الخيار السّياسي سواء أعجبنا أم لم يُعجبنا، سواء خيار صحيح أو غير صحيح، سواء خيار منطقي أو خيار غير منطقي، فإنه يبقى في النهاية خيارا سياسيا تتخذه الدول أو الأحزاب، والرد على الخيار السياسي لا يكون ردا أدبيا أو تلميحيا أو بالسب أو الشتم، بل يتم الرد عليه سياسيا.
كثير من الأنظمة العربية والاسلامية أخذت خيارا سياسيا واتجهت نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، هذا يعتبر خيارا سياسيا لتلك الأنظمة، والأهم من ذلك كله هو الخيار السياسي الفلسطيني الذي يُتّخذ تجاه العدو.
إنّ حجر الرَّحى في مُجمل الخيارات السياسية هو نحن الفلسطينيون، ومطلوب عندما نناضل ونقاوم ألا نُحَمِّل أحدا منَّة أو فضلاً في ذلك، لأننا ندافع عن بيوتنا، ومطلوب أن نخرج من دائرة الاشتباك مع العدو التي يرافقها صُراخ على العرب والمسلمين والاستجارة بهم، ومطلوب ألا نعاير الأخرين بأننا ندافع عن العروبة وأننا خط الدفاع الأول عنهم ولولانا لدخل الكيان عواصمهم، تلك الاسطوانة والبحث عن الشفقة لم تعد تُجدي نفعا، نحن لا ندافع عن العروبة ولا عن عواصم الدول العربية، نحن ندافع عن بيوتنا وعن أرضنا، ولنفترض جدلاً أن الكيان الصهيوني إحتل كل العواصم العربية التي يدّعي البعض أننا ندافع عنها، فهل هذا يعني حينها التوقف عن قتال من يحتل أرضنا؟!، بالتأكيد لا، الأصل أننا ندافع عن سمائنا وأرضنا وإنّ تضامن الشعوب والدول في النهاية تحصيل حاصل (على أهميته)، فإذا حدث هذا التضامن كان بها واذا لم يحدث مطلوب أن نستمر بالدفاع عن أرضنا.
فلسطين أرض مباركة، هذا صحيح، والمسجد الأقصى هو للمسلمين جميعا، هذا صحيح، ومطلوب منا حث كل المسلمين للدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير فلسطين، وهذا صحيح، لكن سواء استطاع المسلمين المجيئ أم لم يحضروا للدفاع عن المسجد الأقصى فهذه تبقى أرضنا ويجب الدفاع عنها، سواء كان المسجد الأقصى في فلسطين أو لم يكن فيها، فإنه مطلوب القتال لأجل تحرير الأرض، فالله عز وجل يقول: "أُذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا"، وأنت أيها الفلسطيني ظُلمت باغتصاب أرضك، حتى لو لم تكن مسلما مطلوب أن تدافع عن أرضك، لكن من فضل الله علينا أنه خلقنا مسلمين كي ننال أجر الدفاع عن الأرض، فالفيتناميون لم يكونوا مشايخ أو مسلمون عندما دافعوا عن أرضهم، والفرنسيون والانجليز والأمريكيون كذلك لم يكونوا مسلمون، فالدفاع عن الأرض هو شيء طبيعي بالفطرة بغض النظر عن الدّين والاعتقاد، لكن نحن كمسلمين كرامةً لنا قال الله عز وجل: "انّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ"، فالقتال عن الأرض هو طبيعي بالفطرة سواء بالأجر أو بدون الأجر، تماما عندما يُطعم الرجل أهل بيته، فإنه من البديهي عند كل البشر هو اطعام أهل البيت، لكن المسلم الله أعطاه أجرا على إطعامه أهل بيته، وكذلك من البديهي والفطري هو الدفاع عن الأرض لكن الله عز وجل أعطى المسلم المقاتل المدافع عن وطنه أجرا كبيرا، وتلك هي عظمة الاسلام والدين.
إذن الدفاع عن الأرض والبيت والوطن شيء طبيعي ولا يَستدعي كل هذا الصُّراخ، وأنت أيها الفلسطيني تقاتل وتدافع عن حريتك، واذا لا تريد القتال والدفاع عن أرضك وأردت العيش، بإمكانك ذلك لكنك ستعيش ذليلا مهانا، والفلسطيني لا يقبل ذلك أبدا ومستحيل أن يقبل ذلك ولا يليق عليه أن يقبل ذلك، إذن القيمة الأساسية التي نحن نقاتل وندافع عنها هي حريتنا وديننا وليست العروبة ولا عواصمها، وهذه ليست دعوة للكفر بالعروبة، لكن مطلوب من المُقاتل ألا يُحمِّل العرب ولا المسلمين منَّة الدفاع عن حريّته وعن أرضه فهذا واجبه بالدرجة الأولى وهو بالتأكيد واجب كل العرب والمسلمين، وفي حال جاء العرب والمسلمين للمساعدة في أداء الواجب أهلا وسهلا، أما في حال لم يأتوا فهذا ليس مدعاة للتكاسل والصراخ أو المُعايرة.
