شمس نيوز/تحقيق-سماهر البطش
في عالم آخر.. حيث لا أنيس إلا الجدران، ولا هواء إلا من خلف القضبان.. تعيش عشرات الأسيرات الغزيّات، لقضاء أحكام بالسجن، بعد أن غرقن في وحل الإجرام، ونافسن الرجال في ميادين الانحراف ومخالفة عادات المجتمع الفلسطيني المحافظ.
سجن أنصار المركزي "مركز التأهيل و الإصلاح" المطل على بحر غزة، يضم بين جدرانه سجينات موزعات على ثلاثة عنابر بطريقة عشوائية, وتخفي كل واحدة قصة كانت سببا في نهايتها المأساوية. مراسلة "شمس نيوز" طرقت بوابات زنازين سجن النساء في أنصار، التابع لوزارة داخلية غزة، وخرجت بالتقرير التالي.
شروع في القتل
"س – م" سيده أربعينية العمر، تحدثت لـ"شمس نيوز" عن القضية التي انتهت بها إلى السجن، لتقول: تحملت مع أولادي ظروفا صعبة, ورغم ذلك خرّجت جيلا مثقفا وملتزما بتعاليم الإسلام" موضحة أن سبب وجودها خلف قضبان السجن هو الاعتداء على زوجة أخيها المؤيدة لنظام بشار الأسد، والتي قتلت جميع أفراد عائلتها في سوريا.
وأضافت: بعد مرور فترة طويلة على جريمتها بحق أبناء عائلتي في سوريا، وصلتني نبأ بأنها ستأتي إلى غزة، فجهزت نفسي للانتقام, وعندما وصلت، ذهبت إلى مكان كانت تعمل به في إحدى مستشفيات القطاع، فقمت بطعنها بآلة حادة في يدها اليسرى وحاولت ضربها على رأسها، لكنها نجت".
وقالت بعيون تملؤها الحسرة: داهمت الشرطة المكان وألقت القبض علي وتم حبسي بتهمة الشروع بالقتل".
وتابعت "س - م ": رغم وجودي في السجن، إلا أنني تعلمت الكثير من خلال الدورات التأهيلية, فقد شاركت في برنامج لحفظ القرآن الكريم وحفظ الأحاديث النبوية, وكذلك برنامج التأهيل النفسي، واستفدت كثيرا، وخفت عني الضغوطات النفسية والألم الذي أشعر به".
هوس المال
تجولت مراسلة "شمس نيوز" في زنزانة أخرى، حيث قابلت السجينة الطالبة الجامعية "و – م" في العشرينيات من عمرها، والتي كانت تقلب بصرها في جنبات زنزانتها تعد الأيام والساعات والدقائق علها تجد سبيلا لنسيان ما لا يمكن نسيانه.
ولدى حديثنا معها، كشفت عن الجريمة التي أودعت بسببها السجن، لتقول: حبي للمال وهوسي في مواكبة الموديلات الحديثة أسقطني في وحل النصب والاحتيال, فقد تعرفت على خلية مكونة من أربعة أشخاص يروجون العملة المزيفة, ندخل إلى المحال التجارية الضخمة ومعارض الذهب والمجوهرات، ونسوق عليهم العملة الزائفة". .
واستطردت بالقول: سرعان ما ألقي القبض على أفراد الخلية بتهمة النصب والاحتيال وترويج العملات المزورة , وحكموا علينا بالسجن ثلاث سنوات".
وأضافت النزيلة: في السجن تغيرت حياتي وانقلبت رأسا على عقب، بعد أن دخلت مركز التأهيل والإصلاح بأنصار, حيث شعرت بأنني ولدت من جديد، بل كانت بالنسبة لي خلوة بيني وبين ربى, أصبحت مختلفة جدا، حفظت أربعة أجزاء من القرأن , وهذا بفضل الواعظة التي تأتى إلى السجن وكذلك اجتزت دورة الأحكام بتقدير جيد جدا لدرجة أني تمنيت لو دخلت ذلك المكان من بداية عمري".
ونصحت "م – ن " جميع الفتيات والنساء بالتحلي بالأخلاق الحميدة وعدم اللهث وراء المغريات الفارغة"، بحسب تعبيرها.
