طال الانتظار حتى ظن الناس أن "أبا جهاد" نسي وعده، حين تمكن المقدم اليهودي إيهود باراك من التسلل إلى بيروت بلباس امرأة بعد أن قتل فريق الكوماندوز الذي يقوده ثلاثة من أبرز قادة حركة فتح : "كمال عدوان وكمال ناصر وأبو يوسف النجار ومعهم آخرون!، كان أبو جهاد غاضباً جداً لسنوات لأن وعده بثأر لم ينفذه بعد حينما قال: "ستهاجمكم امرأة أيها الأوغاد!"
وقع نظره على ممرضة صغيرة متطوعة لا تغادر الكوفية كتفيها، تمشي بثقة كأنها مقاتل مستعد للنزال!! عشرة أشهر يا باراك من هذه اللحظة، امرأة حقيقية ستقود فريقاً من الرجال ردًا على عملية كمال عدوان، ومجزرة دير ياسين ستقودهم دلال المغربي!
كانت شغوفة بفلسطين مؤمنة بحريتها مدركة بخطورة المرحلة، ولم تقف مكتوفة الأيدي في وقت كان البقاء على الأرض أو التشبث بها هو مقاومة بحد ذاته، قررت المغربي أن تكون أكثر قتالاً، فتفوقت بالميدان على الشجعان بحرًا وبرًا، سواء سهلًا وجبلًا، لتضرب بعرض الحائط تهكم بعض الرفاق "فتح ما فيها "ازلام!".
أي فرحة تلك يا دلال جاءك التكليف الكبير: هل أنت مستعدة لتنفيذ عملية في "تل أبيب"؟
أي رأيت فلسطين، والإبحار ببحرها .. والدفن برحمها، أو العودة بالانتصار ستكتبها ع جبينها وجدران قلبها ...لم تفكر دلال حينها، ولم تتردد في الموافقة ..
انطلقت المجموعة في جنح الظلام عبر البحر، ووجهتهم فلسطين، كانت رحلة مميتة يومين في عرض البحر، في مثل هذه الايام جو عاصف ممطر، ابتلع البحر اثنين من الفدائيين، وبلغ اليأس منتهاه حتى وصلوا إلى الساحل.
قاتلت الاحتلال بالحجر والسلاح وحق البقاء، فاختطفت برفقة أشقائها في النضال والكفاح حافلة جنود في "إسرائيل" عام 1978، كانت متجهة من حيفا إلى "تل أبيب"، وهي تقل عدداً من جنود جيش الاحتلال، فكانوا رهائن بيدها ومجموعتها.
ونصبت هناك العلم الفلسطيني، ورددت النشيد الوطني، وأقامت الدولة الفلسطينية الحرة لدقائق شامخة!
وعندما أدرك جيش الاحتلال ماهية العملية، ووجود مجموعة فدائية قامت بهذا الفعل، لاحقوهم بطائرات الهليكوبتر، وأرادوا السيطرة على مّن بالحافلة، كانت معركة قاسية مجنونة مع فرقة جاءت لتموت في أرضها مرفوعة الرأس، قاتلت حتى آخر طلقة، بعد أن تحولت الحافلة إلى قطع وأشلاء ممزقة!
كانت دلال مصابة في رأسها، وسلمت سلاحها لرفيقها، فحملها إلى ظل شجرة خضراء، واستأمن الشجرة عليها.
بعد انجلاء المعركة، أتى باراك "المرأة الشقراء" يسأل جريحاً عن قائد المجوعة: فأشار إليها بفخر: إنها دلال!
هجم عليها كالمجنون، يمزق ثيابها، ويقلب جسدها، وينتف شعرها!! لقد قتلت أكثر من ثلاثين صهيونيًّا، وأصابت العشرات، ورقدت حيث تحب!
وفي اليوم الثاني للعملية، اعترف رئيس حكومة الاحتلال آنذاك مناحيم بيغن بمقتل 37 من الإسرائيليين وجرح 86، لكنه لم يفصح عن عدد القتلى في صفوف الجيش.
ولا تزال دلال -حتى بعد استشهادها قبل 44 عامًا- تؤرق الاحتلال الذي قدمت حكومته شكوى إلى الأمم المتحدة في 2016 من السلطة الفلسطينية لاحتفائها بذكرى استشهاد المناضلة العشرينية.
أتعلمون أن جسدها الطاهر لا يزال مجهول الموضع، في ناحية من مقابر الأرقام المطموسة! وأنها لم تجد حتى الآن من يسترد جثمانها، ويودعه التراب الذي تحبه في القدس!