شمس نيوز/ عمر اللوح
من زاوية إلى زاوية، ودون جدوى، تتنقل الخمسينية أم محمود نصار، بين أروقة مستشفى دار الشفاء بغزة، أملا في تحصيل يسكن آلامها التي تنخر جسدها الضعيف، قبل أن تصطدم بالجملة التي لا محل لها من الإعراب "اليوم إضراب للموظفين"، لتعود أدراجها صفر اليدين، لا يؤانسها إلا دموعها، وصبر أجبرت عليها راضية أو ساخطة، تماما كما حال "ثكنة الصابرين" في القطاع المحاصر والمهمش، من القريب والبعيد.
كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحا، عندما توجهت أم محمود إلى المستشفى لتحصيل علاجها، ولكنها فوجئت بأن قسم العيادات التخصصية مغلق بسبب إضراب موظفي كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية احتجاجا على عدم صرف مخصصاتهم ومستحقاتهم.
تقول نصار لــ" شمس نيوز" والحزن يعلو قسمات وجهها: إذا كان الموظف يعاني بسبب عدم صرف الحكومة لراتبه، فماذا أفعل أنا التي أعاني الفقر وأعتاش على شيك الشؤون الاجتماعية الذي استلمه كل ثلاثة شهور، وأعاني أمراضا كثيرة، مثل السكر والضغط والقلب ومشاكل في الرئتين؟".
وتابعت حديثها والدموع تنهار من عينيها: بعد انتظار عشرة أيام أتيت للعلاج، لأصطدم بالإضراب، فما هو ذنبي؟ أليست مهنة الطبيب عملا إنسانيا وأخلاقيا؟ فلماذا أحرم من العلاج؟".
يذكر أن كافة القطاعات الحكومية تتأثر سلبا ويتراجع مستوى خدماتها المقدمة للجمهور، في ظل استمرار الإضرابات التي تقودها نقابة الموظفين في قطاع غزة بسبب تجاهل الحكومة لحقوق موظفي حكومة حماس السابقة، وخاصة في وزارتي الصحة والتعليم، مما يزيد من معاناة المرضى وتدهور حالاتهم الصحية، وضياع بعض الدروس المقررة على طلبة المدارس.
ما ذنب ابني المريض؟؟!
المواطن معاذ الخولي، أبدى امتعاضه الشديد لكثرة الإضرابات في مؤسسات الصحة، ليضيف متسائلا: ما ذنب ابني الذي أتيت به من الصباح الباكر للمستشفى؟ لأفاجأ بالعيادات الخارجية للمستشفى تغلق بواباتها بحجة الإضراب!! بأي وجه يحق للطبيب أن يضرب من أجل راتب تأخر؟ هو يعمل في العيادة الخاصة التابعة له ويكسب أكثر من 1000 شيكل يومياً، ولا حجة له بالإضراب".
وقال الخولي لـ"شمس نيوز": يجب أن تعالج نقابة الموظفين هذا الأمر بكل حكمة بدلا من هذه الخطوة السيئة التي تمارسها النقابة، فلا يجب علينا أن نقتل المريض، وإذا كان الطبيب لا يأخذ راتبا فلن يموت من الجوع، بينما ابني وغيره سيموتون من المرض".
ووجه رسالة لنقابة الموظفين: اتق الله فينا يا نقابة الموظفين واعلمي أنه سوف يأتي يوم يعاني فيه كل إنسان ظلم المريض في الدنيا قبل الآخرة، أوقفوا الإضرابات التي تضر المواطن وخاصة في المؤسسات الخدماتية".
يجب وقف الإضراب
أما الطالب وليد عاشور، في الثانوية العامة (التوجيهي)، فأوضح أن استمرار الإضرابات التي تنفذها نقابة الموظفين، سواء كانت كلية أو جزئية، تؤثر بشكل كبير على التحصيل الدراسي للطلبة، خاصة أن هناك مواد مهمة ولا يمكن استيعابها إلا عند شرحها وتوضيحها من المدرس نفسه.
وقال لــ" شمس نيوز": المعاناة التي يعاني منها المدرس بسبب عدم تلقي راتبه نتفهمها، ولكن يجب ألا تؤثر على المسيرة التعليمية" مطالبا نقابة الموظفين بتعليق كافة الإضرابات التي تخص المدارس، لأن فشل الطالب في الدراسة سيكون له أثر تدميري لكافة أركان الدولة في المستقبل، بحسب تعبيره.
وبنفس اللسان تحدث الطالب جهاد النخالة، في الصف الحادي عشر، حيث يرى أن الحياة أصبحت مقززة في ظل استمرار إضراب المدارس، وغياب بعض المعلمين.
وقال: أنا كطالب أستفيد من المعلومات في المدرسة، لأني وبكل بساطة لا أملك ثمن الدرس الخصوصي".
يؤثر على المرضى
وفي ذات السياق، أكد الناطق باسم وزارة الصحة بغزة د. أشرف القدرة أن وزارته مثل باقي الوزارات ملتزمة بالإضراب في اليوم الذي تحدده نقابة الموظفين سواء كان إضرابا يوميا أو جزئيا.
وقال القدرة لـ"شمس نيوز": كما يتضرر المواطنون المرضى بالإضراب، يتضرر أيضا الموظف العامل في المؤسسة بعدم تلقي حقوقه".
واستدرك بالقول: ولكن الأقسام الحيوية بالمشافي لا تكون جزءا من الإضراب كقسم الاستقبال والعناية المكثفة وغسيل الكلى وأقسام أخرى تحتاج متابعة مستمرة".
ولم يخف د.القدرة حقيقة أن تعليق الدوام في المؤسسات الصحية يؤثر سلبا أيضاً على معاملات المواطنين والمرضى، حيث يتم تأخير أكثر من 180 عملية جراحية يومياً، بالإضافة إلى تأخير المراجعين المرضى، وهذا الأمر فاقم كثيرا من معاناة المرضى، مطالبا الحكومة بالإسراع في حل مشاكل الموظفين حتى ينعم قطاع الصحة بالاستقرار ويؤدي خدماته على أكمل وجه.