غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

كتيبة جنين: من المشاغلة إلى الجذوة المشتعلة

كتيبة جنين.jpeg
بقلم/ ثابت العمور

"وحدهم الشهداء قادرون على وقف المهزلة، وإعادة النجوم إلى مداراتها وحركة التاريخ إلى اتجاهها الصحيح وحده الدم سيهزم السيف". الشهيد / فتحي الشقاقي

في لحظة سكون تتخطفها ارتجافات كثيرة، وبينما المشهد تحكمه العربدة الإسرائيلية من هدم وتهويد واعتقالات واستيطان واغتيالات؛ وتطبيع يتمدد على جدران عربي مائل، وفي لحظة التيه الفلسطيني المُزمن في نفق التسوية تارة والرهان على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تارة أخرى؛ وعلى وقع لقاءات مُسترقة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، كان هناك ستة أسرى في سجن جلبوع قد أعدوا العدة للحظة الفارقة في حيثيات المشهد واحداثياته ومآلاته.

في صباح اليوم السادس من شهر سبتمبر/ أيلول 2021 تمكن ستة أسرى - خمسة منهم من أسرى الجهاد الإسلامي أربعة محكوم عليهم بالسجن المؤبد - من انتزاع حريتهم والفرار من سجن جلبوع الإسرائيلي، لم تكن تسمية العملية "بنفق الحرية" مجرد عملية أمنية معقدة ولم يكن الأمر مجرد اخفاق أمني لسلطات الاحتلال؛ كما أن إعادة اعتقال الأسرى الستة لم يفض لتوقف التبعات والتداعيات بقدر ما افضى لتدحرج المشهد صوب الاشتباك والمشاغلة. لتتحول المحددات من مجرد عملية هروب عبر نفق من سجن جلبوع الى حالة نضالية ثورية جهادية مشتبكة تُسمى "كتيبة جنين".

حضرت تسمية العملية بـ"كتيبة جنين" لأول مرة في رسالة خاصة وجهها الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول 2021، وقد جاء في نص الرسالة "الأخوة الأبطال كتيبة الحرية كتيبة جنين أشرقتم فانتفض الشعب الفلسطيني قوياً وفتياً، طوينا القلب عليكم خوفاً وعشقاً، وكذا فعل كل حر في هذا العالم".

فكان اول من أطلق مصطلح "كتيبة جنين" هو الأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي زياد النخالة. وقد شكلت هذه العملية وهذا التبني والتوصيف من امين عام حركة الجهاد الإسلامي دافعية جديدة لدى في الذهاب صوب الاشتباك والمشاغلة كتكتيك تتبناه حركة الجهاد الإسلامي. ليتحول مصطلح "كتيبة جنين" من توصيف أسرى جلبوع إلى دلالة المجموعة العسكرية التابعة لحركة الجهاد الإسلامي.

إطلاق التسمية من قبل الامين العام لحركة الجهاد الإسلامي ثم امتدادها تنظيميا لتصبح مجموعة عسكرية تتبع للجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي "سرايا القدس" وتتبنى سلسلة عمليات عسكرية عبير بيانات رسمية تصدرها عبر منصاتها الرسمية، وارتقاء عدد من شهداء "كتيبة جنين" اثناء الاشتباك من مسافة صفر؛ يعني أن عملية "نفق الحرية" وانتزاع الحرية من سجن جلبوع أفضت بنا لنكون أمام بنية تنظيمية عسكرية لحركة الجهاد الإسلامي في عموم الضفة الغربية ومخيم جنين على وجهة الخصوص.

