خروج السنوار في حديث "غاضب" وبلغة مختلفة عقب لقائه مع منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، ليقول ان نتائج لقائه بوفد من الأمم المتحدة بالسيئ، مضيفا أنه لم يكن إيجابيا باتجاه حل الأزمة في قطاع غزة، وانه سيتم عقد لقاء لقادة الفصائل الوطنية والإسلامية، خلال الساعات القادمة لإقرار الخطوات التالية، امام هذا المشهد نحن الان امام تثبيت قواعد وسياسات جديدة مرتبطة بنتائج معركة سيف القدس.
*رؤية الاحتلال:
التقدير الاسرائيلي يرى ان الحرب الأخيرة انتهت دون ان يتحقق الردع، ولم يتم الاتفاق على المعايير الخاصة بوقف إطلاق النار، وحل قضية الأسرى، وإعادة إعمار غزة، ووقف تقوية حماس، حكومة بينيت تريد عدم محاكاة سياسة نتنياهو وتحديد سياسة خاصة بالتعامل مع غزة تربط الاعمار والتسهيلات بإنهاء قضية أسرى الاحتلال وفرض معادلة جديدة بموجبها سيتم القصف ردا على البالونات الحارقة التي يتم إطلاقها والتعامل معها معاملة الصواريخ. نفتالي بينيت اليميني يريد تحت ضغط الانتقادات من حزب “الليكود” اليميني المغادر للسلطة، إثبات أن حكومته لا تقل يمينية عن سابقتها.
*رؤية المقاومة:
وقوى المقاومة ترى أن ما بعد معركة سيف القدس ليس كما كان قبلها، هناك معادلات جديدة تشكلت على أرض الواقع لا يمكن تجاهلها، تفرض نفسها بالحراك الدولي والإقليمي تجاه المقاومة والقضية الفلسطينية، خاصة أن ما حققته المقاومة في غزة سدد ضربة قوية لصفقة القرن، وأعاد طرح الحق الفلسطيني من جديد أمام العالم أجمع، وأحيا القضية الفلسطينية. وفي ملف قطاع غزة المقاومة لن تقبل بأقل من انفراجه كبيرة للأوضاع الإنسانية في غزة كما تحدث السنوار، وترفض أي اشتراطات بموضوع تبادل الأسرى، وأنه لا علاقة لهذا الموضوع بأي تخفيف أو أي إعمار أو كسر حصار، وتسعى إلى تغيير المعادلة التي تعيش فيها مع تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
التحديات اما حكومة بينت
ضمن التحديات الصعبة التي يتوجب على حكومة نفتالي بينيت التعامل معها هي القدرة على الحفاظ على تماسك الحكومة المكوّنة من ائتلاف هش بسبب كثرة التناقضات والخلافات بين أطيافها، عدا عن محاولات نتنياهو ومقربيه إسقاطها في أقرب وقت ممكن.
بنت رئيس الوزراء الإسرائيلي كان وزيراً حرب سابق، وأخرج كل ما بجعبته ضد قطاع غزة، ووزير الحرب الحالي الذي أشرف على العدوان الأخير على غزة، كان رئيس أركان عدوان 2014 على القطاع فالمقاومة خبرتهما جيدا وقادرة على قراءة اتجاهاتهم.
المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، يشير أن "نقطة ضعف بينيت المركزية تتعلق بخبرته المعدومة نسبيا. فالعضوية لعدة سنوات في الكابينيت السياسي – الأمني وولاية لنصف عام كوزير للأمن ليست كافية من أجل إعداد شخص بشكل كامل لثِقل المسؤولية المتعلقة بقيادة دولة معقدة مثل إسرائيل".
فشل الرهان على كوخافي وخطة "تنوفا" عندما وضعت موضع التنفيذ في معركة سيف القدس حيث فشلت الخطة في تحقيق الحسم من جهة، ولم تسهم في تقصير أمد المواجهة، وتقليص الكلفة التي تتكبدها "الجبهة الداخلية" الإسرائيلية مقارنة بحرب 2014.