أكبر مروجة مخدرات
زرعت في روح أولادها حب المخدرات والترامال, حتى أصبحت أكبر مروجة مخدرات مع أفراد خليتها، ذلك هو حال "م – ج"، السيده الخمسينية، التي تروى لـ"شمس نيوز" مشوارها مع الاتجار بالمخدرات. تقول "م-ج": منذ بداية حياتي لم أذق طعما للسعادة، وزوجي كان مهملا لأولاده, فنشبت المشاكل بيننا، حتى طلقني وتركني وحيده أعيل أحد عشر فردا".
وتابعت بالقول: كبر الأولاد وعملوا بالأنفاق الحدودية في نقل البضائع وتجاره المخدرات والترامال لتحسين وضع الأسرة المادي، حتى صرت أشجعهم على ذلك وأدعمهم, وخصصت لهم مكانا في أرض لنا قرب البيت لتخزين المخدرات".
واصلت حديثها وعبراتها تسبق عباراتها: لقد شجعت أولادي كونها تجاره رابحة وتجنى لنا أموالا طائلة, فأصبحوا متمرسين على إتقان عملهم، حتى صرت الموزع الرئيسي والأساسي لكثير من تجار المخدرات والممول الأكبر على مستوى القطاع".
وتابعت: لم أكن أعلم أن نهايتنا اقتربت, فأثناء عودة أولادي من عملهم, ألقي القبض عليهم في كمين وتم ضبط كميات كبيرة بحوزتهم من شتى أنواع المخدرات, وانتهى بنا المطاف في السجن، وتم الحكم عليّ بالسجن لخمس سنوات".
عدد النزيلات قليل
توجهت مراسلة "شمس نيوز" إلى مديرة مركز الإصلاح والتأهيل للنساء أ . أمل نوفل، للتعرف على واقع نزيلات السجن.
وقالت نوفل: الأمر طبيعي جدا، فنحن نعيش في مجتمع كباقي المجتمعات، ووجود الجريمة غير مستبعد, والنساء فئة من هذا المجتمع، ويجب تقبل فكره وجود سجن نساء في مجتمعنا المناضل".
وتؤكد نوفل أن عدد النزيلات في المركز قليل جدا, مقارنة بدول أخرى وذلك لطبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ .
وبيّنت أن المركز يقدم برامج إصلاحية وتأهيلية للنزيلات خلال فترة وجودهن داخل السجن, منها برنامج محو الأمية, برنامج التأهيل النفسي, برامج من وزاره الأوقاف، خدمات صحية وتعليمة وتثقيفية، ورعاية نفسية , وبعض المشروعات مثل مشروع المعجنات ومشروع المطرزات".
وزادت نوفل بالقول: يتم مساعده النزيلة بتأهيلها ومساعدتها في معالجة مشكلات الحياة لدمجها في المجتمع , بعد خروجها من المركز ونقف معها في تحصيل حقوقها المشروعة ومعرفة واجباتها تجاه الآخرين وتجاه المجتمع".
وأوضحت بالقول: نرتقي بالنزيلات من خلال إخضاعهن لبرامج دينية مثل حفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية, وكذلك يتم الجلوس مع النزيلة عده جلسات للتفريغ النفسي". داعية مؤسسات المجتمع إلى المساعدة في إعادة تأهيل السجينات ودمجهن في المجتمع، ليصبحن أدوات بناء لا معاول هدم.
دوافع الجريمة النسائية
د. درداح الشاعر، أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الأقصى، تحدث لـ"شمس نيوز" عن أهم دوافع الجريمة في المجتمعات، ليضيف: غياب الوازع الديني من أهم الأسباب, فالسجن عقاب وردع للإنسان المقترف للجريمة, ويعد وسيلة عقابية، خاصة للمرأة التي من المفترض أن تحاط بالاحترام والتقدير، لأن وجودها في السجن يؤدبها نفسيا، كونها تشعور بأنها خرجت عن طبيعتها وفطرتها الأنثوية".
ويصف د. الشاعر" المرأة المقترفة للجريمة بـ"الجوهرة التي سقطت في الوحل، وخسرت جزء كبيرا من قيمتها" مؤكدا على ضرورة أن يكون السجن وسيلة لإعادة إصلاح السجينات وتأهيلهن، وتحسين سلوكهن".