وهنا يجب الا نُسقط خصوصية مخيم جنين من أي قراءة استشرافية ابتداء من تجربة الشيخ عز الدين القسام واستشهاده بأحراش يعبد بجنين في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني1935- وقد كان للرجل وتجربته حضورا كبيرا وكثيفا في ادبيات وابجديات وخطاب حركة الجهاد الإسلامي عموما وكتابات مؤسسها الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي على وجه الخصوص- وليس انتهاء بتجربة الأسير محمود العارضة قائد عملية الهروب من سجن جلبوع والذي وصف كيان الاحتلال في ظهوره الأخير اثناء محاكمته في الحادي عشر من نيسان/ ابريل الجاري قائلا :" هذا الوحش وهم من غبار".

ما بين المشاغلة في غزة والجذوة المشتعلة في الضفة المحتلة مسار ممتد في تاريخ حركة الجهاد الإسلامي؛ فلم تكن عملية سجن جلبوع الحالة الجهادية النوعية الوحيدة التي افضت لتفجير المشهد وذهابه صوب الاشتباك الحاصل، فالإخصاب الصعب حدث قبل ذلك بكثير وتكاد الاحداثيات تتشابه وتتقاطع الأمر الذي يقتضي اجراء قراءة استشرافية لمآلات "كتيبة جنين" والسيناريوهات الممكنة والمتوقعة، ففي حيثيات متشابه الى حد التطابق تمكن قبل 34 عام تقريبا وتحديدا في 17 مايو/ أيار 1987 ستة أسرى ينتمون لحركة الجهاد الإسلامي بقيادة الشهيد مصباح الصوري من انتزاع حريتهم من سجن غزة المركزي شديد الحراسة.

كانت الأجواء ملبدة بغيوم السيطرة الإسرائيلية الكاملة على كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، فجاءت عملية "الهروب الكبير" لأسرى حركة الجهاد الإسلامي من سجن غزة المركزي آنذاك لتُفضي لصاعق ثوري جهادي في المشهد، خاصة وأن مصباح الصوري ورفاقه لم يكتفوا بعملية الهروب بل ذهبوا لتنفيذ سلسلة عمليات نوعية في قطاع غزة، كانت في واحدة منها رصاصات مصباح الصوري تستقرّ في جسد غاليلي غروسي ضابط المخابرات الإسرائيلية، شرقي حيّ الشجاعية.

وفي عملية ثانية استطاع محمد الجمل وسامي الشيخ خليل من قتل قائد الشرطة العسكرية في قطاع غزة روني طال من مسافة الصفر. ليرتق في الأول من أكتوبر، وبعد أربعة أشهر على الهروب من سجن غزة المركزي، مصباح الصوري شهيدا بكمين لجيش الاحتلال. وفي السادس من الشهر ذاته، لحق به كلا من الشهيد محمد الجمل وسامي الشيخ؛ خلال اشتباك مع جيش الاحتلال شرقي حي الشجاعية أسفر عن مقتل ضابط مخابرات.

لم يسدل الستار حينها ولم تُرفع الراية فلم يمض اقل من شهرين حتى اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى انتفاضة الحجارة في 8 ديسمبر/ كانون الأول العام 1987. فكانت عملية "الهروب الكبير" من سجن غزة لأسرى الجهاد الإسلامي صاعق القنبلة ونواة المشاغلة التي افضت لتحريك الجماهير صوب المعادلة التي تقول بأن هزيمة الاحتلال ممكنة ومتاحة، وهذا عين ما أفضت إليه عملية سجن جلبوع " نفق الحرية" والتي لم يؤدي إعادة اعتقال الاسرى الستة لانتهاء التبعات لكنه افضى لخلق حالة جهادية ثورية نقلت المحددات من المشاغلة الى الجذوة المشتعلة وهي الحالة التي تعبر عنها الآن "كتيبة جنين".

