كتب: توفيق المصري
قبل أن أعلق فنيًا على هذه الصورة وضح تفاصيلها وملابساتها للعموم حول كيفية وقواعد إجراء مقابلة مع شخصية أمنية حساسة، فبعد أن تتقدم الوسيلة الإعلامية بطلب للمقاومة لعقد مقابلة مع شخصية أمنية، تتخذ المقاومة عدة إجراءات لتنفيذها وهي بمثابة قواعد ثابتة، ولا يمكن تغييرها بأي حال من الأحوال.
أولاً: بعد موافقة المقاومة على إجراء المقابلة الصحفية، تطلب تحديد عدد الأشخاص الصحفيين الذين سيحضروا لتنفيذ اللقاء من مصورين وصحفيين وهوياتهم وتجري تحري معمق عنهم، ثم بعد ذلك تطلب منهم الحضور إلى منطقة معينة -في حينها- تكون بعيدة عن منطقة إجراء المقابلة ثم تأخذهم بسيارات خاصة وتُعصب أعينهم لحين وصولهم للمكان المقرر عقد اللقاء داخله.
ثانيًا: قد تلجأ المقاومة إلى تصوير اللقاء مع الشخصية الأمنية الحساسة وتسليمه للجهة الإعلامية متضمنًا فيه إجابات لمجموعة أسئلة تم تسليمها سلفًا؛ وذلك حرصًا على الشخصية الأمنية، حتى لا يتم تعقبه.
لماذا هذا التوضيح؟
في كلتا الحالتين، فإن جهة المقاومة هي من تقوم بتحديد موقع ومكان التصوير، بل وتتحكم بكادره، ومن المؤكد أنها تُظهر ما تريد إظهاره، وتتحكم أيضًا في طبيعة الإضاءة المستخدمة وأين ستوجه، وفي تركيز الصورة، وبمعنى أدق يكون كل شيء مدروسًا ولا شيء عبثيًا، مثلاً من اختيار الديكورات والأثاث، فوجود كل أداة في الصورة ذات مغزى وهدف، والهدف منه إيصال رسائل بصورة غير مباشرة.
وفي قواعد التصوير والإخراج التلفزيوني فإن منتصف الشاشة يعد الأكثر تركيزًا لعين المشاهد والمُتلقي، فمثلاً إذا كانت الشخصية الأمنية في كادر يمين الشاشة ومنتصف الشاشة صورة مسلط عليها الضوء، فهنا لنا وقفة.
يلفت الانتباه صورة جاءت خلف مروان عيسى نائب قائد أركان كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ضمن برنامج ما خفي أعظم بعنوان "في قبضة المقاومة" الذي بُث عبر قناة الجزيرة مساء الأحد 06 يونيو 2021، هي لوحة لخريطة فلسطين، تظهر خطوطًا كأنها خريطة لشبكة الأنفاق التي طالما كانت هدفًا للاحتلال ومؤخرًا قال إنه استهدفها وتسبب بدمار كبير لها.
ومن الواضح أن صورة -الخريطة- ضمن إطار متسلسل لما نشرته قناة الجزيرة قبل أيام، حين تجول مراسلها هشام زقوت بصحبة عدسة الجزيرة داخل شبكة أنفاق حماس، بمعنى أن الرسمة ليست عبثًا.
وما يلفت الانتباه أن الصورة قد تبدو أنها ليست لوحة مطبوعة بل تظهر جليًا أنها رسمت باليد، في رسالة ربما تريد القسام إرسالها إلى العالم بأنها تشق الأرض بأيدي مقاتلها من كل مكان نحو كامل فلسطين المحتلة.
والمتمعن للرسمة يجد خطوطها التي قد تكون شبكة أنفاق حماس ومداها الذي وصل إلى عمق الداخل المحتل، ومصدرها من أماكن أخرى غير قطاع غزة.
وتقدم هذه الخطوط الموجودة في الصورة مؤشرات "واضحة" لتبني كتائب القسام استراتيجية الأنفاق لما لها من أهمية عملياتية كإحدى الأدوات الهامة في "حرب العصابات" ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتي يُمكن أن تربك وتشوش وتضعف قدرة الاحتلال في تعقب المقاومين وإحباط العمليات الفدائية، والتي يمكن أن تشكل التحدي الأكبر للجيش الإسرائيلي أثناء قيامه بالعمليات العسكرية ضد المقاومة الفلسطينية.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل أصبح الاحتلال عاجزًا عن تدمير شبكة أنفاق حركة حماس؟ وماذا لو كان هناك قرارًا بإنهاء القوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، فكيف سيتم إنهاء ملف الأنفاق؟