غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

العقل النقابي المنظّم

د. محمد مشتهى.jpg
بقلم د. محمد مشتهى

العمل النقابي هو عمل تراكمي، وكذلك العمل السياسي والخيري والطلابي، وكل جهد بشري هو عمل تراكمي، النجاح تراكمي والتقدُّم تراكمي، وقصة الفوز بالضربة الفنية القاضية هذه أوهام وخيال وليست حقيقة وليس لها علاقة بالواقع، النقابي يبذل جهد كبير ويقابله خصم أو خصوم يبذلون جهد كبير، العمل النقابي يحكمه مائة عامل وعامل، العوامل الشخصية والمنافع والتوقعات والآمال والاحباطات والعمر الزمني في ممارسة العمل النقابي وغيرها، كلها تلعب دور مهم في التحشيد والتعبئة وسط الجماهير، المهم البناء على كل نتيجة لأي معركة انتخابية ثم التقدم التدريجي، أمّا عدم الخوض في العمل النقابي والترفُّع والإنتظار هذا هو الخطر الفعلي، فخوض التجارب النقابية مهم لقياس حجم الحضور ثم الاستفادة من تلك التجارب، وفي العراك الانتخابي أنت تقدِّم كوادرك وسياستك وبرامجك وأخلاقك، وبغض النظر حصلت أو لم تحصل على نتيجة حاسمة، حتى الأحزاب السياسية تخوض الانتخابات ولا تحصل على نتيجة حاسمة وما جرى في الانتخابات اللبنانية الأخيرة نموذجاً لذلك، يحدث في الانتخابات اختراقات عند البعض وتراجعات عند آخرين، القوي يضعف والضعيف يقوى، وهناك من يبقى في المعارضة لسنوات طويلة ثم في النهاية يصل إلى مجلس النقابة أو البرلمان أو الحكومة والنماذج المعاصرة كثيرة.

في العمل النقابي تقدير الجهد المبذول مهم، وفي الأخير أنت كإطار نقابي تعرض نفسك على المهنيين ولا تعرضها على إطارك وعضويتك، وهؤلاء المهنيون لديهم رأي فيك وفي منافسيك، وبالتالي لو أنت أحكمت كل الشروط النقابية فليس بالضرورة أن تحصل على نتيجة صحيحة كما تريد بالضبط، وعندما تكون عضويتك لها نسبة معينة ثم تحصل "مثلا" على 6 أضعافها من أصوات الناخبين فهذا إنجاز كبير بغض النظر حصلت على مقاعد أم لا، وإنّ حصولك على أصوات أضعاف عضويتك فإن هذا يدلل على أن تحالفاتك صحيحة وجهدك كبير.

الفهم في العمل النقابي الصّحيح يُحتّم عليك خوض المعارك النقابية مرة ومرتين وحتى عشرين مرة إلى أن يحدث الفوز أو الاختراق، هذا هو الفهم السليم، وهذا الفهم موجود في السياسة وموجود في العمل النقابي وموجود في العمل الطلابي، أمّا من يجلس من بعيد ويضع "رجل على رجل" ويُكتِّف يديه ويشاهد الأحداث ثم ينتظر صدور الأحكام والنتائج كي يُطل برأسه على المتنافسين فيقول: لقد أثبت التاريح صحة ما قلته لكم!! هذه مزايدة وفهمٌ لا يصدر عن عاقل يَعي طبيعة العمل النقابي، وإن الوصول إلى 6 أضعاف أصوات عضويتك هذا يُدلل قطعاً على وجود جهد مبذول عظيم وتحالف صحيح، ولا يوجد أصلا أحد ينتخب أحد لسواد عيونه، إذن يوجد تقدم واضح، والقياس السّليم هو أن تقيس نفسك بعضويتك أنت وليس بعضوية الآخرين، وفي حال عدم حصولك على مقعد أو إثنين فهذا ليس مدعاة للحسرة والتنظير والفلسفة بأنه يجب أن يكون كذا ويجب الاّ يكون كذا ثم يجب الذي يجب.

العمل النقابي عمل دؤوب وطويل ويُبنى على بعضه البعض، والعمل النقابي يعتبر واجهات للأداء التنظيمي السياسي والخيري والطلابي والأخلاقي والميداني.

يَحدث أن يُستثمَر الفوز النقابي سياسياً وهذا وارد جداً، ولكن استثماره قصير الأمد ولا يستمر لوقت طويل، وكما أنت تستثمِر فوزك سياسياً أيضا الآخرين ممكن أن يستثمروا فوزهم سياسياً، ولم لا؟