لقد استطاعت "كتيبة جنين" رغم حداثتها أن تؤسس لمرحلة جديدة من الاشتباك مع الاحتلال، مختلفة البيئة والأدوات والحيثيات والتبعات، وهي ليست حالة طارئة أو مجرد ردة فعل على ممارسات الاحتلال وجرائمه، بقدر ما تُعبر عن حالة أصيلة متجذرة في فكر وممارسة حركة الجهاد الإسلامي، وبالتالي فإن قراءة مستقبل "كتيبة جنين" لا يُمكن فهمه وتصور سيناريوهاته الممكنة والمتوقعة بمعزل عن خطاب وأدبيات حركة الجهاد الإسلامي التي تُغلب الاشتباك وتتبنى المشاغلة لتبق جذوة المقاومة مشتعلة ومستمرة. لتنقل المواجهة من الهيكل الرسمي والتنظيمي للحركة الى عموم الشعب الفلسطيني لتتحول الجذوة المشتعلة لانتفاضة شعبية على غرار انتفاضة العام 87.

هذه السيناريوهات حاضرة بكثافة في خطاب الحركة ولم تتغير بتغير المتغير القيادي وتعاقب ثلاثة أمناء على قيادة الحركة، ففي 27 يناير 1995 وقبل ارتقاء الدكتور فتحي الشقاقي شهيدا ببضعة أشهر؛ وعقب خمسة أيام فقط من تنفيذ حركة الجهاد الإسلامي لعملية بيت ليد الاستشهادية المزدوجة والتي قُتل فيها 24 جنديا صهيونيا، وفي رده على تهديدات اسحق رابين باغتياله قال الشقاقي: "إننا مستمرون في جهادنا ولن تثنينا هذه التهديدات عن مواصلته وعزاؤنا دائماً أن الجهاد والثورة ستبقى مستمرة في جميع الأحوال". مضيفا "إنَّ مبرر وجودنا الأساسي هو الجهاد المسلح ضد الاحتلال الصهيوني؛ هذا الجهاد سوف يستمر بلا توقف، مهما كان حجم الصعوبات والضربات والتضحيات".

إن استدعاء الاحتلال لسيناريوهات السور الواقي2، او اجتياح جنين أو الاستمرار في استراتيجية جز العشب، او الذهاب للاغتيالات والاستنزاف سواء في جنين أو في الضفة الغربية لن يفضي لانتهاء أو القضاء على ما أسست له ورسخته واثبتته الحالة الجهادية الثورية الحاصلة والتي تعبر عنها "كتيبة جنين" وإن كان ربط الساحات حاصل جماهيريا وشعبيا فإنه متحقق بلا شك تنظيميا وهيكليا وبالتالي أي استفراد بجنين عموما وكتيبتها على وجه الخصوص يعني أن سرايا القدس ستفتح مرابضها وأن الحرب على جبهة غزة واقعة لا محالة، وهذا عين ما لا يريده ولا يرغب فيه الاحتلال وهو ما يُفسر هذه الحركة المكوكية للوسطاء من اجل تحييد غزة وتغليب التهدئة، وذهاب الاحتلال لتخفيض التصعيد. يعني إقراره بأنه لم يعد قادرا على ضبط الإيقاع والتحكم في مساراته وحركته وأن معادلة جديدة أسست لها " كتيبة جنين" تُضاف لما رسخته وجذرته معركة "سيف القدس".

إن الانتقال من المشاغلة إلى الجذوة المشتعلة وصولا الى الانتفاضة الشعبية هذا السيناريو القادم متوقع وممكن بشواهد كثيرة منها أولا: أنه على غرار "كتيبة جنين" باتت تتحقق وتتمدد ملامح "كتيبة نابلس"، ثانيا: هذه الحشود الشعبية التي تخرج في تأبين الشهداء وهذا الخطاب التعبوي الذي يُقدمه ذوي الشهداء وأباءهم - والد الشهيد رعد خازم نموذجا- بمثابة استفتاء شعبي ومقدمة على تغليب خيار المواجهة والانتفاضة في وجه الاحتلال، وتخفيض التصعيد وتغليب التهدئة هو مجرد استثناء طارئ هش. سيتفجر عند أول جريمة يرتكبها الاحتلال.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".