بقلم/ د. محمد مشتهى
في احتفال كبير أشبه بالمؤتمر، وكأني وجدت كل فلسطين فيه، لم ينتظر بناني انتهاء الحفل، فاللوحة الايمانية التي تشاهدها عيوني أعطت الإشارة لعقلي الذي أمر بناني بضرورة الكتابة الان.
رأيت لوحة بيضاء تقف أمامي، هذه اللوحة تضم مئات من ورثة الأنبياء وحفظة كتاب الله، فيها من مختلف الاعمار، فيها الاخ والأخت وفيها الابن والابنة، والام والأخت، في هذه اللوحة رأيت العامل والطبيب والمهندس والمحامي والممرض، رأيت مختلف المهن التي لم أستطع احصاءها، وجدت في هذه اللوحة قادة وجندا، وجدت في هذه اللوحة الصّحيح والسقيم، كان هناك طفل لم يتجاوز العشر أعوام وفي يده اليسرى جبارة، ويده معلقة على كتفه ما يدل على أنها مكسورة، لكن هذا الطفل يبتسم ويقف في الصف الاول من الاعلى وكأنه يقول لكل من حضر: أنا اسمو بكتاب الله، فعلا يا بني صدقت، أنت بالقرآن تسمو، أكملت التمعن في قاعة الحضور فلم أجد مقعدا فارغا، المئات من حفظة كتاب الله والحاصلين على السند المتصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآلاف من الحضور توافدوا وأمّوا هذا المؤتمر الفلسطيني الايماني الكبير، فكان واضحا حجم الجهد المبذول لإخراج هذه الصورة الجميلة، جهد على مستوى الترتيب، وجهد في تنظيم الفقرات وجهد في الحرص على التنوع في الحضور، وبكل تأكيد جهد أكبر بكثير ودؤوب في ادارة الدورات وجلسات التحفيظ والتي ربما استمرت لأشهر ولسنوات، إلى هؤلاء المجهولين لنا والمعلومين في السماء عظيم التحية والتقدير لهم.
إن جهود اللجنة الدعوية واضحة ولا يمكن حصرها في احتفال أو مؤتمر، فهي تؤسس المساجد، حيث افتتحوا 25 مسجدا خلال اعوام قليلة جدا ويعكفون الان على افتتاح 10 مساجد أخرى، وتعمل على إدارة مراكز حفظ القرآن الكريم، وتُشرف على ملتقى دعاة فلسطين الذي أصبح عضوا في التنسيقية العلمائية والعديد من المؤسسات ذات العلاقة، وهناك العديد من الأعمال الخيرية التي تقوم بها اللجنة الدعوية كمسابقة القدس الدولية وكفالة الايتام وتوزيع المساعدات، إنها جسد فلسطيني مهم وفاعل، إنها جسد عفيّ وفتيّ، حُق لنا أن نقول لها الله الله يا دعوية الجهاد.
هذا المؤتمر الفلسطيني الايماني الكبير والذي عُنونت يافطته الكبيرة بذكرى المولد النبوي الشريف لم يخل من مديح وذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما جعل المشاعر تسمو شوقا لرسول الله، وجاء أيضا هذا المؤتمر في ذكرى استشهاد د. فتحي الشقاقي ال 26، وكأنه يرسل رسالة كبيرة بأن الشهداء يُذكرون في محافل القرآن الكريم، وذكرى المولد النبوي تجتمع مع ذكرى الشهداء، كيف لا والله عز وجل جمع الانبياء والشهداء والصالحين في آية واحدة في أكثر من موضع فقال: "ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا"، طوبى للشهداء، وطوبى لحفظة كتاب الله، وطوبى للآباء والأمهات، وطوبى لدعوية الجهاد ولكل قائم على خدمة حفظة كتاب الله، كل الشكر والتقدير لإدارة اللجنة الدعوية فردا فردا ممثلة برئيسها الأستاذ وليد حلس "ابو يحيى"، والتي ننتظر منهم مزيدا من العطاء الايماني الذي يتدفق في المشاعر البشرية كالغيث الذي يطفئ مكائد الشياطين.
ثم اكتمل المؤتمر الايماني باطلالة القائد الجهادي ابو طارق النخالة، الذي يجسد دور القائد المسلم الذي يعرف تماما بأن طريق الجهاد والمقاومة يمر من طريق الالتزام بكتاب الله، فكانت توصيته بعدم الالتزام بآية قرآنية ثم ترك أخرى، فمثلا لا يجوز للمسلم أن يلتزم بالصلاة ثم يغتاب ويخوض بأعراض الناس، وشدد الأمين العام على أهمية دور المرأة وتوجه إليهن بالتحية والتقدير لحضورهن الدائم، وكما للرجل دور مهم في بناء الأسرة فللمراة دور أكثر وأكبر أهمية أيضا، ثم جاشت مشاعره وخاضت في الماضي القريب ليستذكر الأمين العام الشهيد د. فتحي الشقاقي في ذكراه العطرة، فقال بحقه أنه لم يغمد سيفه رغم أن الكثيرون آنذاك اغمدوا سيوفهم، لانه كان يؤمن بأن الطريق لتحرير فلسطين يمر من خلال الجهاد والمقاومة فقط، وكما استذكر الامين العام د. فتحي الشقاقي أيضا لم ينسَ رفيق دربه في الجهاد والمقاومة د. رمضان شلح، كما توجه الأمين العام بالتحية و التقدير لحفظة كتاب الله، وهنأ شعبنا الفلسطيني والأمة الاسلامية بذكرى المولد النبوي، وضمن كلمته ذهب الامين العام للتطرق إلى قضايا الشأن السياسي وأعطى مواقف سياسية في عدة قضايا، خصوصا في موضوع القدس، الإعمار، الحصار، الاستيطان وحواجز القتل الميداني، وقمع شعبنا في ال 48، وهنأ الاسرى بانتصارهم، وختم الأمين العام كلمته بأنه ليس لدى شعبنا سوى خيارين: إما ان يكونوا عمالا وعبيدا عند "إسرائيل" وهذا ما لا يقبله شعبنا، أو القتال من أجل الحرية، وهي المعادلة التي لطالما كررها: إما أن نعيش شهداء او نموت شهداء، واختتم كلمته بتوجيه التحية الى ابطال سرايا القدس والى المقاومة الفلسطينية.
بالفعل كان مؤتمرا فلسطينيا ايمانيا ينبع قرآنا وجهادا ونضالا.