غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

لقاء مؤثر.. أكرم يحتضن والده لأول مرة بعد غياب خمس سنوات قسريًا

أكرم أبو طه.PNG
شمس نيوز - مطر الزق

الساعة تُشير إلى الثانية عشرة ليلًا، وما زالت جفون الطفل أكرم أبو طه ترفض الاستسلام للنوم في انتظار أجمل هدية على الإطلاق، يتجمع الأهل والأحباب من حوله، وعلامات الفرح والسرور مرسومة على وجوههم، دقات قلوبهم من الشوق والحنين وبكاء الفرح يُسمع صداه في أرجاء البيت.

هناك في مدينة خانيونس، تستعد عائلة أبو طه لاستقبال نجلها الأسير محمود الذي اعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2016 على حاجز بيت حانون – إيرز- شمال قطاع غزة، أثناء توجهه للعمل داخل الأراضي المحتلة عام 48.

قبل نحو خمس سنوات، كانت أحشاء "أم هاني" زوجة محمود أبو طه تعلن عن أمرٍ مفرح لزوجها؛ نعم إنها "حامل"، فرغم أن لديه 6 بنات وطفلا اسمه هاني، إلا أن ذاك الجنين جعل محمود يبكي من شدة الفرح دون إدراك لما سيكتبه المستقبل لجنينه القادم.

فرحة أبو هاني بجنينه استمرت نحو خمسة أشهر؛ فعندما كان يستعد للخروج إلى العمل داخل الأراضي المحتلة عام 48 اعتقلته قوات الاحتلال على حاجز بيت حانون شمال القطاع دون أية أسباب؛ رغم حصوله على تصريح تجاري.

اعتقل أبو هاني في سجون الاحتلال، وعمت حالة من الحزن، والألم، والمعاناة، في بيته المتواضع في خانيونس جنوب القطاع، كادت زوجته أن تفقد الجنين؛ لحزنها الشديد على زوجها؛ إلا أنها تمسكت بقضاء الله وقدره، ووكلت أمرها إلى العزيز الجبار.

بعد أربعة شهور من اعتقال زوجها جاءها المخاض، فقدت في تلك اللحظة المصيرية حنين الزوج ولهفته على زوجته وتمسكه بها، فكانت ولادة صعبة مليئة بالحزن والأسى، أطلقت أم هاني على جنينها اسم "أكرم" لعل الله عز وجل يكرمها بالإفراج عن زوجها من سجون الاحتلال.

وين بابا يا ماما؟

مرَّ على ميلاد أكرم خمس سنوات، كانت مليئة بالأحداث المثيرة والمؤلمة لعائلة محمود أبو طه والتي تسبب بها الاحتلال الإسرائيلي، أعياد ميلاد مرت دون لقاء بين الطفل ووالده، مناسبات دينية، واجتماعية، وعائلية، فقد فيها الطفل حنان الأب.

عندما يشتاق الطفل أكرم لوالده يسأل والدته: "وين بابا يا ماما؟"، الأم المكلومة ليس لديها جواب سوى أن تُشير بأصابعها إلى الصور المعلقة على جدران البيت، فينظر الطفل والدموع تملأ عينيه، يُمسك بيده إحدى الصور، ويحتضنها بشدة، ليبكي كل من حوله من والدته، وأشقائه، وأقاربه في مشهد محزن جدًا.

تُنهي الأم حالة الحزن وتقول لأطفالها بعد أن وكلت الأمر إلى الله: "قريبًا سيعود البابا، وتعم الفرحة، وتنتهي كل الأحزان"، فكل لحظة تمر على أم هاني كانت عبارة عن سنة، حتى أنهى زوجها الحكم الصادر بحقه خمس سنوات ونحو3 شهور.

دقت في منزل محمود أبو طه ساعة الفرح؛ تزين المنزل بصور الأسير، وعلقت أحبال الزينة، ونصبت خيمة استقبال المهنئين، صوت الأناشيد الثورية تعلو في المكان، فرحة لا يمكن وصفها؛ لكن العيون كلها تتجه إلى الطفل أكرم الذي يراقب المشهد من حوله بمزيج من الفرح والخوف.

اختفت خيوط الشمس الذهبية في الثامن عشر من آذار العام الجاري (2022) لتعلن عن ليلة طويلة جدًا مرت على عائلة أبو طه، كأن عقارب الساعة توقفت عن السير، كل ما يفكر فيه الطفل أكرم أن ما يجري من مشاهد فرح وسرور وسعادة مشاهد عادية تنتهي ليلًا.

