بقلم/ د.هاني العقاد
مصر تقود المنطقة من خلال دور كبير بمشاركة الإدارة الأمريكية الجديدة وأهم دور تلعبه القاهرة منذ فترة هو نزع فتيل الانفجار بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" ومحاولة فكفكة التعقيد الذي يكتنف كافة الملفات ذات العلاقة بالصراع بما فيها ملفات قطاع غزة وملف تهيئة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لمسار مفاوضات يرتكز على مبدأ "حل الدولتين" و"قرارات الشرعية الدولية".
ليست مصر لوحدها وإنما الأردن أيضا كأهم دولتين بالمنطقة معنيتان بشكل دائم توفير أرضية مناسبة أمام "الإسرائيليين" والفلسطينيين للعودة لطاولة "المفاوضات" باعتبار ان قضايا الصراع لا تحلها الحروب وانما المفاوضات إذا توفرت نوايا "إسرائيلية" خالصة في هذا الإطار.
الحرب الأخيرة علي غزة كانت جرس انزار للجميع استطاعت كل من مصر والأردن فهم هذا الجرس وبمساعدة أمريكية للضغط على "إسرائيل" باتت هذه الدول تتفهم أن كافة الملفات التي تسبب توتر دائم للمنطقة اصلها ملف واحد وهو "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي" ومدي ارتباط هذا بباقي الملفات الأخرى علي الساحة الفلسطينية وخاصة ملفات ازمة غزة، بات هناك اعتقاد راسخ ان حل أي ملف هو مجرد حلول مؤقتة سرعان ما يتأزم المشهد من جديد لذلك بدأت مصر بخطوات عملية وكثفت الاتصال مع الطرفين من خلال جهاز المخابرات العامة و وزير الخارجية المصري الذي زار رام الله مايو الماضي وحمل رسائل مهمة من الرئيس عبد الفتاح السيسي تتعلق برؤية مصر حول استعادة العملية السياسية بالمنطقة والتي تتقاطع مع الرؤية الفلسطينية والأردنية في كثير من جوانبها.
نشاط دبلوماسي مهم شهدته المنطقة منذ مايو الماضي بلقاء انتوني بلينكن وزير الخارجية الامريكية بالقيادة الفلسطينية في رام الله وبالتالي تكوين رأي امريكي فيما يتعلق بإعادة أطراف الصراع الي طاولة المفاوضات. وكان لقاء الرئيس أبو مازن قد التقى الملك عبد الله الثاني مرتين في مايو الماضي ومنتصف سبتمبر الحالي في العاصمة الأردنية عمان وظفت لنقاش المسار السياسي المتوقع ورغبة الولايات المتحدة ان يعود الطرفان للمفاوضات، وسبق اللقاء الأخير زيارة الملك عبد الله الثاني ملك الأردن كأول زعيم عربي لواشنطن في يوليو الفائت لم يتناول الاعلام تفاصيلها كثيرا لكنها كانت هامة علي المستوي الدبلوماسي عنوانها الشراكة الامريكية الأردنية كشركاء استراتيجيين لإرساء أسس الامن والاستقرار بالشرق الأوسط والدفع باتجاه دور عربي مصري أردني مشترك مدعوم من السعودية لإحداث مقاربات حقيقية بين الموقفين الفلسطيني و"الإسرائيلي" للإعلان عن مسار تفاوضي جديد يرتكز لـ "حل الدولتين".
يوليو الماضي كانت هناك لقاء سري بين الملك عبد الله الثاني ونفتالي بينت في عمان لم يكشف النقاب عنه الا ان صحيفة هآرتس أوضحت ان هذه الزيارة هي الأولى بين رئيس وزراء "إسرائيل" وملك الأردن منذ سنوات لفتح آفاق علاقات تهيئ لمفاوضات قادمة.
