ما يسمى “بممثل الدولة” قدم طلبًا لمحكمة الاحتلال الصهيونية لتأجيل النظر في قضية إخلاء سكان قرية الخان الأحمر البدوية شرقي القدس المحتلة، لمدة ستة أشهر أخرى. وكانت المحكمة الصهيونية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قد أعطت ما يسمى “ممثل الدولة” وهو الذي يمثل الحكومة الإسرائيلية، مهلة أخيرة حتى يتم اتخاذ قرار بشأن إخلاء القرية. وطلب ما يسمى «بممثل الاحتلال»، عدة مرات تأجيل عملية الإخلاء لأسباب “سياسية”, وهو الامر نفسه الذي تكرر في اخلاء سكان حي سلوان وحي الشيخ جراح ومناطق في النقب والاغوار الشمالية وشمال البحر الميت, ومناطق اخرى في القدس والضفة الغربية, والغرض من مراء تأجيل تنفيذ الاحكام بطرد السكان من منازلهم وقراهم, ليس تخلي «اسرائيل» عن مخططاتها الهادفة لسيطرتها على هذه المناطق وتحويلها الى بؤر استيطانية وتهويدها بالكامل, «فإسرائيل» لديها يقين أن إخلاء هذه المناطق بالقوة وطرد اهلها منها سيؤدي الى أمور عدة:-
أولا: اندلاع اشتباكات ومواجهات بين قوات الاحتلال وسكان هذه المناطق المتجذرون فوق ارضهم والرافضين تماما لإخلاء بيوتهم تحت أي ظرف كان, وإسرائيل» تريد تنفيذ مخططاتها بهدوء, بعيدا عن وسائل الاعلام لضمان عدم وجود ردات فعل على المستوى الرسمي الفلسطيني والعربي والاسلامي والدولي يكون لها انعكاس سلبي على «اسرائيل», التي تتغلغل من خلال التطبيع الى الدول العربية والافريقية وترغب في مواصلة طريقها وتذليل كل العقبات لفك عزلتها واقامة تحالفات في المنطقة لمواجهة ايران ومحور المقاومة.
ثانيا: «اسرائيل» تدرك ان مثل هذا الفعل الاجرامي, يمكن ان يؤدي الى انتفاضة شعبية عارمة في الضفة والقدس وقطاع غزة, وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 48م, وهي تريد أن تتجنب هذه الانتفاضة في هذه المرحلة تحديدا, لأنها تسبب لها خسائر اقتصادية كبيرة, وتزعزع الامن والاستقرار لديها, وتستنزف طاقة وقدرات الجيش والشرطة الصهيونية, وتربك الجبهة الداخلية الرخوة التي لا تصمد أمام الثورات.
ثالثا: الاخلاء القسري للسكان, ومحاولات تهويد الاراضي الفلسطينية, واقامة بؤر استيطانية عليها, ستكون نتيجته الطبيعية وفق التقديرات الاسرائيلية تفجير معركة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الصهيوني, وهى معركة غير مضمونة النتائج, وفيها مقامرة كبيرة لحكومة الاحتلال, الذي لا يعلم قدرات المقاومة العسكرية بالشكل الدقيق, وقد فوجئ في ملحمة «سيف القدس» بأداء مختلف للمقاومة كان مفاجئا للاحتلال, كما أن توصيات الجيش والمؤسسة الامنية لا تنصح بمعركة الآن مع المقاومة الفلسطينية.
رابعا: الحكومة الصهيونية تركز على الاولويات في هذه المرحلة وهي تعتبر أن الملف النووي الايراني في اولى اولوياتها, وانها يجب ان تركز جهدها على الملف الايراني لأنه يمثل الخطر الاكبر على وجودها, وبذلت جهودا مضنية مع الادارة الامريكية في محاولة لكبح جماح ايران ومنعها من امتلاك القدرة النووية, وإفشال الاتفاق النووي معها, واجراء تعديلات عليه تضمن عدم امتلاكها للسلاح النووي تماما.
إذاً فتأجيل الاحكام لا يعني على الاطلاق انتهاء احلام «اسرائيل», انما يأتي وفق سياسة انتهاز الفرص والبدء بالأولويات, «اسرائيل» تتعامل بحذر شديد في هذه المرحلة مع الملفات الشائكة, فهي تتمسك بمعادلة انهاء حل الدولتين وأن القدس عاصمة موحدة لها والتمدد الاستيطاني في الضفة, وفي نفس الوقت تعقد لقاءات مع السلطة الفلسطينية وتتحاور معها لتبقى السلطة قابضة على سلاحها في مواجهة أي تحرك مقاوم ضد الاحتلال في الضفة والقدس, وهى تدخل الحد الادنى من المواد والسلع الغذائية الى قطاع غزة, حتى لا تنفجر الامور في وجهها, ويتوجه الناس في مسيرات حاشدة الى المناطق الحدودية في قطاع غزة, وهي تحسب خطواتها في اقتحام المسجد الاقصى بما يؤسس لضمان استمرار مطامعها فيه, والشروع بخطوات التقسيم الزماني والمكاني للأقصى, وبما يضمن عدم فتح معركة مع المقدسيين قد تكون نتائجها وخيمة على الاحتلال, وفي نفس الوقت تخاطب اليمين الصهيوني المتطرف انها لن تتخلى عن اطماعها, وانها ماضية بمخطط التهويد والتهجير, وتعلم ان المعركة مع الفلسطينيين قادمة لا محالة لكنها تتحين الفرصة المناسبة لتفجيرها.