رصدت منظمة مدافعة عن "إسرائيل" في الولايات المتحدة في تقرير موسع ما اعتبرته نجاحات في تغيير المناهج التعليمية في عدد من الدول العربية عبر حذف انتقادات لليهود و"إسرائيل" من الكتب المدرسية، مطالبة بمواصلة الضغوط لحين إدراج الدولة العبرية على الخرائط العربية، وتعليم الطلاب بشكل مناسب "عملية السلام" بين العرب و"إسرائيل" وتعريفهم بمذابح الهولوكوست.
والتفاصيل التي سجلتها رابطة مكافحة التشهير "إيه دي إل" (ADL) -التي ينص موقعها على أنها تعمل لدعم "إسرائيل" من أجل دولة يهودية ديمقراطية، وأنها ترصد حملات معاداة الصهيونية في العالم- تعطي نظرة نادرة على تفاصيل الاهتمام والتدخل الدولي في مناهج تعليم النشء في العالم العربي، خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وتغيير المفاهيم بشكل جذري.
ويذكر أن عددا من المنظمات الأميركية وأخرى يهودية -التي عادة ما تكون مدافعة عن معظم سياسات "إسرائيل" في الشرق الأوسط- تبنت مجهودا واسع النطاق لتغيير وتعديل المواد التعليمية في المدارس العربية من مرحلة رياض الأطفال حتى الجامعة؛ وذلك بغرض التطوير، ويثمن التقرير ثمار هذا المجهود.
وقالت المنظمة إن "الإصلاح التعليمي في الشرق الأوسط يبعث الأمل في استمرار التقدم في التصدي للتطرف".
وأشارت إلى تقرير أعدته مؤخرا بالاشتراك مع "معهد توني بلير للتغيير العالمي" الذي يديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق والذي يشغل أيضا منصب مستشار خاص للشؤون الدولية في الرابطة.
ويقع التقرير في 45 صفحة وحمل عنوان "تعليم السلام والتسامح في العالم العربي بعد عقدين من 11 سبتمبر/أيلول".
ووصفت المنظمة التقرير بأنه "دراسة مشتركة رائدة تبحث في تأثير الإصلاحات التعليمية في المنطقة منذ 11 سبتمبر/أيلول على التهديد المستمر الذي يشكله المتطرفون، مع التركيز بشكل خاص على مراجعة الكتب المدرسية المنشورة في العالم العربي".
ويخلص التقرير إلى "وجود بعض المحتوى الإيجابي والمبتكر في الكتب المدرسية لمعظم البلدان اليوم، ولكن في العديد من المجالات الجوهرية للسلام والتسامح، لا يزال هناك مجال واسع للتحسين."
وينطلق التقرير، الذي كتبه مدير الشؤون الدولية في الرابطة، ديفيد أندرو واينبرغ، من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في تبرير للدفع نحو مجهودات تغيير مناهج التعليم في العالم العربي، بغرض تربية جيل لا يعرف معاداة أو كراهية الغرب أو "إسرائيل".
ولا يخفي التقرير الغرض من عمليات إصلاح التعليم لتحقيق ذلك الهدف؛ فينص على أن "أحد الطرق هو تغيير المناهج التعليمية لتشكيل هوية الصغار ومواقفهم من الآخرين".
أبرز التغييرات في المناهج
وأثنت الرابطة على دولة المغرب في خريف 2020، لإضافتها عدة صفحات في كتب الدراسات الاجتماعية لطلاب الصف السادس، التي أشارت فيها إلى الجالية اليهودية وإلى إسهاماتها في التراث المغربي.
ويمتدح التقرير كذلك صورة في كتاب مدرسي تبرز الملك محمد السادس في زيارته إلى بيت ذاكرة اليهود المغاربة في الصويرة.
أما في مصر، فيمتدح التقرير المجهود المتواصل لتغيير المناهج التعليمية هناك ويشيد بعمليات التطوير في الكتب بها منذ عام 2015 سواء في التعليم العام أو في مناهج الأزهر على حد سواء.
ويمتدح التقرير ما كتب -على سبيل المثال- في منهج الثانوية العامة الذي يحمل دروسا عن "تقبل الآخر".
وأشادت الرابطة بإزالة آيات الجهاد من بعض الكتب الدراسية العربية؛ فقالت "اتخذت معظم المناهج الوطنية خطوات نحو إعادة صياغة كيفية تدريس مفهوم الجهاد، للحد من احتمالات تجنيد الإرهابيين".
وأثنى التقرير على "أن المملكة العربية السعودية قد أزاحت مؤخرا مقطعا قديما يدعو إلى الجهاد على أنه ذروة سنام الإسلام، وقد أدرجت بالفعل دروسا في الكتب المدرسية التي تمنع الجهاد المسلح منعا باتا إذا لم يوافق الحاكم أو الوالد على ذلك".
أما عن دولة الإمارات العربية المتحدة، فقال التقرير إن هناك "إشارة إيجابية تأتي من كتاب الإمارات للصف العاشر ’تعليم الأخلاق‘ الذي يذكر وجود المعابد الهندوسية والسيخية بالبلد في مؤشر على التنوع به".
