بقلم/ د. هاني العقاد
لا يبدوا ان الطريق امام اتفاق تهدئة طويلة الامد بين اسرائيل وغزة ممهد وسالك، ولا يلوح في الافق القريب بوادر اتفاق من هذا القبيل، والاسباب عدة منها ان حكومة نفتالي بينت لا تريد اتفاق تدفع مقابله ثمن لحماس في غزة تستغله المعارضة لإسقاطها ويرفع رصيد حماس الجماهيري من خلال الظهور بانها حققت نصر اخر على اسرائيل واجبرتها على توقيع اتفاق يعطي حماس كثيرا. شهرين على انتهاء الجولة الاخيرة من القتال بين المقاومة في غزة واسرائيل والمحاولات لم تتوقف من قبل الوسيط المصري مستخدماً ما لديه من قدرات ومناورات واساليب لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، اسرائيل نعم تريد وقف اطلاق نار طويل الامد وتريد اسراها المحجوزين لدي المقاومة دون ان تطلق اسري فلسطينيين بالمقابل في صفقة تماما كصفقة "وفاء الاحرار" .اسرائيل تريد هدوء طويل الامد وتريد تقيد ايدي المقاومة في غزة تحيد فيه سلاحها وقدراتها العسكرية الي أبعد حد ممكن، ولا تريد بالمقابل ان تدفع اي ثمن بل تريد منح بعض التسهيلات لقطاع غزة ليس اكثر وربط توسيع هذه التسهيلات باستمرار حالة الهدوء على الجبهة الجنوبية كما تسميها اسرائيل .
حكومة "نفتالي بينت" كانت قد وضعت قواعد جديدة لتغير المعادلة مع قطاع غزة وتسعي لتطبيقها في المسار التفاوضي والمسار العملياتي على الارض وتتضمن هذه المعادلة الاستمرار في ضرب اهداف تقول اسرائيل انها اهداف استراتيجية للمقاومة الفلسطينية خلال ردها علي البالونات الحارقة التي تنطلق من غزة وهذه هي المرة الثالثة منذ توقف الحرب التي تقصف فيها اسرائيل غزة محدثة دمار كبير في مناطق داخل القطاع , ولعل سياسة نفتالي بينت و وزير جيشة بيني غانتس اليوم تركز كثيرا على عدم تقديم اي تنازلات في اي من ملفات غزة قبل ان تحصل حكومة اسرائيل على بعض المعلومات حول اسراها المحتجزين في غزة وهذه القضية تعتبر قضية مقدسة بالنسبة لإسرائيل والتي تريد من خلالها ابتزاز الفلسطينيين في موضوع اعادة اعمار قطاع غزة وتقديم تسهيلات حقيقية تتمثل بفتح كامل للمعابر والسماح بالتصدير والاستيراد من والى غزة مقابل جثث جنودها واسراها فقط . ان تَحكم اسرائيل في المعابر يهيئ لها انها تستطيع ابتزاز الفلسطينيين لأبعد حد وتدير عملية اعمار قطاع غزة بما سيبقي تحكمها على حاله في كل صغيرة وكبيرة، لكن يبدوا ان اسرائيل تتناسي دائما ان عدم التوصل لاتفاق قريب ليس في صالح الامن والاستقرار في المنطقة وليس في صالحها ايضا وقد يأخذ الطرفين الي مسارات تصعيدية لا يحمد عقباها.
لو كانت اسرائيل مضطرة للتوصل لاتفاق لتوصلت اليه بعد اسبوع من وقف إطلاق النار في غزة وهذا ما يبدوا حتى اللحظة خاصة انها تعمل الان لفرض حالة الهدوء بكسر معادلة المقاومة في غزة والتي اصبحت مهددة بالفعل ان لم يحدث اي تطورات نتيجة محاولة المقاومة الحفاظ على معادلة المواجهة التي تحققت بعد الحرب الاخيرة. الواضح تماما ان اسرائيل لا تفاوض الان تحت ضغط ما ولم تشكل المقاومة اي ضغط طيلة مرحلة المفاوضات التي تجري الان في مصر، ويبدو ان اسرائيل تفاوض لأجل المفاوضات وليس للتوصل لاتفاق تهدئة يحقق الاستقرار للجميع. ما بدا واضحا الان ومن خلال هذه المفاوضات ان الفلسطينيين هم من بحاجة لاتفاق لأجل اعمار غزة هذا اولاً، وثانيا لأجل اطلاق سراح المئات من الاسري الفلسطينيين مقابل ما لدى حماس في غزة من اسرى إسرائيليين وجثث جنود قتلتهم المقاومة في حرب 2014 لتحقق بذلك وعد قطعته المقاومة علي نفسها للأسرى القدامى بعودتهم الي اهليهم وهنا تكمن الصعوبة في المفاوضات حيث ان اسرائيل لم توافق حتى اللحظة على كثير من الاسماء التي تقدمت بها حماس للوسيط المصري وتتشدد في المقابل في قضية اطلاق سراح الاسرى القدامى والتي تقول ان ايديهم ملطخة بدماء إسرائيليين في المقابل التوصل الي اتفاق دون ذلك يبدوا مستحيلا وسوف تراوح قضية الاسرى مكانها .
تتعمد سياسة النفس الطويل في المفاوضات وتكثر من المناورات خلال جولات المفاوضات ويبدوا ان المفاوضات تمر بمرحلة شد الحبال وهذا يمثل صعوبة امام الوسيط المصري الذي لم يتمكن حتي الان من حل بعض العقد لدى اي طرف وخاصة ان اسرائيل تريد ربطها ببعضها وترهن كل ملف بحل الملف الاخر، وعلى ما يبدو ان الوسيط المصري لا يمتلك اي اوراق ضغط علي اسرائيل حتي الان ولم تضغط الولايات المتحدة الامريكية على اسرائيل بالتوازي بما يكفي لأحداث اختراق يكون كافيا لاتفاق كبير يؤهل مصر للانتقال الي الملف الاكبر وهو ملف الصراع الفلسطيني الي . اهم عنصر في هذه القضية هو حفاظ مصر على حالة الهدوء الراهن التي اعقبت وقف إطلاق النار حتى لو بالمستوي الهش مما يحول دون عودة الطرفين الي جولة قتال جديدة يتوقع ان تحدث في اي وقت لتحسين كل طرف موقفه من المفاوضات. المخرج الوحيد امام الفلسطينيين هو استعادة وحدتهم الوطنية والتي اصبحت ملحة امام كثير من المتغيرات في المنطقة والاتفاق علي شراكة في الحكم وتشكيل حكومة انقاذ وطني يعهد اليها حل كافة الازمات في غزة لتقطع الطريق على الاحتلال وتوقف مواصلته ابتزاز غزة وربط عملية اعادة الاعمار بالتقدم على باقي القضايا وخاصة قضية الاسري الإسرائيليين وبالتالي يفاوض الفلسطينيين على اساس الموقف الموحد والفريق الواحد ويجبر الاحتلال على التوصل لاتفاق ملزم بتعهد دولي بعد نزع كل الذرائع من بين يديه واغلاق الطريق امامة من التملص من الاتفاق مع غزة بحجة ان كيان لا يعترف بالمقاومة في غزة وبالتالي لا يسعى باهتمام للتوصل لاتفاق حيوي وقابل للحياة يعرض حكومة نفتالي بينت للخطر.