روسيا دولة عظمى، وهناك مصالح لدول العالم مرتبطة بها، منها ما هو اقتصادي خصوصا على مستوى الطاقة (الغاز والنفط)، ومنها مصالح على مستوى التجارة وغيرها، لذلك هناك مصالح للكثير من الدول مرتبطة بروسيا، وليس كل الدول سترتمي وتحتكم للهوى الأمريكي او الأوكراني، كلٌ لديه حساباته، أوروبا لديها حساباتها وهي متضررة مما يجري، ومثل هكذا حروب معقدة ومتشابكة الميدان فيها هو الذي يحكم كل شيئ، وما دامت الدبابات على الأرض والطائرات في الجو والصواريخ تنزل، فإن من ينتصر في الميدان هو الذي يضع شروط الاستسلام أو التسوية، وحرب كهذه الحرب لا يوجد فيها شروط تسوية بل شروط استسلام، لأنه ببساطة بوتين لن يستسلم، وأوكرانيا هي التي ستستسلم والغرب كله في النهاية سيرفع يديه.

الغرب حاصر روسيا بكل ما تعني كلمة "حصار" من معنى، ثم قدموا الدعم لأوكرانيا بكل ما تعنيه كلمة "الدعم" من معنى، الغرب يقدم السلاح والمال لاوكرانيا بشكل غير عادي، وهو يشبه الدعم العربي والغربي الذي تم في سوريا من أجل إسقاط النظام فيها، الدعم بمختلف أنواع الأسلحة يتم تقديمه لأوكرانيا و"على عينك يا تاجر" وليس بنظام "الدسدسة"، وفي المقابل لو أحدهم دعم فلسطين بكلمتين فإنه سيُحمّل الفلسطينيين "الجمايل"، ثم سيعمل 100 حساب للكلمتين عندما يقولهم، هكذا يفعل الغرب، نحن لا نطالب الغرب ان يدعم فلسطين ومقاومتها، نحن نطالب العرب أن يقدموا الدعم للشعب الفلسطيني كي يتخلص من الاحتلال، الغرب يقدمون الدعم ل "زلمتهم" لكن العرب أين هم من فلسطين؟! العرب لا يدعمون مقاومة الشعب الفلسطيني كما أنه ليس لديهم استعداد لدعمها، الغرب كله انقلب 180 درجة فور الهجوم على أوكرانيا، حتى أنهم  تحولوا إلى عنصريين وضربوا بعرض الحائط كل المعايير الإنسانية والأخلاقية التي روَّجوا لها وصدَّعوا رؤوس العالم بها طيلة عقود مضت، كل ذلك من أجل دعم أوكرانيا ولضرب روسيا، إن حالة التوحُّد في الدعم الذي يقدمه الغرب لأوكرانيا (بغض النظر عن أهدافه) حقيقة يُحسدون عليه، إيران تقدم بعض السِّلاح للمقاومة فتقوم الدنيا ولا تقعد عليها من الغرب، مع أن فلسطين والقدس تحت الاحتلال وبشكل رسمي منذ أكثر من 70 عاما!!!

هناك من يقول بأن روسيا والصين تُعرّي أمريكا أخلاقيا أمام العالم وتكشف مخططاتها البيولوجية وهذا يؤذيها وقد يدمرها، هذا الكلام مهم وصحيح، لكن الصراعات الدولية لا تسير بهكذا فهم، التسريبات الجارية بشأن المختبرات البيولوجية وكشف لمؤامرات نشر الجراثيم هي تندرج ضمن المعارك الإعلامية لكنها ليست هي من تحدد اصطفافات الدول، لذلك ممكن لروسيا والصين أن تتكلم عن المختبرات ثم تكشف وثائق كما تريد، لكن هل يمكن لبريطانيا "مثلا" أن تتهم أمريكا بذلك؟!، المعارك الأخلاقية والإعلامية مهمة لكن بالأخير الكلمة للميدان فقط، الإعلام مهم لكن الذي يكون في الميدان هو الذي يقرر نتيجة الحرب، والذي يقرر نتيجة الحرب هو الذي يضع شروط الاستسلام كما جرى في نتائج الحرب العالمية الأولى والثانية، فالقُوى المُنتصرة هي التي تضع الاتفاقيات، وليس فقط تضعها بل هي التي تقوم بتفسيرها، لذلك الإعلام وما يجري فيه من شيطنة هو مهم في الحرب، فالغرب هم أصلا أهل الإعلام وأهل الشيطنة الاعلامية وهم أهل الصوت والصورة وأهل الفبركات والسَّرديات، والإعلام يؤثر لكن الأهم هو ما يجري على الأرض، ومن يمتلك القوة على الأرض فإنه يحقق النتائج، أما من لا يمتلك القوة على الأرض فسوف يبقى يغني في الاعلام ليُطرب المستمعين دون تحقيق نتائج.

 روسيا الآن تقول أنها تطلب متطوعين للقتال معها، وبالفعل جاء المتطوعين..أليس كذلك؟ والأوكران طلبوا متطوعين وبالفعل جاء متطوعين للقتال معها...أليس كذلك؟، ماذا يعني ذلك؟ ولماذا المتطوعين؟

روسيا لديها جيش كبير وقوي، هل هي بحاجة للمتطوعين؟ بالتاكيد لا، إذن لماذا تطلب متطوعين؟!

بتقديري إن قصة المتطوعين هي شكل من أشكال إشراك الدول بشكل مباشر في الحرب، فعندما تُرسل بريطانيا "مثلا" متطوعين للحرب هي بذلك تكون شاركت فيها وهو نوع من أنواع الاصطفافات، وهذه تعتبر مقدمات للحرب العالمية، إشراك العالم في الحرب ولو بقدر قليل هو مقدمة لتوسيع الحرب وليس لوقفها، المتطوعون يخرجون من بلادهم وبعلم حكوماتهم وتحت مرأى ومسمع مخابرات بلادهم، وعندما يخرج "مثلا" 200 بريطاني و400 أمريكي و 500 صيني و هكذا للمشاركة في الحرب، ألا يُحدِث خروجهم ضغوطات على حكومات بلدانهم مستقبلا؟! لذلك وبرأيي إنَّ مرحلة طلب وإرسال متطوعين للحرب هي توسِعة لانتشار الحرب وإشراك المزيد من الدول فيها مما يعجِّل من إندلاع حرب عالمية، هناك أسلحة ودعم ومستشارين وقوافل ومتطوعين تأتي من هنا وهناك، والروس قالوا بأنهم سيضربون قوافل الأسلحة التي تأتي ومن الممكن أن يقوموا بضربها وهي على أرضها "مثلا" في بولندا أو رومانيا، وهنا يكمن فتيل آخر لاندلاع الحرب العالمية، وبالتأكيد لا أحد فينا يجلس في عقل بوتين أو يشرب شاي مع بايدن ليعرف ماذا سيفعلان، وفي النهاية بالتحليل يمكن قول كل شيئ، وسواء تحقق التحليل أو لم يتحقق فلن يقع حينها حجر من السماء، حتى لو تحقق أي تحليل فلن يصبح كاتبه صاحب نبوءات ليعرف مستقبلا ما سيكون!!!