غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

القائد «رياض بدير».. باع ما يملك ليشتري سلاحاً ويروي بدمه ثرى جنين

الشهيد القائد رياض بدير
شمس نيوز - رام الله

قائد الجهاد الإسلامي في طولكرم وأبرز قادة معركة مخيم جنين، في كل ركن من قسمات وجهه كانت ترتسم ألف حكاية وحكاية عن الأرض والوجع والثورة والصمود، وفي سنوات عمره التي تجاوزت النصف قرن بنصف عقد تقبع المزيد من الحكايا والوصايا لجيل يتتلمذ كل يوم على قصص الشهداء وتضحياتهم وفنون البطولة الممتدة إلى عمق تاريخ دام يلد فيه رحم الهزيمة كل يوم ساعة للانتصار.

الشيخ القائد رياض محمد علي بدير، حياته مدرسة وسنوات جهاده تاريخ مكتنز بالعطاء لم ينته يوم ترجل في ميدان الشرف والبطولة في السادسة والخمسين من عمره وليس بيده غير المصحف والسلاح.

ميلاد شيخ المجاهدين

ولد الشهيد القائد الشيخ رياض محمد علي بدير (أبو العبد) بتاريخ 8-5-1947م، في قرية فرعون جنوب غرب طولكرم، والتحق بمدارس المدينة قبل أن يكمل تعليمه العالي في معهد خضوري الزراعي ليتخرج منه ويلتحق بسلك التربية والتعليم أستاذاً يعلم طلبته فنون التضحية والفداء ويقول كلمة الحق لا يبالي في سبيلها بأشواك الطريق وعذابات الاحتلال.

صفاته وأخلاقه

كان أكثر ما يميّز شخصية الشهيد القائد رياض بدير الجهاد والتضحية والتمسك بالأرض وإغاظة اليهود والعمل على الانتقام منهم ومحاربتهم، فهو دائم الحديث عن هذا الأمر في دروسه في المساجد ولقاءاته مع الناس حيث كان يمتلك شخصية اجتماعية فريدة يجتمع الكثير من الناس حوله ليسمعوا حديثه عن الجهاد والشهادة.

وقد برزت الروح الإسلامية بوضوح في شخصية الشهيد بدير منذ بداية حياته وفي مختلف جوانب سلوكه بما فيها أسماء أبنائه الثلاثة (سيد قطب، إسلامبولي، القسام) أما نجله البكر فقد أطلق عليه اسم عبد الفتاح تيمناً بشقيقه الذي استشهد في إحدى عمليات المقاومة الفلسطينية في السبعينات في غور الأردن.

مشواره الجهادي

ومع انطلاق الانتفاضة المباركة الأولى كان الشيخ الشهيد رياض بدير أحد رموزها وقادتها وموجهي فعالياتها حتى اعتقل في العام 1988م، في أول دفعة أسرى تفتتح سجن النقب الصحراوي، حيث أمضى فيه ستة شهور معتقلاً إدارياً لم يتوقف خلالها عن نشاطه التربوي والتعبوي للأسرى ليعدهم لما بعد الإفراج من دور في ميدان الانتفاضة.

وبعد خروجه من المعتقل تعرض الشيخ للفصل التعسّفي من سلك التربية والتعليم كأسلوب مارسه الاحتلال في محاربة المجاهدين في أرزاقهم وأقوات عيالهم ولما كان يشكله الشيخ من إزعاج لهم من خلال تربيته لتلاميذه على التمسك بالأرض والدفاع عنها وصونها بالدماء، غير أن الحرب الاقتصادية التي أعلنها الاحتلال على الشيخ كانت أصغر من أن تنال فالتحق بالعمل في المجالات الاجتماعية والإنسانية لتخفيف أعباء الممارسات الاحتلالية على أبناء شعبه من خلال عمله في دور الأيتام والمؤسسات الشعبية واللجان الوطنية والخيرية مثل لجنة الزكاة.