وامتدح كذلك وجود نص في كتاب اللغة الإنجليزية بالدولة نفسها عن شخص يعيش في بناية مع العديد من الأصدقاء، ويقول إن الاحتفال بأعياد الميلاد (الكريسماس) يعتبر واحدا من أفضل إجازاتهم، فيقول "أفضل عطلة لي هي الكريسماس. ونحن نجهز عشاء كريسماس خاصا ونتبادل الهدايا".
وعلق كاتب التقرير -الذي عمل في منظمة الدفاع عن الديمقراطيات الموالية لإسرائيل التي تم تأسيسها بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول- قائلا "مثل تلك الرسائل ستكون جيدة إذا ما تمت إضافتها لمنهج تعليم اللغة العربية كذلك".
كما أوردت الرابطة أدلة على نجاح مجهودات تغيير المناهج المدرسية، مثل ما جاء في الكتب المدرسية للصف التاسع للدراسات الإسلامية في دولة الإمارات أن الإسلام يفرض "تعزيز أواصر المودة" مع اليهود والمسيحيين بوصفهم أهل الكتاب.
وفي حين أن التقرير ينتقد ما جاء في الكتب الجزائرية التعليمية من أن الاستعمار الأوروبي كان أمرا خطيرا ودمويا، إلا أنه في المقابل يشير بالرضا عن سرد الكتب الإماراتية عن "مذابح العثمانيين ضد العرب".
وامتدح التقرير دولا أخرى مثل البحرين والأردن، غير أنه أشار أيضا إلى بعض التغييرات التي ما زالت مطلوبة هناك.
الهدف التالي
وقالت المنظمة -التي تتعاون بشكل لصيق مع هيئات مشابهة للرصد والرقابة من "إسرائيل"- إنها على الرغم من مجهوداتها في كل الدول العربية، فإنها تنظر إلى مناهج التعليم في دولة مصر على وجه الخصوص، بسبب تأثيرها وارتفاع عدد سكانها.
وقالت الرابطة في تقريرها "نظام التعليم في مصر مهم ومؤثر: من الصعب المبالغة في أهمية مصر كدراسة حالة للاتجاه التعليمي في المنطقة. فعلى سبيل المثال، وفقا لإحصاءات الحكومة الأميركية والمصرية، هناك عدد من الطلاب في نظام المدارس العامة في مصر أكثر من مجموع سكان الإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان وقطر مجتمعة، حتى مع إضافة أعداد ملايين العمال الأجانب في تلك الدول الخليجية الأربع".
غير أن كاتب التقرير يحدد بعض بقايا لا يرضى عنها، فيقول إنه يجب إزالتها لنشر السلام والتسامح.
فيذكر على وجه التحديد كتاب الدراسات الإسلامية للصف الخامس الابتدائي في مصر الذي يذكر "خيانة اليهود" وأن "اليهود لا عهد لهم بعد أن خانوا الله ورسوله". وينتقد التقرير منهج الصف الثاني الثانوي كذلك في نص عن كون اليهود قد مثلوا تهديدا للدولة الإسلامية البازغة في فجر الإسلام، على حد تعبير الرابطة.
وينتقل تقرير منظمة للضغط على الأزهر، فيسرد العديد من التناقضات مثل قول إن الأزهر يقول إن الإسلام يسمح بالمعاملات مع أهل الكتاب، غير أن الأزهر أيضا يصف في دروسه الخيانة كونها طبعا عند اليهود. وينتقد التقرير الأزهر لذكره أن الآثار في القدس هي آثار إسلامية ومسيحية فقط ولا يشير -بحسب كاتب التقرير- إلى وجود آثار يهودية. كما يعيب التقرير كتب التاريخ الحديث في مصر، لعدم ذكرها وجهة نظر الجانبين بالتساوي في الصراع العربي الإسرائيلي.
أما عن الفلسطينيين، فيعلق التقرير قائلا "للأسف، لا تزال السلطة الفلسطينية تنشر أيضا كتبا مدرسية تضع تركيزا شديدا جدا على فكرة الجهاد والاستشهاد. وهي تعلم طلاب الصف التاسع في مقطع عن ’الحكمة وراء محاربة الكفار‘ أن الله ’قادر على إبادة وقتل الأعداء‘ ولكن بدلا من ذلك ’أمر [المؤمنين] بمحاربتهم‘".
أما في الكويت، فانتقدت جماعة الضغط كتابا كويتيا حديثا للصف الثاني عشر لكونه يشير إلى الأحمديين باستخدام "مصطلح مهين وهو القاديانيين"، ويرفض تعريفهم -المفضل الذي يقولونه عن أنفسهم أنهم- "طائفة إسلامية". وعاب التقرير أن الكتاب الدراسي الكويتي يعلّم أيضا أن المذهب الأحمدي يسمح بتناول الكحول ولحم الخنزير والمخدرات غير المشروعة، وأن الأحمديين يعتقدون أن جميع المسلمين الآخرين كفار، وهو ما قالت عنه رابطة مكافحة التشهير إنها أمور غير صحيحة.
