غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

صندوق الانتخاب والعمل الديمقراطي

محمد مشتهى

بقلم/ د. محمد مشتهى

العمل الديمقراطي هو عمل جماعي، والعمل الجماعي يشترك فيه أكثر من عقل، والعقول فيها اختلاف، ومن غير المعقول أن تكون كل العقول مُبرمجة على نسق واحد، والاختلاف هنا يأتي فائدةً لتبيانِ المخاطر والايجابيات والسلبيات والفوائد والخسائر لموضوع النقاش.

الانتخاب وصندوق الانتخاب جزء من العمل الديمقراطي، القِيَم الديمقراطية والعقل الديمقراطي والسلوك والممارسة الديمقراطية هم الأهم من صندوق الانتخاب، فليس كل شخص يتم انتخابه عبر صندوق الانتخابات يعني أنه أصبح ديمقراطياً.

العمل الديمقراطي يَفتح العقل ويُقوي العزيمة ويُعطي ثقة بالنفس ويزيد من الثقة عند الآخرين بدون هيمنة أو رهبة أو تردد أو خوف من قول آرائهم، العمل الديمقراطي يجعل من الناس أن تقول رأيها دون أن تلتفت يمينا أو يسارا أو تحسب حساب لغضب هذا المسؤول او ذاك، وإن التسلُّط على الناس وارهابها لا يخلق منها الأسوياء، بل يعزز من وجود الانتهازيين والوصوليين والدّجالين، ولا يخلق قيادات، وإنْ كان شكلها كالقيادات، لكن عقولها ليست عقول قيادات تستطيع قيادة قضايا صعبة ومعقدة.

العمل في المؤسسات العامة يختلف عن العمل في مزارع مملوكة للأفراد كما يختلف عن العمل في سيارة أجرة أو على تكتك، فالعامل عندما يعمل في مُلك مسؤول "ما" ممكن حينها يقول للعامل: الله يعطيك العافية فيسلمه المفاتيح ثم يأخذ أجرته ويرحل، لكن في المؤسسة العامة الامور تختلف تماما، هناك نظام ومعايير وشورى وعقول جمعية والاحتكام فيها يكون للعقل الجمعي وللنظام وليس لعقل وحيد.

في العمل الديمقراطي، المسؤول يجب ألا ينتظر من الآخرين أن يتكلموا وفقا لنغمته أو على إيقاعه، صحيحٌ أن أحدهم ممكن يقول رأيا خطأ، لكن من المهم ألا يكون على نغمة أو مزاج المسؤول، في العمل الديمقراطي الحديث يكون وفق القناعات، والآراء تُطرح كما هي ولا يتم طرح الرأي بهدف أن يكون المسؤول سعيداً ممن يطرحه، وإنَّ طرح الرأي كي يكون المسؤول سعيدا يُدخل صاحبه في خيانة أمانة العقل والرأي.

التعصب للرأي مقتلة للعمل الديمقراطي، فمن الممكن أن يقول أحدهم رأيا غير صحيح وربما رأيا خطير أو مجنون من وجهة نظرك أنت، ورأيك يكون هو الأصوب، هنا حتى لو كان رأيك الأصوب لا يجب التعصب له أو اتهام الرأي الآخر بعدم الحرص أو الجنون، وإن تسويق رأيك لا يتم بالتعصب له وانما بالتنظير له والرد بمنطق ثم إثبات صوابيته للآخرين، وإنَّ تمرير الرأي على العقول لا يحدث من خلال القوة أو زيادة حدة الصوت بل يحدث بالاقناع، وإنَّ العقليات التي تستخدم القوة والإرهاب في تمرير آراءها هي عقليات جامدة ومتعالية وتعتقد نفسها أنها أفهم من الناس، لذلك مطلوب من صاحب وجهة النظر الصحيحة أن يقنع الآخرين بوجهة نظره لا أن يتعصب لها، وإذا ارتأت أغلبية العقول أن رأيا "ما" هو الأصوب مطلوب أن تُسلّم له حتى لو كان مخالفا لرأيك، ولا يجوز لأحدهم أن يعتبر نفسه قيِّم على الناس أو أن عقله فوق عقول الناس، وبما أنك ارتضيت العمل بالديمقراطية فالأصل أن تتحمل أشواكها، فالذي يأكل الصبار يتحمل أشواكها، فالعمل الديمقراطي لا يُعتبر كله سَمْنٌ على عسلٍ.

العمل الديمقراطي أيضا يختلف عن إصدار التعليمات أو الأوامر، التعليمات لا تُنتج وعي ولا تفتح آفاق عند الناس، لذلك مهم توعية الناس لمضامين ومفاهيم وقِيَم وانطلاقات العمل الديمقراطي ثم عدم حصره في صندوق الانتخاب أو حصره بمدى نُضج عقل المسؤول، فالديمقراطية مداها أوسع من عقل أي مسؤول، والشورى والحوار والنقاش والنقد الذاتي هم من أهم معالم العمل الديمقراطي.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".