تسير العملية الانتخابية بخطى ثقيلة، في ظل تراجع الأمل وغياب اليقين، وتوجس بعدم إتمامها أو تأجيلها بسبب وبدون سبب، بعد أن رفع الناس سقف توقعاتهم من انها قد تحدث تغيير ما في الساحة الفلسطينية، وتغيير شروط حياتهم القاسية في ظل الاحتلال والانقسام، وسلطات حاكمة فشلت في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم واحترام الكرامة الوطنية.
ينظر البعض إلى الإقبال على عملية التسجيل في الانتخابات، والعدد الكبير للكتل الانتخابية التي تقدمت بطلبات الترشح لخوض العملية الانتخابية، على أنه صحي وحق من حقوق الإنسان في المشاركة السياسية والشأن العام، ودليل على التعددية وممارسة الديمقراطية، وانتخاب الناس ممثلين لهم في المجلس التشريعي، وبداية الطريق للتغيير في النظام السياسي الفلسطيني.
في حين ينظر بعض آخر، إلى أن العدد الكبير للكتل الانتخابية على أنه دليل على فقدان الثقة بالنظام الفلسطيني وحال التشتت الذي وصل إليه الفلسطينيين، وما فعله الانقسام وتجريف الحياة السياسية، بفعل احتكار العمل السياسي من الفصائل، وحركتي فتح وحماس اللتان سيطرتا على النظام الفلسطيني، وعمقتا الانقسام المستمر منذ خمسة عشر عاماً، وقد يستمر حتى لو تمت الانتخابات.
يذهب الفلسطينيون للانتخابات في ظل انقسام حاد ولم يتغيير شيء حقيقي على الأرض، الانقسام مستمر والخلافات لا تزال قائمة برغم التوافق على قضايا الخلاف في قانون الانتخابات الإشكالي والذي يشوبه العوار، وغيرها من القضايا، وواحدة منها كفيلة بتفجير الانتخابات في أي لحظة. إضافة إلى الانقسام العميق في حركة فتح والذي يؤثر على الساحة الفلسطينية ويعزز التشاؤم بعدم اتمام الانتخابات، وتقدمت ثلاث كتل انتخابية باسم حركة فتح، حتى لو انها لا تحمل اسم الحركة، باستثناء القائمة الأولى وهي القائمة المركزية لحركة فتح الرسمية بقيادة الرئيس محمود عباس، والثانية التي شكلت بتحالف الاسير مروان البرغوثي وناصر القدوة، والثالثة التي تحمل اسم التيار الاصلاحي الديمقراطي في حركة فتح، ويقودها النائب في المجلس التشريعي محمد دحلان.
بنظرة أولى وقبل الاطلاع على البرامج الانتخابية للكتل الثلاثة التي تمثل حركة فتح، سواء قبل المؤيدين لها أو المعارضين، فقيادة الكتل الثلاثة تقول إنها تنتمي لحركة فتح وتتمسك بالحركة، وبرامجها مستمدة من برامج ورؤية الحركة الام، سواء السياسية أو المقاومة الشعبية والسلمية للاحتلال.
وحتى في طريقة إدارة السلطة وتعزيز صمود الناس وتكافؤ الفرص والتشغيل ومواجهة الاحتلال والاستيطان، ولم نكن نسمع أي انتقادات لسلوك السلطة من قيادة الكتلتين الجديدتين باستثناء الخلاف الذي أخذ الطابع الشخصي، وغيرها من الشعارات والوعود التي سنسمعها وسمعناها في الانتخابات التي أجريت في العام 2006.
ويتضح ذلك من أداء السلطة وحكومتها، وغياب الحكم الصالح الرشيد وانتشار الفساد والمحسوبية، وقمع الحريات العامة وانتهاكات حقوق الإنسان، وتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، ورزمة القوانين التي سنت خلال السنوات الماضية لتكريس سطوة السلطة التنفيذية وأجهزتها الامنية.
ولا أعتقد أنه سيكون هناك اختلافات كبيرة بين البرامج والرؤية السياسية، وحتة التحالفات الإقليمية والدولية، سوى مطالبة البرغوثي والقدوة وأيضا دحلان بالتغيير، والمقصود الإطاحة بالرئيس عباس، وهم محقين بذلك، فتجديد النظام السياسي الفلسطيني مطلب وطني من الكل الفلسطيني.
إضافة إلى ذلك والسؤال المطروح، ما هو الجديد في البرامج الانتخابية للكتل الانتخابية وفي مقدمتها الفصائل خاصة حركة حماس، والتي لا تزال تحكم وتسيطر على قطاع غزة، وتجربتها في الحكم كانت سيئة وارتكبت انتهاكات حقوق الانسان وقمع الحريات، ولم تستطع الجمع بين المقاومة والسلطة.
والعدد الكبير للكتل والقوائم الانتخابية هو دليل على عدم رضا قسم كبير من الفلسطينيين على حكم حماس في قطاع غزة، كما هو عدم رضاهم عن حكم فتح في الضفة الغربية، والذي امتد إلى القطاع سواء بعلاقتها بالموظفين، وغيرها من الأمور الحياتية للناس والسلطة فرضت إجراءات عقابية ضدهم.
ولم تعد مبررات حماس أنها محاصرة، ومطلوب رأسها من إسرائيل، ولم تمكن من الحكم، فمطالب الناس بحياة كريمة ولم يعنيهم ذرائع ومبررات حماس التي لم تقنعهم، بأن المقاومة حققت أهدافهم بالتحرر أو حتى ردع الاحتلال، وتعزيز صمودهم، وتوفير الحد الأدنى من العيش الكريم.
الخطاب السائد الذي نسمعه من الكتل الانتخابية مجتمعة هو خطاب خدماتي، ولم نسمع خطاب سياسي وطني يعبر عن القضية الوطنية، وكأن التسابق الانتخابي هو تقديم الخدمات للناس، اعتمادا على الوعود بالمساعدات والهبات الخارجية.
والسؤال الاهم: أي انتخابات ستجرى في ظل هذه الأجواء المسممة، وخطاب الكراهية الذي يتم تداوله بعد تصريحات ناصر القدوة حول حكم الاسلام السياسي في غزة، وضرورة استعادتها جغرافيا وسياسياً، والحرب الضروس التي تشنها حماس عليه، وهي تصريحات غير موفقة وتعتبر سقطة ستستغل ضده من فتح قبل حركة حماس غزة.
قد تجرى الانتخابات وقد لا تجرى، ولم تعد مقولة أن الانتخابات مدخل لإنهاء الانقسام مجدية، وإن أجريت وفي ظل عدم التوافق على إنهاء الانقسام والمصالحة، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير واصلاح النظام السياسي وتغييره إن أمكن، سوف يستمر الانقسام ويتعزز بتقاسم وظيفي، وستتعزز أكثر القاعدة التي تقول أن الهدف من الانتخابات هو السيطرة على السلطة بشرعية شكلية، وإن كانت على حساب القضية الوطنية.