ورغم أن التقرير يمتدح مناهج التعليم في قطر لتعزيزها الحوار بين الحضارات، فإنه ينتقد القائمين عليها لاحتفائهم بأعمال المفكر الفرنسي الراحل روجيه غارودي الذي وصفته بأنه "سيئ السمعة منكر للهولوكوست".
طرق الضغط
تعمل جماعات الضغط من المنظمات اليهودية الأميركية على تمرير التغييرات في النصوص المدرسية في المنطقة العربية بعدة وسائل، منها عقد لقاءات متتالية مع معظم المسؤولين العرب الزائرين للعاصمة الأميركية، وأيضا دفع أعضاء الكونغرس والمسؤولين الأميركيين لإثارة الموضوعات نفسها في لقاءاتهم مع المسؤولين العرب، ثم إدراج المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وهيئات المعونة في عملية تغيير المناهج تحت مسمى الابتكار والإصلاح، وأخيرا استخدام حملات ضغط أخرى تشمل الإعلام والتشهير.
وذكرت الرابطة -على سبيل المثال- أن ديفيد واينبرغ، مؤلف تقرير التعليم، قد مثل الرابطة في اجتماع جماعي للمنظمات اليهودية الأميركية مع وزير خارجية مصر سامح شكري في زيارته لواشنطن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
كما أوردت المنظمة اليهودية أخبارا عن لقاء افتراضي قامت به الرابطة مع وزير خارجية الإمارات، وقالت إنها وجهت رسائل إلى بعض السفارات العربية بشأن ضرورة تغيير المناهج للحفاظ على السلام والأمن العالمي.
وفي الفترة التي سبقت معرض القاهرة الدولي للكتاب في أوائل عام 2020، أثارت الرابطة هذه المسألة مع السفارة المصرية في واشنطن وأرسلت للدبلوماسيين المصريين قائمة باللغتين الإنجليزية والعربية بـ"الكتب المعادية للسامية الشائعة" التي تأمل ألا يسمح بها في هذا الحدث.
وأضاف التقرير أن الرابطة تحدثت إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مباشرة، فقالت "عندما كان العديد من تلك المواد البغيضة لا يزال مسموحا بها من قبل العارضين الخاصين في معرض الكتاب الذي تديره الدولة في ذلك العام، كتبت رابطة مكافحة التشهير رسالة احتجاج إلى الرئيس السيسي".
يذكر أن وزارة الخارجية الأميركية تعتمد كذلك في تقريرها السنوي عن معادة اليهود على أخبار ومعلومات من منظمات الضغط هذه.
أهمية مراقبة العرب
وبحسب ديفيد أندرو واينبرغ، فإن تقريره يوثق "أفضل وأسوأ الممارسات من الكتب المدرسية المعاصرة في العالم العربي"، وذلك عبر 5 مجالات عمل محددة مستهدفة بالتغيير وهي "تدريس الدين المقارن، وتوجيهات حول كيفية التعامل مع أتباع الديانات الأخرى، وصراع الحضارات، ودروس حول السلام والحرب والجهاد، ودروس حول التربية المدنية وحقوق الإنسان".
ونقلت الرابطة في تصريح مكتوب مشترك بين رئيسها التنفيذي جوناثن غرينبلات ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، مستشار الرابطة، قولهما "إن تربية جيل جديد تحرر من التفكير البغيض في الماضي يمكن أن يؤدي إلى نشوء أقوى الأبطال ممن يعملون من أجل الرخاء والسلام على نطاق المنطقة".
وأضاف غرينبلات -الذي كان قد عمل سابقا في البيت الأبيض مع إدارة الرئيس باراك أوباما مستشارا لشؤون المجتمع المدني وعمل في سلسلة ستاربكس للقهوة مسؤولا تنفيذيا بارزا- "نحن في رابطة مكافحة التشهير نعتقد أن التعليم من بين الخطوات الأولية نحو تعزيز التسامح، ونأمل أن يساعد هذا التقرير المشترك الجديد على تعزيز هذا الهدف".
كيف نخدم "إسرائيل"؟
وعددت المنظمة، التي ترصد حتى تسجيلات وأقوال خطب منابر الجمعة في العالم الإسلامي، الكثير من التوصيات لأجندة التغيير في المستقبل في المناهج العربية، منها أهداف مثل "إزالة الدروس المدرسية التي تتهم الغرب بالغزو الفكري"، والعمل على "توسيع الدروس التي تعلم الحوار والتعاون بين الحضارات".
لكن من أبرز التوصيات التي جاءت في التقرير المشترك للمنظمتين ما تعلق بإسرائيل ومكانها في مناهج التعليم العربية، وتحديدا طالبت المنظمة بأن يتم "إدراج إسرائيل على الخرائط، والتعليم حول عملية السلام العربي الإسرائيلي، ومراجعة المحتوى الذي يشيطن إسرائيل أو الصهيونية، وتضمين كتب التاريخ تعليم الهولوكوست بشكل مناسب".