استعادت أم هاني في تلك الليلة شريط الذكريات الجميلة مع زوجها قبل اعتقاله على حاجز بيت حانون، فكلما تذكرت موقفًا جميلًا أعادها الطفل أكرم إلى اللقاء المرتقب؛ لتدور أسئلة عدة في ذهنها، كيف سيكون اللقاء الأول بين أكرم ووالده؟ ماذا سيفعل الطفل؟ خمس سنوات لم يحتضن محمود طفله أكرم، لقاء سيكون مشوقًا ومؤثرًا جدًا.

مرت الليلة على عائلة محمود أبو طه كأنها سنة، زقزقة العصافير وأشعة الشمس التي تسللت إلى المنزل معلنة عن صباح الحرية أيقظت العائلة؛ استعدادًا للذهاب إلى حاجز بيت حانون –ايرز- شمال القطاع لاستقبال والدهم.

مع إشراقة شمس الصباح تحول البيت إلى خلية نحل، الكل يستعد لاستقبال محمود، حتى الطفل الصغير أكرم ارتدى بزته العسكرية الجميلة، وشعر بالفخر والعزة عندما رأى مركبات وسيارات عسكرية ومدنية تنتظره أمام المنزل.

صعد أكرم وشقيقاته وعماته إلى المركبات، صوت الأناشيد الثورية يحدث ضجة واسعة؛ ليتجمع أهالي الحي حول المركبات التي انطلقت مسرعة تجاه معبر بيت حانون، أمسك الطفل أكرم بإحدى عماته قائلًا لها: "وين أواعي بابا؟"، استغربت عمته متسائلة: "ليش؟" ليرد الطفل بكل براءة "بدي أحضن أواعي بابا وأشمها قبل ما يخدوها مني".

أطلقت عمته العنان لضحكاتها من شدة تمسك الطفل بوالده وبراءته لتقول له: "راح نعطي الملابس لأبوك ونجيبوا على البيت"، شعر الطفل كما تقول عمته لمراسل "شمس نيوز" بالفخر.

مع تعامد أشعة الشمس وصلت عائلة أبو طه إلى معبر بيت حانون تنتظر الإفراج عن محمود، هنا تحديدًا توقفت عقارب الساعة، وبدأت العائلة تشعر بالتوتر والقلق وأصابتهم قشعريرة؛ لتأخر الإفراج عن محمود، إحدى شقيقات محمود تقول لـ"شمس نيوز": "الوقت لا يسير يبدو أن حالة التجمد والصقيع وصلت إلى عقارب الساعة لتتجمد".

بعد وقت طويل من الانتظار صدح الصوت أخيرًا، وصل محمود، توقف قلب شهد –ابنة محمود- للحظات ثم انفجرت بالبكاء لتخترق وشقيقاتها وعماتها جموع الناس كأنها في مارثون رياضي، أمسكت بوالدها؛ لتظفر بالحضن الأول وسط حالة من البكاء، والصرخات، والدموع التي انهارت كالسيول الجارفة من شدة الفرح.

من بعيد، أحدهم يرفع الطفل أكرم ببزته العسكرية، ويخترق الصفوف نحو والده، لم ينتهِ محمود من احتضان بناته وشقيقاته بعد، حتى رفع عينيه إلى من حوله ليجد طفلًا صغيرًا يتقدم نحوه ويقول بتعجب: "هذا أكرم!" ليجبن النسوة من حوله بهز رؤوسهن بالإيجاب، فأسرع محمود والدموع تتطاير من عينيه ليحتضن طفله أكرم لأول مرة منذ ولادته.

لم يتمالك الجمع الغفير من الناس أنفسهم، فشعروا بقشعريرة في أجسادهم، وارتباك أعصابهم، ليبكوا بكاءً حارًا، لمشهد احتضان محمود لطفله أكرم، ظل الطفل مرافقًا لوالده أثناء تلقي التهاني والتبريكات ممن حوله، فعندما تحركت عجلات المركبات نحو مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، صعد أكرم إلى جانب والده الذي ارتدى بزته العسكرية رافعًا علامة النصر، وحاملًا سلاحه بيده الأخرى.

محمود يوسف أبو طه.jpg
 

عاد محمود إلى خانيونس مرفوع الرأس، بعد اعتقال دام خمس سنوات ونحو ثلاثة أشهر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فمشهد لقاء أبو هاني بزوجته لم يكن سهلًا على الإطلاق؛ فقد تبادلا الدموع والألم بعد فترة طويلة من الاعتقال القسري بفعل الاحتلال.

فرحة أبو هاني بالإفراج عنه من سجون الاحتلال كانت ممزوجة بالحزن والألم؛ لفراق أحبة تركهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي يعانون صنوف العذاب والألم من قبل السجان الإسرائيلي.

 

6f9f34ec6c81334e68d5f4aea7b13061.jpg