رحلت شيماء أبو العوف ليلة العيد، مخبرة خطيبها بأنها مازالت تحمل في فؤادها ذلك الحب، تقول له: صبرًا على فُراقي فاني اسفة لم أود الرحيل لكنها الحرب حاقدة، لم تمهلني طائرات الاحتلال فرصة للنجاة بنفسي أو بأي من أحلامي، لقد نسفت حلمنا الصغير.
وأدى القصف العنيف الذي تعرض له شارع الوحدة وسط مدينة غزة، وتدمير ثلاث بنايات سكنية على رؤوس ساكنيها إلى استشهاد 43 مدنيًا، لتحول المنطقة السكنية الآمنة إلى منطقة مهجورة، يعج فيها غُبار الحرائق، وتنبعث منها رائحة الموت والفقد.
وكان من المقرر أن يحتفل العريس أنس اليازجي مع عروسه شيماء بزفافهما بعد عيد الفطر، فلقد انتظروا عامين ونصف ليتمموا فرحتهم هذا الصيف، ولكن أي صيف هذا الذي يأتي محملًا بالركام والدم والموت!!
ويقول اليازجي، إنه منذ أكثر من شهرين و يضع مع عروسه الشهيدة اللمسات الأخيرة على شقتهما السكنية تجهيزًا لموعد الزفاف، "كل التفاصيل تشاركنا في صنعها معًا من أجل عُشنا الصغير".
ليلة الرحيل..
يروي العريس أنس، وقد ارتسمت ملامح الحزن والصدمة على قسمات وجهه، إنه ولآخر لحظة كان على اتصال بخطيبته التي كانت خائفة من صوت القصف،:"كتبت لشيماء على الواتس آب أسألها كيف الحال؟ فردت: بخير الحمد الله بس خايفة، قلت لها، اختبئي في مكان آمن، فلم تصل الرسالة للأسف، حينها سبقت الصواريخ لاستهداف منزلها ".
وتحوّلت العمارة السكنية التي تضم “جهاز العروس” إلى كومة من الرُكام، وقضى تحتها العديد من الشهداء المدنيين، وتناثرت أدوات الزينة، وزجاجات العِطر، والهدايا بين الحِجارة المُهدمة، لترسم لوحة متكاملة من الوجع والألم الممزوجان بالفقد.
أمضى أنس ما يقارب 14ساعة من اللهفة عند كل حجر يتم رفعه، وكل صوت يخرج من تحت الأنقاض ، على أمل أن تكون خطيبته من بين هذه الأصوات التي ما زالت متمسكة في الحياة.
أخيرًا تمكن رجال الدفاع المدني من الوصول لشيماء وانتشالها، لكنها للأسف كانت قد لفظت أنفاسها الأخيرة تحت الأنقاض، وبين الركام الملتف حولها.
من اللحظات الصعبة التي لا يمكن وصف قسوتها هي انتشال الأحبة من تحت الأنقاض، يقول أنس: "تخيل أن تفقد شريك عمرك، حبيب روحك، نبض قلبك في لحظة واحد قرر فيها الاحتلال أن يسلبك حياتك كلها، فقدتها بالفعل حين رأيت شيماء بالكفن بدل فستان الزفاف، وقد حلت الدماء على وجنتيها بدل من مساحيق التجميل".
ابتسم قهرًا
وأضاف أنس اليازجي “ذهبت لأودعها فوجدتها ضاحكة.. قلت والله إنك أحسن مني، راحت على الجنة الحمد لله رب العالمين”.
تزينت بالأبيض دون وجودي بجانبها ، سبقتني إلى الجنان، وتابع “اليازجي” وهو مبتسم: والله مبسوط لشهادة نالتها وسيدخل معها سبعين من أهلها للجنة وأنا منهم”.
ونعى اليازجي خطيبته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بهذه الكلمات :" لا نقول الا ما يرضي الله تعالي، ان القلب ليحزن وان العين لتدمع، وانا على فراقك يا شيماء لمحزونون، انتقلت الى جوار ربها الدكتورة شيماء علاء ابو العوف شهيدة مبتسمة، وشهادة أن لا اله الا الله وان محمد رسول الله في السراء وفي الضراء ولا اله الا الله والحمد لله رب العرش العظيم".
وفي حديثه لـ"شمس نيوز" ابتسم قهرًا ثم تابع: بكيت وضحكت معها، الوحيدة التي أخبرتها بكل حكاياتي الخفية، بكل جروحي التي لم تضمدها الأيام، ولكن حضنها فعل!!
كيف يتقبل الإنسان نفسيًا غياب حبيب روحه؟؟
غيابه كليًا؟؟
إنه لا يتقبل الحقيقة، يؤنس نفسه، ولا يمكن..
رحلت شيماء.. وبقي الحب وأنا..
فرت الدمعة هاربة من عينه، لقد تركت شيماء يدها التي تحمل عنوان حبنا كي لا يلطخها الدم والرماد، تركتها لنا خارج الأنقاض واضحة..
لتقول لنا: لن يقتلوا الحب في بلاد الحرب..
تركت من شغفها أثر
يقول اليازجي كانت دكتورة بكل فخر، لكنها اليوم تغيب شيماء 21 عامًا طالبة طب الأسنان المجتهدة في عامها الدراسي الثالث، صاحبة الوجه الملائكي، كان لديها شغف كبير بتخصصها وتسابق الزمن لإنهاء الدراسة لتمارس عمليًا مهنتها، كان لديها الكثير من الشغف لتجربتها العملية.
ويضيف اليازجي "أنها كانت تطلب من صديقتها لتطوع لأن تقوم بفحص أسنانهم، قبل كل شيء كانت إنسانة محبوبة من قبل صديقاتها ومن من حولها.. حافظة للكتاب الله.
لم يبق لي منها سوى بيتنا و عدتها" الأدوات المستخدمة لطالب طب الاسنان" للذكري