غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

القائد عبد الحليم البلبيسي.. من فرسان عملية "بيت ليد"

الأسير عبد الحليم البلبيسي.jpeg
بقلم/ محمد حميد (أبو الحسن)

لطالما أعجزتنا دماء الشهداء السائلة وتضحيات الأسرى المتحدية، فوقفت أمامها كلماتنا مقصّرةً أمام عظيم صنيعهم لا توفيهم حقهم، فكيف وإن كانوا أصحاب بصمة جهادية ضربت مسارات التطبيع والتسوية المشؤومة، وأيقظت الغافلين من الوهم؟! كيف بمن هجر سعة الدنيا إلى شوكة الجهاد؟!، بل كيف يمكننا أن نفي الأسير القائد المجاهد/ عبد الحليم البلبيسي حقه من الكلمات؟!

تنحدر أسرة الأسير القائد/ عبد الحليم البلبيسي "أبو عماد" من قرية برقة المهجّرة عام 1948م والمجاورة لبلدة أسدود الساحلية أقصى شمال قضاء غزة، وقد ذاقت عائلته ما ذاقه الشعب الفلسطيني من تهجير وتنكيل في أعقاب نكبة فلسطين عام 1948 ومعاناة اللجوء في مخيم جباليا شعلة الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة".

ورغم نشاط الأسير القائد/ أبي عماد الاقتصادي المزدهر، إذ أنه أحد كبار رجال الأعمال في مجال الخياطة وتجارة الأقمشة، التحق بصفوف حركة الجهاد الإسلامي مبكراً، فكان أحد أوائل الشبان الذين ترعرعوا على أفكارها وشحذت هممهم مبادؤها الجهادية، فتدرج في العمل الإداري والتنظيمي فيها مبكراً، فانخرط مع إخوانه في أنشطة المساجد من حلقٍ دينية وجهادية، وشارك في فعاليات الحركة في الانتفاضة الأولى من تصدٍ شعبي لاقتحامات قوات العدو وتنظيرٍ سياسي عبر توزيع بياناتها الثورية وإغلاق للطرقات العامة في وجه مركبات العدو في مخيم جباليا.

تسبب نشاطه في تلك الفترة إلى اعتقاله لمدة قصيرة في سجون الاحتلال، فلم يكن هذا الاعتقال مثبّطاً لعزائمه ومزيناً له أمر الدنيا بما امتلكه من تجارة منيفة ومهنة شريفة ورزقٍ واسع وبَسْطةً بالرزق، فلم تكن استثماراته الكبيرة وامتلاكه لمصانع يعمل بها مئات العمال فتنةً له لتقعده عن الجهاد والمقاومة، بل لم تكن هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ ينكحها بل كانت هجرته إلى ما هاجر إليه، فكان من الذين أرادوا الآخرة وآثر طريقها معتمداً على الله سبحانه وتعالى ومنحازاً لأفكاره الجهادية الرفيعة، وبان الدنيا ثلاثاً معرضاً عنها، كيف لا وهو المرابط في أرض الرباط ، الأرضِ التي بارك الله فيها للعالمين مؤمناً بما في ذلك من أجرٍ حيث أولى قبلة المسلمين ومسرى النبي –صلى الله عليه وآله وسلم ومعراجه إلى السماء.

لعل البصمة التي ترجمت هذا العنفوان العقدي والتألق القدوسي للأسير القائد/ أبو عماد هو رصده أثناء تنقله في أرضنا المحتلة لتجمع عددٍ كبير من جنود العدو في أحد محطات الحافلات في منطقة بيت ليد غرب طولكرم والمقامة على أحد القرى المهجرة عام 1948م وذلك في ما يسمى مفترق هشارون، وذلك في ساعةٍ محددة من النهار بشكل متكررٍ يومياً وذلك في أحد أهم نقاط تجمع ونقل قوات جيش العدو إلى وحداتهم المختلفة، فلم يكن من الأسير القائد/ أبو عماد إلا أن نقل هذه الملاحظة إلى قيادة العمل العسكري للحركة داخل قطاع غزة التي اتخذت القرار ببدأ التحضير لاستهداف هذه المحطة المركزية لجيش العدو.

