كشفت وسائل اعلام عبرية، الليلة الماضية، تفاصيل جديدة عن ملابسات الساعة الأولى التي تلت فرار الأسرى الستّة من سجن جلبوع، فجر الإثنين، منها أن برج المراقبة أعلى الحفرة التي خرج منها الأسرى كانت خاوية منذ أكثر من شهر. كما تضاف رواية أخرى إلى إقرار الحارسة في برج مراقبة آخر بأنها كانت نائمة، هي أنها استيقظت من النوم بسبب سماعها أصواتًا في الخارج لكنها لم تتمكّن من رؤية أحد، قبل أن تعاود النوم على الأرجح.
وذكر السجّانون أنه تقرّر، في الشهر الأخير، الاكتفاء ببرجي مراقبة والكاميرات المنصوبة في السجن، نظرًا لـ "ضائقة في الأيدي العاملة".
وبحسب ما نقلت صحيفة "هآرتس" عن سجّانين وتفاصيل التحقيقات الجارية، فإنّ البرج الواقع في منتصف جدار السجن الذي مرّ من تحته الأسرى كان خاويًا.
أمّا الحارسة التي أقرّت أمام "الشرطة" أنها كانت نائمة، فتبلغ من العمر 19 عامًا وهي مجنّدة في الخدمة الإلزامية للجيش الإسرائيلي، ونقلت إلى السجن منذ شهر، وكانت هذه أول وردية حراسة لها في البرج.
ونقلت "هآرتس" عن سجّانين آخرين في السجن أنها أقرّت أمامهم بأنّ "الشرطة" "أجبرتها على التوقيع على شهادة تقول فيها أنها كانت نائمة"، ونقلت عن سجّانين آخرين قولها لهم إنها "سمعت أصواتًا استثنائية أثناء حراستها وخرجت من مكان الحراسة، لكن وفق ادعائها لم تلحظ شيئًا استثنائيًا"، لكنّ مصدرًا مطّلعًا على تفاصيل التحقيق ذكر أن الحارسة أقرّت بأنها "نامت، استفاقت بعد سماعها ضجيجًا، وعندما لم ترَ شيئًا، عادت إلى مكان الحراسة – ويبدو أنها نامت مرّة أخرى".
وقالت مصادر في "الشرطة" ومصلحة السجون إنّ الحارسة كان يفترض بها أن تميّز أن ستّة أشخاص يتجوّلون حول جدار السجن وحتى أنهم يتجاوزون الشارع، كما شهد سائق سيارة الأجرة الذي استدعى الشرطة.
وقال أحد السجّانين إنّ "الأجواء في السجن صعبة جدًا.. هذا شعور بإهانة صعبة جدًا. بالأساس لا نفهم كيف حدث هذا". وادّعى أحد السجّانين أن الأسرى خرجوا عبر النفق بعد الفحص الذي يُجري من نافذة باب الزنزانة عبر مصباح كل نصف ساعة، للتأكد من أن كل الأسرى في أسرّتهم.
وأشار السجّانون إلى أنهم بدأوا بعملية عدّ الأسرى بعد 40 دقيقة من الفرار، لأنّ "الشرطة" تأخرت في إبلاغهم بشبهات الفرار.
ويتضّح من التحقيق في الحادث أن متطوعًا في "الشرطة" وصل إلى منطقة السجن بعد بلاغ سائق سيارة الأجرة اتصل فورًا برقم هاتف مركز السيطرة التابع لمصلحة السجون الموجود عند "الشرطة"، إلا أن الرقم كان خاطئًا بعدما بدّلت مصلحة السجون أرقام الهواتف دون تقديم إحاطة "للشرطة"، وأدّى هذا إلى أن المتطوّع سافر سوية مع شرطي من مفرق شطّة حتى سجن شطّة الملاصق لسجن جلبوع، لإبلاغ أحد المسؤولين شخصيًا بالاشتباه وطلب منه رقم هاتف مركز السيطرة. وأدّى هذا إلى تأخير لعدّة دقائق في البلاغ.
ما الذي حدث بالضبط في تلك الليلة؟
ليل الأحد – الإثنين، وحوالي الساعة 1:30، فّ ستّة أسرى أمنيين تواجدوا في الزنزانة الخامسة في قسم 2 في سجن جلبوع، عبر نفق، حُفر، وفق الشبهات، في الأشهر الستّة الأخيرة.
والأسرى هم سكّان منطقة جنين المجاورة للسجن. وعشيّة الهرب، انتقل أسيران من بينهما بناءً على طلبيهما إلى النوم في الزنزانة التي فرّوا منها.