الولايات المتحدة الامريكية هي الرأس الموجه لكل هذا النشاط ومن يدير عملية تهيئة الأطراف لمسار تفاوضي جديد وهذا ما كشفت عنه زيارة نائب وزير الخارجية الأمريكي هادي عمرو للمنطقة بهدف تعزيز رؤية الرئيس بايدن بشان تدابير متساوية من اجل الحرية والامن والازدهار للفلسطينيين و"الإسرائيليين" على السواء وتعنونت زيارته بالدفع باتجاه ان تقوم "إسرائيل" بإجراءات لإعادة الثقة مع الفلسطينيين وتهيئة الطرفين لعملية سياسية حقيقية، وبالتفاعل بدأت "إسرائيل" منذ نهاية الشهر الماضي بلقاءات مع قيادات فلسطينية من شانها ان تذيب اكوام الجليد بين الطرفين وإعادة ثقة الفلسطينيين على وجه الخصوص بجدوي أي عملية سياسية تقترح في المستقبل القريب.
الأسبوع الثاني من اغسطس جاء رئيس الاستخبارات المركزية الامريكية وليام بيرنز للمنطقة والتقي في "تل ابيب" مع مسؤولين "إسرائيليين" والتقي في رام الله كل من رئيس المخابرات الفلسطينية والرئيس أبو مازن، ركزت هذه اللقاءات علي رفع مستوي اللقاءات الفلسطينية "الإسرائيلية" في سبيل بوادر حسن نية "إسرائيلية" تجاه الفلسطينيين ورفع الكثير من القيود علي الحركة التجارية بين البلدين ومحاولة مساعدة السلطة الفلسطينية التغلب على أزمتها الاقتصادية واستعادة عافيتها ولهذا جاء لقاء الرئيس أبو مازن بين غانتس الذي قدم خلاله غانتس رزمة من التسهيلات للفلسطينيين وبحثت سبل لقاء فلسطيني "إسرائيلي كبير".
مؤخرا عاد نفتالي بنت من زيارته الي الولايات المتحدة التي التقي فيها بايدن في لقاء قصير تخلله العديد من النصائح والتوجيهات لـ "إسرائيل" أهمها ان الولايات المتحدة تري انه لا حل للصراع الا على أساس مبدأ "حل الدولتين" ونصح بايدن بينت بتفادي أي إجراءات أحادية الجانب من شانها توتير الأجواء بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" وتضع العراقيل أمام مسارات ترسمها إدارة بايدن لمفاوضات قادمة.
القمة الثلاثية بين مصر والأردن وفلسطين لم تأتي مفاجئة بل كان مخطط لها وبعد هذا النشاط الدبلوماسي الكبير الذي واكب المرحلة السابقة واستطاعت الي حد كبير فيه الولايات المتحدة تبريد الأجواء بين الطرفين ولعل القمة الثلاثية اليوم تهدف ليس لتوحيد الموقف بين الدول الثلاث قبل أي لقاءات مع قادة "إسرائيل" لان الموقف موحد والرؤية واحدة وثابتة بأن لا حل دون مبدأ "حل الدولتين" ولا حلول تحت أي مسمي سابق لإدارة أمريكية سابقة بل لبحث بالتفصيل جدول القمة القادمة بحضور قادة مصر والأردن وفلسطين ورئيس وزراء "إسرائيل" نفتالي بينت والتي ستبحث بشكل مفصل وضع الخطوط الرئيسية لاطار تفاوضي محتمل بالمرحلة القادمة برعاية أمريكية يكون فيها دور كبير لمصر والأردن كشركاء اقليمين استراتيجيين، هذا إن بقيت "إسرائيل" تعمل تحت توجيهات الإدارة الأمريكية ولم تقدم علي تفجير المنطقة كعادتها لتتهرب من أي استحقاق تفاوضي يفضي الي سلام دائم وشامل يبني على اساس قيام دولة فلسطينية وعاصمتها شرقي القدس وحل كافة القضايا الكبيرة بما يضمن استدامه واستمرار هذا الحل.