وما هي إلى أيام قليلة، وتجهز قيادة العمل العسكري في الحركة الفذة الاستشهاديَّيْن الشهيد القائد/ أنور سكر والشهيد القائد/ صلاح شاكر، وتجهز الأحزمة الناسفة وذلك في شهر يناير 1995م، ليأتي لاحقاً دور بطولي آخر للأسير القائد/ أبي عماد حيث اضطلع بمهمة نقل الأحزمة الناسفة إلى داخل أرضنا الفلسطينية المحتلة مستغلاً عدداً من الثغرات الأمنية في أمن العدو وتأمين هذه الأحزمة داخل مكان محدد وتزويد الاستشهاديين بزي مطابق لزي جيش العدو لتسهيل دخولهم إلى منطقة الهدف، وتولت قيادة الجهاز العسكري تأمين دخول الاستشهاديين من معبر بيت حانون بطريقة أمنية مركبة ومعقدة، على أن يلتقي الأسير القائد/ عبد الحليم البلبيسي بهما في مدينة أسدود ويقم بتسليمهما الأحزمة الناسفة والمعدات اللازمة وأن يتولى نقلهما نحو الهدف المحدد في بلدة بيت ليد، وهو ما كان بالفعل إذ انسل الاستشهاديان المجاهدان إلى محطة الباصات المركزية مرتديان حزاماً ناسفاً يعلوه زيٌ عسكريٌ للجيش الصهيوني ليفجر الاستشهادي الأول حزامه الناسف موقعاً عدداً من جنود الاحتلال القتلى ويتبعه -بإيمانٍ كبير وعزيمة لا تفتر- الاستشهادي الثاني مفجراً نفسه بمن تجمع من جنود الاحتلال، ما أوقع عدداً كبيراً من القتلى في صفوف جيش الذلة.

لطالما اعتبرت عملية بيت ليد أحد أكبر العمليات الاستشهادية التي استهدفت جيش العدو على مدار جهاد الشعب الفلسطيني، وتميزت باستهدافها لهدف عسكري في قلب دولة العدو مثخنةً في صفوفها، ونجحت في إفهام الاحتلال أن الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال وعربدة مستوطنيه قادرٌ في أي لحظة على الرد بقوة على بطش الاحتلال ومستوطنيه.

لقد شكلت عملية بيت ليد التي كان الأسير القائد/ أبو عماد أحد أبرز المشاركين فيها صدمةً لأجهزة أمن العدو من حيث الدقة في تحديد الهدف، والسرية في نقل الأحزمة الناسفة ودخول الاستشهاديين إلى عمق دولة العدو، والاحترافية العسكرية في طريقة تنفيذها، فضلاً عن أهمية هذه العملية من حيث دلالة التوقيت السياسي إذ أنها أجهزَتْ على مشروع التسوية اللعين وأصابت اللاهثين وراء السلام المدنس –كما وصفه الشهيد الأمين/ فتحي الشقاقي-بالشلل والارتباك التام.

تمكنت قوات الاحتلال من اعتقال الأخ القائد/ أبو عماد في عام 1995م، وحكمت عليه محكمة الاحتلال بثلاثة وعشرين مؤبداً أمضى منها حتى الآن سبعةً وعشرين عاماً قضاها متنقلاً بين سجون الاحتلال من شمال فلسطين الى جنوبها، سبعة وعشرون عاماً جاءت برهاناً إضافياً على انحيازه التام إلى الإسلام وفلسطين والجهاد في سبيل الله تعالى فقد شهد بذلك كل من قاسمه ظلمة السجن.

التحية للأخ الأسير القائد/ أبي عماد ولقيادة العمل العسكري في حركة الجهاد الإسلامي في تلك المرحلة الحساسة الشهيد القائد/ محمود الخواجا والشهيد المهندس/ محمود الزطمة والشهيد المهندس/ عمار الأعرج والشهيد القائد/ أيمن الرزاينة والأسير القائد/ نضال البرعي وإلى كل الذين صنعوا المجد والعز والكرامة رغم شح الإمكانيات وقلة ذات اليد وملاحقة أجهزة أمن العدو أجهزة سلطة أوسلوا لهم.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".