يرفع ابنته على كتفيه؛ ليرقص وإياها، وآخرون ينثرون "رغوة" الصابون البيضاء في الأجواء، ويدبكون على أنغام الأغاني الشعبية، النساء والشباب، الكبار والصغار يعبرون عن فرحة عارمة تسكن قلوبهم.
هذه ليست مشاهد فرحة الزواج أو نجاح أحد الأبناء أو ميلاد طفل "على عطش"؛ إنما فرحة المواطن الصحفي مثنى النجار؛ لحصوله على بطاقة الأحوال الشخصية "الهوية الفلسطينية"، بعد 26 عامًا من الحرمان.
فرحة "مثنى" وأسرته لا يمكن وصفها، فمنذ لحظة استلام البطاقة، أصبح لمثنى إمكانية لاستصدار جواز سفر، وفتح حسابات بنكية، والعمل بالدوائر الرسمية، والتمتع بحقوقه كمواطن فلسطيني.
بداية المعاناة
بدأت أزمة ملف "لمّ الشمل" منذ قدوم السلطة عام 1994م، ففي تلك الفترة رافقها إلى أرض الوطن الآلاف من العائلات المهجرة حاملين معهم "وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين"، أو تصريح زيارة مُنح لهم من الاحتلال الإسرائيلي، وهاتان الورقتان لا يحلان محل "الهوية"، ولا تساعدان في الحصول عليها؛ لذا حرم هؤلاء من التمتع بحقوق أي فلسطيني يحمل البطاقة الشخصية.
استمرت المعاناة سنوات عدة، ففي عام 2006 قرر الاحتلال الإسرائيلي منح بطاقة الهوية للآلاف من الفلسطينيين، ومن بينهم عائلة النجار، إلا أن الصدمة كانت لمثنى: بأن قرار منح بطاقة الهوية لم يشمله.
حُرم مثنى من السفر كثيرًا، وأصيب بالإحباط؛ لكنه لم ييأس، فرفع صوته عاليًا وطرق جميع الأبواب، وتظاهر برفقة المئات حتى تمكن من الحصول على الهوية بداية عام 2022.
مثنى بعد "الهوية"
في تمام الساعة التاسعة صباحًا كان مثنى يستعد للخروج من المنزل للعمل، وما أن هم بالمغادرة حتى وصلته رسالة عبر هاتفه المحمول، أغمض مثنى عينيه وصرخ عاليًا أخيرًا "الحمد لله" وخر ساجدًا شاكرًا ربه.
أما زوجته التي كانت تقف إلى جانب مثنى سقطت دمعتها، وزادت دقات قلبها دون أن تدري ما يجري، وما أن رفع مثنى رأسه عن الأرض والدموع تتطاير من عينيه أخبرها بأن حلمه تحقق وحصل أخيرًا على الهوية، لتنطلق زغرودة عفوية لتعلن الفرحة.
مثنى النجار هو صحفي فلسطيني معروف يقول لمراسل "شمس نيوز": "الحمد لله حصلت على الحرية في وطني بعد معاناة طويلة، ويمكن لي الآن أن أحقق أحلامي وطموحاتي وكل ما حُرمت من تحقيقه سابقًا، كالسفر للسياحة، أو أداء العمرة وفريضة الحج، أو تطوير قدراتي الصحفية بالمشاركة في لقاءات خارجية أو الدراسة والتعليم".
وعن أول قرار سيتخذه مثنى بعد حصوله على بطاقة الهوية هو التسجيل للسفر لأداء العمرة أو فريضة الحج، أو السفر للسياحة في إحدى دول العالم، مشيرًا إلى، أن الجواز الرسمي مع بطاقة الأحوال الشخصية الرسمية أفضل بكثير من "الجواز المصفر" الذي يُمنح للمواطنين العائدين للبلاد دون أي اعتراف بحقوقهم، وكان قد حصل عليه مثنى، وسافر عن طريقه ذات مرة.
وحول تكاليف الحصول على الهوية التي أثارت جدلًا كبيرًا في البلاد قال النجار: "الأوضاع المادية للناس صعبة جدًا؛ الأمر الذي دفع الكثير من الناس للامتناع من الحصول على الهوية في الوقت الحالي؛ فهي تُكلف نحو 440 شيكل "رسوم المكتب، سعر قانون الأحوال المدنية، إضافة إلى التوقيعات والطوابع وغيرها من الرسوم".
لم يرق لشاكيد
يبدو أن الفرحة التي عاشتها العائلات الفلسطينية ومن بينهم الصحفي مثنى النجار لم ترق لوزيرة الداخلية في حكومة إسرائيل أييليت شاكيد؛ إذ صادقت اللجنة الوزارية للتشريع بالكنيست الإسرائيلي، على مشروع قانون صاغته شاكيد، يحظر لمّ شمل العائلات الفلسطينية.
وحظي القانون بدعم جميع أعضاء اللجنة من الائتلاف الحكومي، باستثناء وزيرة حماية البيئة، تمار زاندبرغ، من حزب ميرتس، التي صوتت ضد القانون، بينما أمتنع الوزير عن حزب العمل، نحمان شاي، فيما أعلنت القائمة الموحدة التي تدعم حكومة نفتالي بينيت، أنها ستصوت بالكنيست ضد القانون؛ إذا بقي على صيغته المقترحة من قبل شاكيد.