شكّلت المواجهة الأخيرة مع الاحتلال "الإسرائيلي" والتي انطلقت من باحات المسجد الأقصى المبارك، وحي الشيخ جراح، مروراً باللد والرملة وأم الفحم ويافا، وصولاً إلى معركة "سيف القدس" في قطاع غزة، نقطة تحوّل كبرى لجهة إبراز دور ومركزية الإعلام في الصراع مع العدو "الإسرائيلي".
فمن صرخات الحرائر في باحات الأقصى والشيخ جراح، إلى هبة المنتفضين في الداخل المحتل، ورشقات الصواريخ المنطلقة من باطن الأرض المحاصرة في غزة، وتحركات المهجّرين على حدود الوطن المسلوب، والتي كانت جميعها على الهواء مباشرة عبر وسائل الإعلام كافة، وفي مقدمتها وسائل إعلام المقاومة، ومواقع وشبكات التواصل الاجتماعي (رغم محاولات الأخيرة تقييد ومحاربة المحتوى الفلسطيني)، والتي أحدثت فارقاً مهماً في التعاطي مع القضية الفلسطينية داخلياً وخارجياً، بات الجميع يدرك الدور المهم الذي يؤديه الإعلام المقاوم في تغيير مسارات المواجهة مع الاحتلال، باعتباره شريكاً أصيلاً في المواجهة، وجزءاً لا يتجزأ منها ومن تفاصيلها، لما يتمتع به من مصداقية، ومهنية أربكت الإعلام المعادي، حتى بات الإعلام المقاوم (المؤسَسي وغير المؤسَسي) يشكل مرجعاً ليس لجمهور المقاومة فحسب، وإنما للجمهور المحايد، أو المعادي في كثير من الأحيان.
ولذلك رأينا خلال معركة "سيف القدس"، وبالرغم من محدودية الإعلام المؤسَسي المقاوم، أمام تضخم الإعلام المؤسَسي المعادي، حجم التحشيد العالي، والتأطير غير المسبوق، والالتفاف غير المتناهي، حول القضية الفلسطينية بمركزيتها وقدسيتها، وحق المقاومة في الدفاع عن شعبنا ومقدساتنا في مواجهة آلة القتل "الإسرائيلية"، الأمر الذي أربك مخططات الاحتلال، وأفشل مساعيه في تأليب الشارع الفلسطيني على مقاومته والنيل منها أو الاستفراد بها، فما بالنا لو كنا أمام منظومة إعلامية مؤسساتية مقاوِمة ممتدة عبر عديد العواصم، تصنع الحدث وفق أسس ومعايير تقود إلى إحداث تغييرات معرفية، ووجدانية، وسلوكية تجاه الحق الفلسطيني الأبلج، في مواجهة الباطل "الإسرائيلي" ومن يدور في فلكه من أنظمة استعمارية غربية داعمة، وعربية ذليلة متواطئة!.
حالة الاشتباك التي خاضها الإعلام المقاوم قبل وخلال معركة "سيف القدس"، مع الرواية "الإسرائيلية"، والتي حقق خلالها إنجازات يشار لها بالبنان في مواجهة إعلام الاحتلال، تدعو إلى مزيد من الاشتباك وتصاعد المواجهة عبر مختلف المنابر الإعلامية، لتعزيز الرواية الفلسطينية، وإثبات المظلومية التي يتعرض لها الفلسطينيون، ولذلك فإن كل الإعلاميين الأحرار الذين أثبتوا انحيازهم للحقيقة، مطالبين اليوم وأكثر من أي وقت مضى لمواصلة هذا الدور، لتعزيز الوعي وتحشيده باتجاه فلسطين القضية والهوية والتاريخ، من خلال كتاباتهم وصورهم ورسوماتهم التي تؤكد بداية على مشروعية المقاومة بأشكالها كافة، والعمل على أنسنة القضية الفلسطينية، وتجسيد مظلوميتها، وأيضاً التأكيد على همجية وعدوانية الاحتلال وعدم مشروعيته، وقابليته في نفس الوقت للهزيمة والانكسار والزوال وهو ما أثبتته "سيف القدس".
وختاماً، ورغم أن الحرب على غزة قد وضعت أوزارها، وقد هدأت الراجمات التحت أرضية التي هي -بحسب قادة المقاومة- قيد "التذخير" من اللحظة الأولى لوقف إطلاق النار، استعداداً للجولة المقبلة، إلا أن ذلك لا يعني أن المتخندقين في جبهة الإعلام مسموح لهم بالركون إلى الهدوء، فكل الجبهات قد تهدأ إلاّ جبهة الإعلام، فمن واجبها أن تظل تقاتل، فالمعركة على الوعي ما زالت على أشدّها! وهذا يدفعنا إلى التفكير جدياً للعمل على مأسسة الإعلام المقاوم الذي يمتلك زمام المبادرة، عبر رؤى إبداعية وخلاّقة قادرة على ترجمة مشروع المقاومة النهضوي الكبير الآخذ في التمدد، إلى خطاب إعلامي متكامل، من أعمال وبرامج وفعاليات، ومصطلحات، قادرٌ على المواجهة، وقادرٌ على تحقيق الانتصار!.
ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريباً!