استكمالا لخطوات تضييق الخناق على فصائل المقاومة الفلسطينية، وتماهيا مع السياسة الإسرائيلية الهادفة للالتفاف على كافة الحقوق الفلسطينية حتى تلك الحقوق التي اقرتها الأمم المتحدة، وامعانا منها في الاستمرار بسياسة الانحياز والدعم المطلق للاحتلال الصهيوني البغيض، قالت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتل، إن الحكومة البريطانية حظرت حركة حماس، مشيرة إلى ما اسمته "بقدراتها الإرهابية", رغم ان حق مقاومة الاحتلال عسكريا هو حق مكفول وفق القوانين الدولية, باتل قالت في بيان لها : "تملك حماس قدرات إرهابية واضحة تشمل امتلاك أسلحة كثيرة ومتطورة، فضلا عن منشآت لتدريب إرهابيين. لهذا اتخذت إجراءات لحظر حركة حماس كلية", وهو ما يعني أن أي شخص يعبر عن دعمه للحركة أو يرفع علمها أو يرتب لقاءات لها سيضع نفسه تحت طائلة القانون, وبموجب الخطط الجديدة، قد يواجه أنصار حماس في بريطانيا ما يصل إلى 14 عاما في السجن, وهذه الخطوة جاءت استكمالا لخطوات قامت بها دول عربية بدأتها الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والسودان ودول عربية أخرى وكلها تهدف لمساندة "إسرائيل" ومساعدتها على القضاء على المقاومة الفلسطينية لتمرير مخططها التوسعي في المنطقة وتطبيق ما تسمى بصفقة القرن التي تبنتها دول عربية وتعمل على تجسيدها على ارض الواقع بالضغط على الفلسطينيين والحاق الأذى بهم, وبريطانيا صاحبة وعد بلفور المشؤوم جاءت بخطوتها هذه بعد ان حرضتها "إسرائيل" وامريكا ودول عربية أخرى عليها, ووعد بلفور لم تندم عليه بريطانيا ولن تندم يوما وهى تعتبره صفحة مضيئة واشراقة في تاريخها الحديث.
فلمن يطالبون بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور المشؤوم، ها هي بريطانيا الحليف "لإسرائيل" تمضي بإصرار في غيها, وتساند "إسرائيل" التي بدأت تئن تحت ضربات المقاومة الفلسطينية وقدراتها على تطوير سلاحها وادائها في الميدان, انها خطوة من توابع زلزال ملحمة "سيف القدس" البطولية, ونحن ندرك تماما ان هذه لن تكون الخطوة الأخيرة, فالحصار المالي كان الخطوة الأولى, ووقف قوافل المساعدات والوفود التضامنية مع غزة كان الخطوة الثانية, وملاحقة قادة المقاومة الفلسطينية ومن يتعاطف معهم في الدول العربية وتحديدا الخليجية كان الخطوة الثالثة, وتسارع وتيرة التطبيع العربي "الخليجي والسوداني والمغربي مع الاحتلال كان الخطوة الرابعة, وهناك خطوات خامسة وسادسة وعاشرة معلنة وغير معلنة الغرض منها حصار المقاومة الفلسطينية واضعافها وتقديمها قربانا "لإسرائيل" اننا نعيش مجددا زمن الغساسنة اتباع الروم, والمناذرة اتباع الفرس, فالعرب كانوا يقاتلون نيابة عن الروم والفرس, ثم اصبحوا يقتتلون فيما بينهم بتحريض من الروم والفرس كي لا تقوى شوكتهم ويبقون في حالة تبعية لهما, واليوم نعيش مع حلف تقوده أمريكا وبريطانيا و"إسرائيل" مهمته تمكين إسرائيل من رأس الفلسطينيين, والسيطرة على المنطقة العربية والتحكم بها, وبات العرب يقتتلون فما نشهده في اليمن وليبيا وسوريا والسودان والعراق ولبنان والمغرب وجل دول المنطقة يأتي ضمن مخطط استعماري لقوى الشر لفرض هيمنتها على المنطقة, وجعل الحكام العرب مجرد عبيد يقدمون ولاءات السمع والطاعة لأسيادهم الامريكان والبريطانيين والإسرائيليين, انه حلف الشر الذي يقود المنطقة للتبعية العمياء.
بريطانيا التي نطالبها بالاعتذار عن وعد بلفور المشؤوم, تسعى لاستنساخ هذا الوعد بطرق مختلفة, وهى لن تتوانى لحظة واحدة في تقديم الدعم بأشكاله المختلفة لإسرائيل, ومن الطبيعي ان تلجأ بريطانيا لحظر وتجريم فصائل المقاومة الفلسطينية ووصمها "بالإرهاب" وملاحقتها واستهدافها, لأنها لم تتخل يوما عن مخططها الاستعماري, وهى تعتبر ان وجود إسرائيل في المنطقة العربية يمثل ضمانة لاستمرار نفوذها وسطوتها وسيطرتها في المنطقة, ثم ان هذا القرار ينسجم مع تطلعات الادارة الامريكية التي تمثل حليفا استراتيجيا لبريطانيا.
وكما قال رئيس الدائرة السياسية في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور محمد الهندي "فإن هذا القرار مجحف ويعكس الكراهية للشعب الفلسطيني ومقاومته بأكمله, إن بريطانيا كانت ولا زالت تسعى لتمزيق فلسطين لمصلحة الاحتلال ضمن هذا القرار العدائي الذي ينتهك القوانين الدولية", وقد دعا الدكتور الهندي لمجابهة مثل هذه القرارات عربيا ودوليا وإسقاط محاولات تجريم الشعب الفلسطيني, واعتقد ان مجابهة مثل هذه القرارات المجحفة لن تكون على يد الأنظمة التي تنسجم رؤيتها مع رؤية بريطانيا في تصنيف فصائل المقاومة الفلسطينية "بالإرهاب" انما تتطلب تحركا شعبيا من الأحزاب والنقابات والبرلمانات التي تمثل الشعوب للتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل اشكال المقاومة, والتأكيد على عمق القضية الفلسطينية وحضورها في الوجدان العربي وعدم التخلي عنها, فهذا وحده هو الكفيل بإجبار بريطانيا ومن يلف لفها على التراجع عن مثل هذه الخطوات, فالشعوب قادرة على تغيير السياسات والمعادلات لأنها قوة لا تجابه.