غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

بلا مساحيق: شطب الأونروا وأنسنة قضية اللاجئين

د. أسعد جودة.jpg
بقلم / د. أسعد جودة

تمر وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بأخطر مرحلة في تاريخها منذ تأسيسها في كانون أول 1949م بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302، على خلفية قرار  الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم  194 ديسمبر ١٩٤٨ ،المتضمن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم والتعويض على إثر الزلزال والكارثة الكبرى التي تعرض لها الشعب الفلسطيني ،عبر  استئصاله من أرضه  تحت وطأة الحديد والنار والمجازر ، وزرع  كيان سرطاني كولونيالي تلمودي صهيوني عنصري  يسمى إسرائيل، تنفيذا للوعد المشؤوم الصادر عن آرثر  بلفور وزير الخارجية البريطاني بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ليكون نقطة ارتكاز للمشروع والتحدي الغربي الحديث وحاميا لمصالح الاستعمار في قلب الحوض العربي الاسلامي.

الأونروا تمثل الشاهد الحى والوحيد على النكبة والمنوط بها تقديم خدمات وإغاثة للاجئين لحين  العودة، ويجدد التفويض لها كل ثلاث سنوات، وموازنتها السنوية عبارة عن هبات من الدول الأعضاء في الجمعية العامة وعملياتها في خمس مناطق (لبنان - سوريا - الأردن - غزة - الضفة). 

الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وحلفاءهم يعملون بلا توقف على تفكيك وتذويب هذه الوكالة الأممية بشكل ممنهج وضمن خطة متدحرجة، ففكرة تحويل برامجها الى مؤسسات أممية كاليونيسيف واليونسكو ومؤسسات أخرى تمهيدا لتحويل الأونروا الى جهة إشرافية حتى يحين الوقت للتقدم للمطالبة بإلغائها، لطالما البرامج تغطي وبشكل مستمر وسخى وأفضل وهذا أيضا عمل خبيث واستغلال لحاجيات الناس، بيت القصيد يكمن في تغييب هذه المؤسسة الأممية التي تؤكد على أن موضوع اللاجئين سياسي بامتياز وجوهر القضية الفلسطينية هو حق العودة، وشاهدة على الواقعة والظلم الإنساني الفاضح من منظومة عصبة الأمم المتواطئة على انتداب بريطانيا على فلسطين العام ١٩٢٢ لتنفيذ وعد بلفور بإنشاء دولة الكيان تأهيلا وتدريبا وتسليحا ودعما واعترافا في إطار مخطط استعماري جهنمي وهو السيطرة على قلب الحوض العربي الاسلامي والتحكم في أهم مكان روحي مقدس الذى يرمز للسيادة الروحية والسياسية في العالم   (القدس) لضمان استمرار تفكك المنطقة وتجزئتها وإنهاء أي شكل من أشكال النظام السياسي الجامع للأمة بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى.

وعدا عن كون قضية اللاجئين سياسية هذا لا ينفى عنها الطابع الإنساني كون المتضررين هم بشر ومورس ويمارس عليهم ظلم واضطهاد، اما السعي لأنسنة القضية ونزع المضمون  السياسي هو محطة في إطار خطة متكاملة لتصفية القضية الفلسطينية، تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو ٢٠١٨ عن فكرة تفكيك الأونروا يتقاطع مع خطة ترامب في صفقة ترامب وطرح مفهوم إعادة تعريف من هو اللاجئ ووقف المساعدات المقدمة ضربة واحدة والتي قدرت أيامها ٣٠٠ مليون دولار وما يتم طرحه من أفكار يروج لها المفوض العام  للأونروا فيليب لازارينى ومكينته الإعلامية توزيع برامج الأونروا على مؤسسات مثل اليونيسيف واليونسكو ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسات إنسانية اخرى، هو بمثابة ترجمه لنفس الغرض نزع الصفة السياسية عن قضية اللاجئين التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية وتحويل الملف لاحقا إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المتخصصة في كل قضايا اللاجئين على مستوى العالم، هذا الاجراء عمليا وواقعيا تنفيذ لهدف إستراتيجي طال انتظاره وهو تثبيت وجود الاحتلال في الأمم المتحدة من خلال شطب قرارين الأول ١٨١ الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام  ١٩٤٧ قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وهنا تكمن أخطر مساوئ اتفاق أوسلو  أنه عمليا ألغى هذا القرار ١٨١، وبقى فقط اسم بلا مضمون، وتعامل مع القضية على أساس قراري ٢٤٢ و٣٣٨ التي فقط تتحدث عن الأراضي التي احتلت العام ١٩٦٧ الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة الكيان الصهيوني على ٧٨%من أرض فلسطين التاريخية.