*الواضع الراهن
الكيان الصهيوني بحكومته الجديدة يسعى لاستخدام الوسائل الغير عسكرية (الحصار والتضيق) للضغط على المقاومة لحملها على فعل الامور التي ما كانت لترضى بها في ظروف أخرى، مضاف الى ذلك التهديد المتواصل باستخدام العمل العسكري لفرض سياسة الاحتلال الجديدة على المقاومة.
ما نشهده من تصعيد بالتصريحات الصادرة عن المقاومة والاحتلال، قد تكون تهديدات تأتي خشية وتحسبًا من قدرات المقاومة التي باتت مؤثرة، وهناك ميل لدى الاحتلال (نفتالي بينت – غانتس – كوخافي) للتركيز على جانب التهديد وإظهار القدرة والاستعداد ومحاولة زيادته من حيث إظهار الكلفة والثمن الذي ستجنيه المقـاومة من أجل تحقيق ردع مؤثر.
التهديد الحاصل باستخدام القوة واقراره له عدد من الخيارات، تتراوح بين القوة العسكرية والفعل الشعبي الخشن وبأي وسيلة نبدأ، مرتبط بالتقدير الحاصل حول قدرتها على ايجاد مناخ ملائم للوصول للأهدافنا، لأنه قد لا يكون هناك حاجة لأن تقتصر استجابة المقاومة لاستخدام القوة العسكرية في هذه المرحلة، فقد أمسى التلويح بالقوة مرادفاً للتلويح بالقدرة من اجل التأثير على حسابات العدو وادوات القوة عديدة ومتنوعة، ومن المفيد استخدامها بحسب ما تحدثه من تأثير على مسلك الاحتلال واجبار الوسطاء بالتحرك الجدي والفاعل.
بناء على الشواهد السابقة قد نكون أمام سيناريوهين:
السيناريو الأول: الضغط عبر الادوات الشعبية الخشنة مع تذبذب محدود صعوداً وهبوطاً:
يعبّر السيناريو عن الأمر الواقع، وهو أن لا حركة “المقاومة“ ولا “إسرائيل“ معنيتان بتصعيد عسكري يتطور إلى عملية عسكرية أو حتى حرب واسعة في قطاع غزة. وان المقاومة من خلال الضغط بالأدوات الخشنة معنية بتخفيف الأزمات عن الناس وتحسين الأوضاع المعيشية دون الوصول إلى المواجهة المفتوحة، ويقوم هذا السيناريو على استمرار معطيات ما بعد معركة سيف القدس من حيث أحياء القضية الفلسطينية امام العالم ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة وخشيتها من تجدد المواجهات العسكرية يدفع بإتجاه تحرك جاد وفاعل من قبل الوسطاء لإلزام الاحتلال بالعودة للتفاهمات السابقة واحياء الدور المصري والقطري في اعمار غزة
لا يتطلّب هذا السيناريو سوى كسر سياسات حكومة بينت الجديدة عبر الضغط الشعبي المتصاعد واجبار الاطراف الإقليمية والدولية المؤثرة على التحرك السريعة خشية انزلاق الاحداث وتطورها لحرب جديدة أكثر شراسة.
السيناريو الثاني: تصاعد المواجهة مع الاحتلال بصورة قوية:
وصف السيناريو:
تصعيد ميداني قوي في أداء فعاليات المقاومة الشعبية الخشنة، وزيادة حدّة الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني، بعد اتباع سياسة الرد على المقاومة الشعبية وصولاً إلى مواجهات قوية واسعة قد تصل إلى مستوى اندلاع مواجهة شاملة جديدة.
شروط تحقق السيناريو:
1. زيادة وطأة الحصار المفروض على قطاع غزة، وتفاقم الأوضاع المعيشية، وتراجع التوقعات فلسطينياً بإمكانية رفع الحصار عبر تدخلات الوسطاء الحالية.
