قد نستطع قراءة الموقف الاسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية أكثر من قراءة الموقف الرسمي الفلسطيني في ما يخض منعها اسرائيليا أو تأجيلها فلسطينياً، بالرغم من شح المعلومات الصادرة من الجانب الرسمي الاسرائيلي، باستثناء بعض المقالات والتحليلات من المحللين الامنيين الاسرائيليين الذين يروا إن الانتخابات تشكل مخاطر على إسرائيل، أكثر مما تحمله من الفرص، والتحذير من تكرار ما حدث في انتخابات 2006 يمكن أن يتكرر في الانتخابات المقبلة.
والتصور الأمني الإسرائيلي بشأن الانتخابات الفلسطينية، على أنها تشكل تهديدا لإسرائيل، فإذا ما فازت حماس في الانتخابات، فإن ذلك سيعزز ثقة الحركة بنفسها لتتحدى إسرائيل بشكل أكبر.
وهذا يعبر عن قلق اسرائيلي لدى المسؤولين في الاجهزة الأمنية سواء في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أو الشاباك، الذين يراقبون ويحللون التطورات في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
إسرائيل ما زالت تتذكر الصدمة التي أصيبت بها عندما أدركت فوز حركة حماس في انتخابات عام 2006، مقابل هزيمة حركة فتح التي تعاني من انقسامات، وقد تراجعت صورتها لدى الفلسطيين، في المقابل تبدو حركة حماس مصصمة وبدرجة عالية من الوحدة والمهارات التنظيمية.
زيارة رئيس جهاز الشاباك نداف ارغمان للرئيس محمود عباس وتحذيره من اجراء الانتخابات والخشية من تكرار سيناريو 2006، وفوز حركة حماس، هي تعبر عن موقف رسمي اسرائيلي، صحيح ان التعامل مع السلطة الفلسطينية هي الاجهزة الامنية في غياب اللقاءات السياسية بين الجانبين.
زيارة ارغمان وما يقوله المحللين الاسرائيليين الامنيين، بالطبع هي ترجمة لما يقوله قادة أجهزة الأمن الإسرائيلية، والتي لا ترغب في إجراء الانتخابات الفلسطينية، برغم قول بعض المحللين الاسرائيليين ان إسرائيل لا تريد تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية، وليست لديها إجراءات تذكر للتأثير على الانتخابات.
حيث ذكرت إسرائيل هيوم أن هناك قرار إسرائيلي بعدم التدخل بالانتخابات الفلسطينية المقبلة، لكنها متخوفة من تقوية حماس في الضفة، وما ذكؤه بعض المعلقين الاسرائيلن أن اسرائيل قررت أنها لن تتدخل في الانتخابات الفلسطينية، برغم القلق من إمكانية ازدياد قوة حمـاس في الضفة الغربية.
غير أن هذا غير دقيق، فاسرائيل اتخذت عدة خطوات بتهديد عدد ليس قليل من المواطنيين الفلسطينيين الذين يرغبون بالترشح للانتخابات، وممارسة الاعتقالات اليومية في الضفة الغربية لشخصيات محسوبة على فصائل المقاومة.
ووفقا لصحيفة "إسرائيل هيوم" أيضاً، التي نقلت عن رئيس الشعبة الاستراتيجية والدائرة الثالثة في إسرائيل، قوله: "فيما يتعلق بالانتخابات الفلسطينية المقبلة، هذا حدث نتابعه عن كثب.
وذكر أمير بوخبوط في تقرير نشره موقع "ويللا" الإسرائيلي أن "المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تتخذ خطوات في محاولة لمنع حماس من رفع رأسها في صناديق الاقتراع، وتستعد للسيطرة على ألسنة اللهب".
وأضاف بوخبوط إلى أن الجيش الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية استبقا الانتخابات التشريعية والرئاسية، بحملة اضطهاد ضد نشطاء حركة حماس في الضفة الغربية، وأنهم "لا يستطيعون تعليق صورة أو علم يحمل شعار الحركة".
وفي حين السلطة لا تزال تعيش في ارتباك تجاه التحضير للحملة الانتخابية"، وأن وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس يتلقى مراجعات دورية لما يحدث بالضفة الغربية، وسط اكتساب حماس للمزيد من القوة في الشارع الفلسطيني وفقا لبوخبوط.
على الرغم من الموقف الاسرائيلي المركب والمعقد فإن محللي الاستخبارات العسكرية و"الشاباك" أعدوا السيناريوهات في حال فوز حماس في الانتخابات بالضفة الغربية، وقد تكون إسرائيل غير راغبة بمنع الانتخابات بشكل مباشر، وتكتفي الان بالتحذير، واعتقال بعض المرشحين، وقد تكون تنتظر نوافذ الفرص إلى ما بعد الانتخابات، وتتخذ إجراءات مثل اعتقال النواب وشل المدلس التشريعي.
الخشية الإسرائيلية هي من احتمال أن تفوز حماس، في حين أن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة مركبات الرباعية الدولية لم تتراجع عن شروطها التي فرضت في العام 2006، بادانة الارهاب، وفي حال فوز حماس، فإن سرائيل مستعدة لمواجهة أي سيناريو، بما في ذلك إمكانية حدوث تصاعد في أعمال "الإرهاب" كما يذكر المسؤوليين الامنيين، و"الارهاب" هو الذريعة التي تتخذها اسرائيل والرباعية الدولية لمنع جماس من ان تكون جزء من النظام السياسي الفلسطيني، إلا اذا قبلت بشروطها.
وعلى ضوء ذلك قد تتخذ إسرائيل خطوات أكثر دراماتيكية بالسماح بإجراء الانتخابات، واستعلال الفرصة بفرض واقع جديد واستمرار سياساتها تجاه القدس بعد فرض السيادة عليها ومنع إجراءالانتخابات فيها، وقد تكون الانتخابات أيضا فرصة ومنع الفلسطييين من الانتخاب في مناطق "ج"، وتنفيذ الضم لتلك المناطق.
قد يكون الموقف الرسمي الاسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية مركب ومعقد، من جهة تعمل على تعزبز الانقسام الفلسطيني بطرق شتى، ومن جهة اخرى تبحث عن فرص لها من خلال الانتخابات، إلا ان الموقف الفلسطيني الرسمي يبقى في حالة من الغموض والانتظار، وعدم القدرة على مواجهة التهديد والسياسات الاسرائيلية.