المطلوب اليوم شطب الأونروا المؤسسة بالقرار ٣٠٢ تنقيذ للقرار  ١٩٤ المتعلق بالعودة الذى صدر في ديسمبر ١٩٤٨ فمتى ما نجحت الجهود ،يصبح عمليا قرار ١٩٤ المتعلق بحق العودة  لاغي ولا قيمة له لأن  برنامج  الخدمات اصبح هو عنوان الأونروا وحال استمراره سيكون مغرى وأفضل وهذا أكبر انتصار للكيان الصهيوني وللاهثين وراء دمج الكيان الصهيوني ليصبح من نسيج المنطقة وسيد مقرر وتحقيق حلم بنى صهيون وعمليا تصفية للقضية الفلسطينية وتشييع جنازتها، لأن جبهة  الأعداء تدرك أن اسم فلسطين نقيض إسرائيل، وهذا العمل سينزع أي مستقبل سياسي ويكرس فقط حكم ذاتي مسخ بدون سيادة على الأرض ولا مستقبل .

التحدي الأكبر الذى يفرض على الكل الفلسطيني مواجهته ما هي الخطط والوسائل التي توقف هذا المخطط الجهنمي؟ هل يترك الأمر لكل جهة تعمل بمعزل عن الأخرى؟، هل يكتفى ببيانات  شجب واستنكار وإدانة؟

ما يمكن ملاحظته بدون تعجل أن المخطط الصهيوني يسير بهدوء وبدهاء، في تجزئة الحالة الفلسطينية وشغل كل جزء يعيش همومة، فحجم الضغوط والتحديات التي يفرضها الاحتلال على صعيد الحصار المميت على غزة  يريد ايصال الشعب للنقطة التي يفرط بكل الثوابت وفقط تأمين لقمة العيش بالكاد والقبول بأي عرض، والخنق والسياج الأمني والملاحقة والتنكيل على مدار الساعة في الضفة ووجود سلطة مغيبة وتائهة ومكبلة ويدها مشلولة ومطلوب منها وقف أي نشاط مقاوم والتوقف عند معادلة المقاصة مقابل الأمن، والتهويد وفرض وقائع  وتحدى وقتل في القدس، وتفرقة وتمييز عنصري واستباحة للأرض والإنسان في الداخل ١٩٤٨، والشتات ممزق ولا اب له ويخضع لقوانين الدول المضيفة ويعانى الأمرين.

في طل هذا الهوان وأمام هذه التحديات الجسام  برزت المقاومة معلنة رفضها لكل هذا الهوان بكل أشكاله وها هى اليوم على الأرض تؤكد على حقيقة  أن فلسطين كل فلسطين هى واحدة موحدة شعب وأرض وهدف ومصير ،وكانت معركة "سيف القدس" العام الماضى تتويجا لهذا النهج الرسالي وهذا ما أفشل واربك كل حسابات الأعداء، حينما شاهد العالم صواريخ المقاومة تنهمر من غزة المحاصرة على المعتدين على المسجد الأقصى، وشاهد هبة  اهل اللد والرمله وعكا وصفد وهم يتفجرون فى قلب الكيان ،ومدن ومخيمات  الضفة بالعمليات النوعية والاستثنائية ، والاعتصامات فى كل عواصم العالم تندد بهمجية وبربرية العدو الصهيوني وأعادت القضية برمتها  من جديد على الطاولة الدولية .