2. فشل الجهود المصرية في إنجاز اتفاق تهدئة وعجزها عن احتواء التصعيد بين الاحتلال والمقاومة في غزة نتيجة أي تصعيد قادم.
3. تزايد الحرج في موقف القيادة الإسرائيلية الجديدة، نتيجة المزايدات والضغوط السياسية الداخلية والاتهامات بضعف القدرة على مواجهة تحدي المقاومة، وحسم موقف قيادة العدو باتجاه الذهاب نحو مواجهة شاملة مع قطاع غزة.
النتائج التي يتوقع أن تترتب على تحقق السيناريو:
1. تعزيز فرص المواجهة الواسعة المفتوحة بين المقاومة في غزة والاحتلال، والتي يبدي الطرفان حرصاً على تجنبها في اللحظة الراهنة.
2. نسف جهود الوساطة المصرية والدولية، ووضع العراقيل في طريق نجاحها.
الترجيح بين السيناريوهين:
يمكن الخروج بمجموعة عوامل يتوقّع أن تلعب دوراً مهماً في رسم المسار الاحداث، ومن أبرزها:
- توفّر مبررات الفعل الشعبي الخشن بزخم مؤثر، وفي مقدمتها استمرار الحصار.
- موقف الاحتلال وحكومته وسلوكها السياسي والميداني في التعامل مع الاحداث، من حيث مستوى استخدام العنف في التصدي لها، ومدى التجاوب مع الجهود المصرية والدولية لتحقيق اتفاق حول كسر الحصار. وقد يلعب القدرة على الحفاظ على تماسك الحكومة المكوّنة من ائتلاف هش بسبب كثرة التناقضات والخلافات بين أطيافها دوراً مؤثراً في طبيعة التعاطي الإسرائيلي مع قطاع غزة.
- موقف الوسيط المصري، واستمرار وساطته من أجل الحفاظ على التهدئة، وموقف الإدارة الأمريكية ومستوى تحركها من اجل التوصل إلى اتفاق تهدئة جديد
وفي حال عدم التوصل لاتفاق ينهي الحصار، يبدو خيار التراجع عن ادوات المقاومة وتصعيدها غير مطروح بعد التضحيات الكبيرة التي يقدمها قطاع غزة وتؤكد المعطيات القائمة ميدانياً امتلاك المقاومة إرادة صلبة، لمواصلة مقاومته حتى تحقيق جزء معتبر من أهدافها.
ويظهر سلوك الاحتلال الإسرائيلي عدم رغبته حتى اللحظة لخيار الذهاب إلى تصعيد غير محسوب ومواجهة مفتوحة مع قطاع غزة. غير أن الأمر قد يختلف إذا اندفع الطرفان نحو مواجهة نتيجة تطور الاحداث الميدانية في الساحة الفلسطينية.
أما على صعيد الوساطة المصرية، فيبدو أن الجانب المصري ما يزال متمسكاً بجهوده الهادفة إلى ضبط مستوى التوتر والحيلولة دون اندفاع الأمور نحو مواجهة واسعة مجهولة النتائج.
في ضوء ما سبق، نستبعد احتمالات الذهاب إلى مواجهة عسكرية واسعة بين الاحتلال وقطاع غزة في وقت قريب، لا تبدو مرجّحة في الوقت الراهن، مع بقاء فرصها قائمة. ولا ترجّح المعطيات الحالية كذلك فرص التوصل لتفاهم جدي في وقت قريب يقود إلى كسر الحصار وتحقيق هدنة طويلة الأمد ما لم تنجز اتفاقية تبادل الاسرى. الأمر الذي يرجّح فرص استمرار سيناريو الوضع ما قبل معركة سيف القدس مع انخراط اوسع لمصر في قضية الاعمار وتحسين الحالة الانسانية*