ولم تتوقف حرب الاحتلال على الشيخ بفصله من التدريس بل واصل المحتلون اعتقاله وتعريضه لأبشع أشكال التحقيق، حيث اعتقل مجدداً في عامي 1990م، و 1991م، وخضع لتحقيق قاس تحدى خلاله المحققين في مسالخ إجرامهم ليخرج في كل مرة منهك الجسد قوي الروح يدوس عظام السجان بجرحه الذي لا يبرأ إلا برفضه الاعتراف.

وخلال حملة الإرهابي رابين على قادة حركتي الجهاد الإسلامي وحماس في العام 1992م، وإبعادهم إلى مرج الزهور اعتقل الشيخ مجدداً وأخضع للتحقيق ولم يقل كلمة واحدة يمكن أن تفيد عدوه الذي يخوض معه حرباً مفتوحة على كافة الصعد.

ولم تسلم سيرة الشيخ الاعتقالية من الاعتقال في سجون السلطة الفلسطينية حيث اعتقل في العام 1995م، ليقضي في سجونها عدة أشهر ثمناً لتمسكه بخيار الجهاد في عهد التسوية.

ومع انطلاق انتفاضة الأقصى المبارك كان الشيخ يشتد حنينا إلى الرحيل وكان يحدث أبناءه أن عمره قد طال أكثر مما ينبغي وأنه قد آن له أن يقضي شهيدا في سبيل الله تحقيقا لأعز حلم راوده وأغلى أمنية تمناها فطارد الشهادة مرات ومرات وبحث عنها في كل جولاته مع الاحتلال كقائد لسرايا القدس، إذ لم يقنع الشيخ رغم تقدمه في السن وإعالته لأسرة كبيرة بقصر جهاده على كلمة الحق والموقف الصلب والتوعية والإعداد والتربية والتأهيل لمدرسة الجهاد بل التحق بسرايا القدس ينصب الكمائن ويطارد المحتلين ويشارك في الاشتباكات المسلحة رغم توليه جانباً كبيراً في إدارة الانتفاضة كممثل لحركة الجهاد الإسلامي في لجنة التنسيق الفصائلي.

ولتمويل عمله العسكري باع الشيخ بيتاً بناه ولم يسكنه وسيارة كان يعمل على نقل الناس بها كمصدر لرزقه واشترى بثمنها السلاح الذي وجد فيه الضمان لتحقيق الحلم الأكبر بالشهادة.

وحين كان يسأله الناس ماذا تركت لأسرتك ؟ كان يجيب.. الله ورسوله، وكانت الشهادة على مرمى لحظات من الشيخ مرتين قبل أن ينالها فعلاً الأولى حين أصيب برصاصة في ساقه خلال اشتباك مسلح تصدى فيه مع رفاقه في السلاح لمحاولة اجتياح قوة صهيونية لمخيم نور شمس، والثانية بعد أن تعرض سجن المقاطعة في طولكرم للقصف بصواريخ طائرات الـ(ف16) حيث كان محتجزاً لدى السلطة إثر موقفه الرافض لوقف إطلاق النار، وقد أتت الصواريخ على مبنى المقاطعة بالكامل وتمكن ورفاقه المجاهدين داخل السجن من الخروج رغم إصابتهم.

استشهاد القائد

مع إعلان الاحتلال عن مخيم جنين والبلدات القديمة في نابلس كأهم أهداف حملته المرتقبة فيما يسمى عملية السور الواقي حمل الشيخ سلاحه وانطلق إلى مخيم جنين للمشاركة في الدفاع عنه وتسطير أروع ملاحم البطولة الفلسطينية في وجه العتاد الصهيوني المدجج بالقتل والدمار، ولم تعلم أسرته بنيته التوجه إلى هناك إلا بعد أن تلقت زوجته اتصالاً منه أبلغها خلاله أنه قد وصل إلى المخيم بسلام وأن لا عودة منه إلا بانتصار أو محمولاً على الأكتاف.