الواقع يستدعى والضرورة تفرض الترفع عن الأنا وتأصيل نحن، بعض المقترحات العملية، الدعوة لمؤتمر وطني عام وعاجل يضم رئيس المنظمة والإطار القيادي المؤقت للمنظمة، وأعضاء المجلس التشريعي الأخير، ومن بقى على قيد الحياة من المجلس الوطني، ومسؤولين عن كل الهيئات والقوى والنقابات والاتحادات وشخصيات اعتبارية ورموز ومناصرين عرب ومسلمين ومن أحرار العالم من القطاعات المنتشرة والممثلة للكل الفلسطيني، بهدف إجراء تقييم شامل لكل المسيرة الوطنية، للخروج من النفق الحلزوني التدميري والغاء أوسلو وتفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير لتظل البيت الجامع للكل الفلسطيني ، وإجراء انتخابات مجلس وطني جديد، وضخ دماء شابة تمثل كل تطلعات الشعب الفلسطيني ، واعادة  الميثاق القومي للمنظمة المقر عام التأسيس  ١٩٦٤، واعتماد المقاومة بكل أشكالها كخيار استراتيجي.

ولحين البدء في الخطة الشاملة ، الضرورة  تستدعى تشكيل جسم صلب  هيئة وطنية من خيرة علماء وفقهاء وسياسيين وحقوقيين وإعلاميين ورجال أعمال وشباب من الجنسين خارج و داخل  فلسطين فقط مهمتها الدفاع عن بقاء الأونروا وبرامجها وعدم المساس أو الاقتراب منها بل المطالبة بجعل موازنتها من موازنة الأمم المتحدة وأيضا المطالب بجعل التفويض مفتوح لحين انتفاء الغرض الذى من أجله تأسست، هذا الجسم الواجب دعمه وتمكينه من المنظمة ومن كل القوى الفلسطينية بدون استثناء وأيضا تفعيل دور البعثات الفلسطينية المتواجدة في العالم ،وتسعى هذه الهيئة للتواصل مع كل المؤسسات العربية والاسلامية الرسمية والشعبية والدولية، وتبيان خطورة ما يجرى  من مؤامرة تستهدف شطب الأونروا يعنى التخلص من حق العودة وتصفية القضية.

الحديث والتغني بالوحدة الوطنية أصبح حديث ممجوج لا قيمة له بل منفر للغالبية وينظر له باستهزاء، ولا يستثنى أحد من تحمل مسؤولية ما يجرى بحق القضية والشعب، الرئيس أبو مازن  يستطيع قلب الطاولة على الجميع الظروف الدولية والاقليمية والعربية مهيأة والصلف والتنكر الصهيوني ومخططاته باتت مكشوفة ولا تنطلي على أحد لا دولة ولا اعتراف بحقوق وانسداد نهائي ودور وظيفي أمنى والمبادرة العربية تبخرت، والسير وراء السراب وتسويق الوهم لم يعد ذا قيمة ،وهو متمرس ومطل على السياسة الدولية  ومن الحرس القديم وصاحب نظرية السلام وأوسلو ومعتمد الشرعية الدولية الكل يتمنى أن ينهى حياته السياسية ولا يترك خلفه إرث ثقيل يكرس التنازع  والتشرذم وتفريط بالثوابت الوطنية، بالرجوع للمنطلقات الثورية الأصلية التي يفترض ان  تقود الشعب نحو مسيرة  التحرير والعودة وتقرير المصير ،بعد عقود من العطاء والبذل والشهداء والأسرى  والجرحى ان تصل لهذا المشهد المأساوي.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".