تزينت فلسطين بالأمس بفرحة النجاح والتفوق لطلبة الثانوية العامة وأسرهم وأقاربهم وذويهم, وأجمل ما في هذه الفرحة هو التزام المواطنين الا من حالات فردية قليلة بتعليمات الجهات الامنية بعدم اطلاق الرصاص الحي او المفرقعات التي تحمل أخطاراً على مطلقيها او المحتفلين بالنجاح, وكان المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية العقيد ايمن البطنيجي أكد أنه سيتم مصادرة سلاح مطلقي النار خلال إعلان نتائج التوجيهي أياً كان انتماؤهم، وتوقيفهم بشكل قانوني، وتوجيه تهمة حيازة سلاح سواء غير مرخص أو مرخص لإطلاق نار في أماكن مأهولة. واضاف البطنيجي «إن النص القانوني الفلسطيني يجرم هذه القضية ويحاسب عليها بالحبس ثلاث سنوات، وهناك تشديد كبير في الصلح الجزائي وسيفرض غرامة كبيرة على مطلقي النار».
والحقيقة ان رسالة الشرطة وصلت بقوة الى الناس, وكان واضح الجدية في محاربة ظاهرة اطلاق النار والمفرقعات والتي ادت في السنوات الماضية الى وقوع ضحايا واصابات وبتر وانقلبت فرحة البعض بالنجاح الى مأساة, وقد كنا قبل ايام قليلة في اجتماع مع مدير عام الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة اللواء محمود صلاح في مقر الشرطة بمدينة عرفات, وكان هناك تأكيدات بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه باختراق القانون والعبث بأرواح الناس, وعقد اجتماعات مستمرة لقيادة الشرطة على مستوى محافظات القطاع لوضع السياسة المناسبة لمواجهة ظاهرة الانفلات التي تحدث كل عام اثناء اعلان نتائج الثانوية العامة, وكيفية مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة والمنبوذة وعدم وقوع ضحايا نتيجة عبث البعض بأرواح الناس.
امتحانات الثانوية العامة فاقت التوقعات من حيث نسبة النجاح وعلامات الطلبة الاوائل التي دللت على تنافس قوي بين الطلبة المتفوقين، حيث إن العشرة الأوائل على الوطن علمي وأدبي جميعهم أول مكرر بنسبة 99.7%، منهم 7 علمي و 7 أدبي من غزة. كما أنه لأول مرة الأول على الوطن فرع شرعي من غزة بنسبة 99.9%. ولأول مرة الحاصلون على 99.6% علمي وأدبي ليسوا من ضمن العشرة الأوائل على الوطن. كما أن 48.9% من الناجحين في الفرع العلمي من غزة حصلوا على نسبة 90% فأعلى. فيما أن 19% من الناجحين في الفرع الأدبي من غزة حصلوا على نسبة 90% فأعلى. والغريب ان اوائل الطلبة جاؤوا من المناطق الاكثر توترا بسبب تعرضها لعدوان متواصل وشرس من الاحتلال الصهيوني حيث حصل الطالب محمد شويكي من مدينة القدس المحتلة على المرتبة الأولى على فلسطين بمعدل 99.7% على الفرع العلمي، فيما حصلت الطالبة آلاء زاهر اسماعيل أحمد من سكان خانيونس جنوب قطاع غزة، على المرتبة الأولى في القسم العلمي معدل %99.7, وفي الفرع الادبي حصلت الطالبة شيماء فراس محمود أبو طير- القدس على المركز الاول , وقد شهدت القدس مواجهات يومية ودامية مع الاحتلال الصهيوني خاصة اثناء امتحانات الثانوية العامة, فيما شهد قطاع غزة عدوانا عسكريا صهيونيا شرسا وتعرض لقصف عنيف واستشهد المئات من الفلسطينيين خلال العدوان الذي استهدف المدنيين الفلسطينيين والاحياء السكنية والابراج, ورغم كل ذلك الا ان المتفوقين الاوائل خرجوا من القدس المحتلة ومن قطاع غزة وكأنها رسالة تحدٍ للاحتلال.
شعبنا الفلسطيني يعشق التحديات, خاصة اذا ما كان التحدي مع الاحتلال الصهيوني, فهو يصنع من الازمات والمحن حوافز تساعده على التقدم والتفوق والنجاح, ويدرك الفلسطينيون ان معركتهم مع الاحتلال الصهيوني ليس لها وجه واحد, فهى ليست معركة عسكرية فحسب او سياسية فحسب, وليست معركة امنية او تكنولوجية فحسب, انما هي معركة ثقافية وعلمية وحضارية تتطلب ان يكون هناك حالة استعداد دائمة لقبول التحدي في أي من هذه المجالات, «اسرائيل» التي تحاول ان تتحكم في ثقافة وعقول الامة العربية والاسلامية وتزيف التاريخ والتراث, و «إسرائيل» التي تتباهى بالتقدم التكنولوجي وفي مجال السايبر وتتجسس على زعماء العالم وقادته, و»اسرائيل» التي تحاول ان تسطو على العقول وتغير من فطرة الناس التي فطر الله عباده عليها تحتاج الى من يواجه هذه المعركة الخطيرة والتي لا تستهدف شعبنا الفلسطيني فقط انما تستهدف الامة باسرها, وهذه من أخطر المعارك التي نقودها ضد الاحتلال, وميدانها هو العلم والمعرفة والتفوق والابداع, وهذا هو التحدي لشعبنا لمواجهة الاحتلال في معركة التقدم العلمي, فشكرا للمتفوقين والمبدعين, ونبارك للطلبة الناجحين ونتمنى لهم التوفيق, كما ندعو لمن لم يحالفه الحظ هذا العام ان يكون هذا حافزاً اليه لينهض من جديد وينفض الغبار عن كاهله ويصر على النجاح والتفوق بإرادة وعزيمة وجهد وحتماً سيحقق ما يريد.