يعد الشيخ القائد رياض بدير من ضمن أهم المجموعات التي تسلمت الدفاع عن أهم المواقع بالمخيم حيث تولى مسؤولية مجموعة من مجاهدي سرايا القدس الذين خاضوا حرب المخيم بكل بسالة واقتدار، ودافع عن المخيم بكل ما أوتي من قوة داعياً الله أن يمكنه من اليهود، وبقي الشيخ القائد رياض يدافع عن المخيم حتى اللحظات الأخيرة، وقد تحققت إحدى أمنيتيّ الشهيد رياض بدير الذي لم يترك في حديثه أي مجال للتراجع أو النكوص، فقد قاتل قتال الأبطال حتى فرغت ذخيرته وهدم المنزل الذي كان يتحصن به عليه بصواريخ الاحتلال ليرتقي شهيداً بتاريخ 11-4-2002م، وليكتشف جثمانه بين الأنقاض بعد أيام من انتهاء معركة جنين بقيت خلالها حكاية مصير الشيخ في طور المجهول إلى أن وجد جثمانه خلال عمليات البحث وليس في يده سوى مسبحة لم تكن تفارق أصابعه ومصحف كان يجد في تلاوة آياته نور دربه نحو الشهادة، وبندقيته التي باع كل ما يملك للحصول عليها ونقش اسمه برصاصها في كتاب الخالدين.

طولكرم تودعه

فبعد استشهاد الشيخ ونقله إلى طولكرم التي خرجت عن بكرة أبيها لتزفه إلى مقبرة الشهداء حضر نجله" سيد قطب" من الخليل حيث كان يدرس حينها في جامعتها لإلقاء النظرة الأخيرة على والده ، غير أن جنود الاحتلال أوقفوه على الطريق وقاموا باعتقاله وأبلغه أحد الضباط أن سبب الاعتقال لأنه ابن الشهيد رياض بدير حيث حول للاعتقال الإداري وأفرج عنه في وقت لاحق.

التضحية التي قدمتها زوجة الشهيد رياض بدير ككل الأمهات الفلسطينيات لم تقتصر على تواصل اعتقال الشيخ وإصاباته بالرصاص والشظايا وأخيراً استشهاده وإنما بصبرها على اعتقال الأبناء، حيث سبق لنجلها الأكبر "عبد الفتاح "أن اعتقل مرتين في سجون الاحتلال أولاهما وهو طفلاً وأمضى أكثر من سنتين في سجون مختلفة ليعاود المحتل اعتقاله كذلك بعد استشهاد والده وأفرج عنه بعد انتهاء محكوميته.

أما النجل الثاني "سيد قطب" فهو الآخر تعرض للاعتقال ثلاث مرات كذلك أولاها كانت في طفولته، كما كان منزل الشهيد هدفا للتخريب والتفتيش والعبث على يد قوات الاحتلال خلال حملاتها المتواصلة واقتحامها لمدينة طولكرم، لكنها على الرغم من ذلك لا تبدي أي مظهر من مظاهر اليأس والقنوط أو الندم بل تعتبر أن ما قدمته أسرتها مثال بسيط على التضحية الفلسطينية التي تمتد لتشمل آلاف الأسر الباحثة عن شمس الحرية خلف ليل الاحتلال.

يا شيخ المجاهدين: إن دمك يتوزع على دماء الآباء والأمهات لينجبن من أمثالك وأمثال إخوانك المجاهدين, فسلام على المجاهدين في جنين ومخيمها وفي نابلس وقلعتها وفي بيت لحم وكنيستها وفي الخليل وحرمها سلام على هذا الشعب الذي كشف هشاشة هذا الاحتلال وأكد حقيقة الكيان الصهيوني السائر نحو الزوال.

رحم الله شهدائنا وأسكنهم فسيح الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، نقلاً عن الإعلام الحربي لسرايا القدس.