كيف نجحوا في الفرار؟
أزال الأسرى غطاءً حديديًا لُحِمَ بأرضية حمّامات زنزانتهم، واكتشفوا تحته فراغًا أُنتج أثناء بناء السجن، يؤدّي هذا الفراغ إلى مساحة تبعد 2.5 متر خلف سور السجن، الموجود قرب الزنزانة، وعند وصولهم، حفروا فتحة الخروج.
ومن التحقيق الأولي للهروب، وفق "هآرتس"، يتّضح أن الأسرى خرجوا الواحد تلو الآخر وانتظروا قرب فتحة الخروج بين ربع ساعة حتى عشرين دقيقة، دون أن يميّزهم الحرّاس ودون أن ينكشفوا في كاميرات السجن.
لاحقًا، وفق الشبهات التي أوردتها "هآرتس"، فرّ الستّة من منطقة السجن، وشوهد جزء منهم من قبل سائق سيارة الأجرة عندما قطعوا الشارع، ورغم أنت السائق استدعى "الشرطة" حوالي الساعة 1:50، أرسلت الشرطة دورية للمكان وأبلغت مصلحة السجون بعد 25 دقيقة، ولكن فقط عند الساعة 3:30 أدركت الشرطة أن الأسرى فرّوا من الزنزانة.
وفق التحقيق الأوّلي، بعد مسير ثلاثة كيلومترات وصل الأسرى إلى سيارة وغادروا المكان، كما اتّضح أن الأسرى، أو جزءًا منهم، وصلوا إلى قرية الناعورة المجاورة وبقوا فيها 20 دقيقة، بدّلوا خلالها ملابسهم واشتروا طعامًا من المكان، بحسب ما ذكرت "هآرتس".
كما تشتبه "الشرطة" في أنّ أشخاصًا من خارج السجن ساعدوا الأسرى على الفرار.
لماذا هناك فراغ تحت السجن؟
أنشئ سجن جلبوع في العام 2004، ملاصقًا لسجن شطّة، من أجل التعامل مع عدد الأسرى ما تصفهم سلطات الاحتلال بـ "الأمنيين" الكبير الذين اعتقلوا خلال الانتفاضة الثانية، وبسبب الحاجة إلى إنشاء سجن بسرعة، أنشئ السجن بشكل سريع حتى أن أقسامه بنيت على عواميد من الباطون ومن تحتها فراغ، بسحب "هآرتس".
الإخفاقات والأسئلة التي بقيت مفتوحة
تبقى هناك أسئلة مفتوحة لم يُجن عنها، إلى الآن، في التحقيقات، منها لماذا سمحت مصلحة السجون باستخدام زنازين سجن جلبوع رغم أن أسرى حاولوا في العام 2014 الهروب بنفس الطريقة وألقي القبض عليهم في اللحظة الأخيرة، ولماذا لم تسدّ مصلحة السجون الفراغ الذي تحت السجن بباطون أو بشكل آخر، رغم معرفتهم به، وكيف لم تكتشف ما تسمى استخبارات جهاز الأمن العام (الشاباك) ومصلحة السجون نيّة الأسرى الفرار عبر نفق، وهي عملية تحتاج وقتًا طويلا ومساعدة جهات من خارج السجن.
ومن الأسئلة المطروحة، أيضًا، لماذا سمحت مصلحة السجون للأسرى الأمنيين من منطقة جنين بأن يكونوا محبوسين في سجن جلبوع، الذي يبعد 15 كيلومترًا عن مدينتهم، وكيف سمحت مصلحة السجون لثلاثة أسرى يصنّفون كأصحاب خطر الفرار، بعدما حاولوا الفرار عبر حفر نفق عام 2014، بالبقاء سوية في الزنزانة ذاتها.
وكذلك لماذا لم يُجرَ لمدّة سنة تفتيش شامل في زنازين الأسرى، بحيث يشمل الضغط على المعدّات والأرضية لتحديد فراغات أو محاولات حفر، ولماذا لم يجرِ سجّانو القسم في ليل الفرار تفقّدًا، مثلما يحدث في باقي السجون، بحيث ينظر الأسرى خلاله عبر شباك الزنزانة لرؤية أن كل الأسرى موجودين في أسرّتهم، ولماذا استغرقت مصلحة السجون ساعة وربعًا من لحظة تلقّي رسالة الشرطة بالاشتباه بالفرار، حتى الإعلان أن أسرى فرّوا، ولماذا في البداية قيل إن ثلاثة اختفوا، وفقط بعد نصف ساعة أعلنوا أن الحديث عن ستّة.