الوطن وحريته". ووسعت فكرة (الخصاء) في مسرحيتها (الحاكم بأمر الله) ليمتد إلى الذكر والأنثى، متجاوزاً مفهوم الخصاء بمفهوم العجز الجنسي والعقم العضوي، إلى مفهوم العجز الفكري والعقم النفسي. وربطت بين ثالوث الفقر والجهل والمرض المؤدي إلى تخلف المرأة والمجتمع في كتاب (الأطفال يغنون للحب). وأخطأت حين وضعت الحجاب والتعري في درجة واحدة من إعاقة تحرير المرأة في كتاب (مذكرات طبيبة)، فاعتبرت التعرية والتغطية وجهان لعملة واحدة، فالملابس من وجهة نظرها ليس لها وظيفة أخلاقية. وتجاوزت ذلك إلى اعتبار الحجاب رمزاً لعبودية المرأة. وذهبت أبعد من ذلك بنقدها أحكاماً شرعية وردت في نصوص قطعية الثبوت والدلالة جاءت في القرآن والسُنّة، بل تعدت الخطوط الحمراء بتطاولها على الذات الإلهية في أحد كُتبها.

بالرغم من أنَّ نوال السعداوي طالبت بتحرير المرأة من أغلالها الاجتماعية الموروثة من عصور التخلّف والجمود، التي أوقفت عجلة التقدم والتطور. ودعت إلى  تحرير المرأة من قيودها القانونية الموروثة من عصور أُغلقت فيها أبواب الاجتهاد، التي أوقفت عجلة التجديد والابداع. ونادت بتحرير المرأة من سجون التيار الصحراوي الذي قيّد المرأة بفتاوى نُسبت إلى الإسلام وكبلها بآراء فقهية نُسبت إلى الشرع، واستدعى نموذج المرأة العورة التابعة من عصور الانحطاط... لكنها لم تتوقف عند النموذج الإسلامي الوسطي الحضاري فتأخذ منه، الذي يعمل على تحرير المرأة بالإسلام وليس من الإسلام، وعتق المرأة من الظلم وليس من الفطرة... فذهبت نوال السعداوي نحو نموذج التيار الغربي للمرأة، المستورد من أوروبا وأمريكا، والذي يعمل على تحرير المرأة من الإسلام وليس بالإسلام، وعتق المرأة من الفطرة وليس من الظلم، في محاولة لجعل المرأة تفقد هويتها كعربية ومسلمة، ويتميع دينها كفرد ومجتمع، وتنتكس فطرتها كإنسان وأنثى... وما إلى ذلك من أثر على الأمة بفقدان هويتها، وتمييع دينها، وانتكاس فطرتها.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".