الهروب من الميدان لا يزيل متعة الفوز، بالعكس تماماً المواجهة النقابية تُحدِث حراك وتنافس نقابي وهي الأصح والأنفع، وبذات القياس وبحسابات المواجهة فإن المقاومة تخوض معارك مع الاحتلال، ولا يوجد مقارنة بحجم الدمار الذي يُحدثه الاحتلال، لكن المقاومة تستمر بمواجهة الاحتلال وتراكم على أدائها بعد كل معركة، طبعا مع فارق التشبيه، فالخصم في العمل النقابي ليس عدو ولا محتل بل هو أخ وزميل، لذلك هناك إرادات تتصارع وهناك بناء تدريجي نقابي كما هناك بناء تدريجي عسكري وسياسي وطلابي، أنت من خلال التجربة حققت "مثلا" نسبة معينة، المرة المقبلة تُحقق أفضل منها والمرة التي تليها تحقق أفضل من التي قبلها وهكذا، وفي النهاية أنت تطرح نفسك على المهنيين أو العمال، وأي خلل يحدث لا يكون هذا الخلل في المهنيين أو في العمال ولكن يجب أن تراجع نفسك أنت، تُراجع خطابك أنت، تُراجع أداءك النقابي أنت، المال له دور والكاريزما النقابية لها دور والهدف السياسي له دور والوظيفة لها دور، وكثير من العوامل تؤثر في نتيجة الانتخابات النقابية، المهم ألاّ تتعفف وتهرب خوفاً من عدم حصولك على مقعد أو إثنين، وإنّ الفهم الذي يقول أن تنتظر وتُعِدّ نفسك جيداً ثم تخوض المعركة الانتخابية الكُبرى، من يقول ذلك؟! ومن يضمن لك أنك ستحسم المعركة بالضربة القاضية؟! وهل خصمك سيبقى نائم وبهذه السذاجة لينتظرك وانت تُعدّ نفسك لتنقض عليه؟! ميدان المعارك الانتخابية مؤكد فيه ربح وفيه خسارة أيضاً، ثم إنّ الانتخابات النقابية صحيحٌ يتم استثمارها سياسياً لكنها ليست كلها سياسية، أليس كذلك؟، ولو أنها كلها سياسية كما يُسوّق البعض إذن مطلوب حينها ضبط الأداء السياسي وليس النقابي كي يتم الحصول على الحسم، وقطعا الانتخابات النقابية ليست كلها سياسية، لذلك أنت مطلوب أن تنزل كل مرة إنتخابات وفي حال لم تفز مطلوب أن تبقى قوياً في المعارضة، المهم أن تبقى حاضراً وسط زملاءك المهنيين أو العمال، هكذا الأطر النقابية تتقدم، وهكذا هو العقل النقابي المنظّم، أما الجلوس في البيت كما "السِّت المستحية" ثم تنتظر الناس تقول لك: تفضل تعال وإمسك نقيب أو عضو مجلس!!! هذا ليس منطقي، إلاّ إذا كنت غير مؤمن بالعمل الشعبي وغير مقتنع فيه وهذا موضوع آخر مختلف، أما إذا اقتنعت بالعمل النقابي والعمل الشعبي والعمل السياسي فيجب النزول إلى الميدان والأخذ بمتطلباته، وأهم متطلبات الميدان هو الفكر والعقل قبل الأداء، العقل يجب أن يكون منظَّم صَح ثم تُراكِم على تنظيم عقلك، وهناك متطلبات عديدة أخرى منها متطلبات مالية ونفسية وعلمية وقدرة على العمل الجماهيري ثم الإيمان بكل ما سبق، والأهم هو الإيمان والقناعة بما تعمل ثم النضال المتكرر حتى تصل إلى هدفك ولو استمر ذلك عشرون عاماً.

في الانتخابات عادة هناك قوى تصعد وقوى تهبط، حتى على مستوى الدول والأحزاب وليس فقط على مستوى العمل النقابي، فهناك دول وأحزاب تصعد ودول وأحزاب تهبط، المهم أن تقوم بدورك الجماهيري والشعبي والمجتمعي والنقابي، فالنقابات هي المجتمع المدني الذي أنت تخاطب المهنيين والعمال من خلاله، تخاطب الصحفيين والمهندسين والمحامين والممرضين وكافة منتسبي المهن الأخرى من خلاله، وإنَّ إشتراط الفوز فهذا غير منطقي، نَعمْ أنت تطمح بأن تحصل على الفوز لكن بالتأكيد هناك أسباب لعدم الفوز، وليس بالضرورة أن تكون تلك الأسباب الموضوعية كلها تكمن عندك، أي بمعنى أنها تكون ذاتية، فخصمك مثلاً ربما يكون قوي وهذا سبب كافي لعدم الفوز، ولم لا؟، ومطلوب إعتبار أنّ دخولك للنقابة لن يحرر فلسطين، لكن هو واجهة لخدمة المجتمع من خلال أداءك وفلسفتك وسياستك وفكرك، وفي النهاية النقابة لن تكون غطاء للممارسة السياسية بقدر ما هي خدمة للمهنة ولمنتسبيها، لذلك مطلوب طرد كافة الأوهام التي تقول: بما أنه لم يتم الحصول على مقعد في الانتخابات إذن هذا يعني أنه لم يتم بذل جهود كافية أو اعتبار ذلك فشل، هذا فهم قاصر وعقل غير منظّم لا يعرف طبيعة العمل النقابي.

من ناحية أخرى، مطلوب اعتبار فوز خصمك في نقابة "ما" هي فرصة لمواجهة الحقيقة والواقع في تلك النقابة، وأنّ خصمك في تلك النقابة أقوى منك، ويجب اعتبارها إشارة لك لإعادة الحسابات والاستفادة من التجربة وعدم التوهم بأنك أقوى من خصمك في تلك النقابة، في المقابل يجب عدم تحميل فوز خصمك أكثر مما يحتمل وكأن فوزه إشارة لسيطرته السياسية والأمنية والاقتصادية والجماهيرية وما إلى ذلك، أنت بذلك تخلط الأمور بعضها ببعض وتبتعد عن الحقيقة، والحقيقة هي أن خصمك قوي في تلك النقابة، وفوز خصمك أعطاك إضاءات للثغرات الموجودة لديك كي تعالجها مستقبلا، هكذا مطلوب أن يكون العقل النقابي المنظَّم، وخصمك في النقابة هو قوي في تلك النقابة بانتخابات أو بدون انتخابات، لكن جاءت الانتخابات لتؤكد لك ذلك حتى لا تبقى في دائرة الشّك، بالضّبط تماماً كما يحدث مع طالب الثانوية المتفوق، فتأتي نتيجة الاختبار لتؤكد تفوقه، هو أصلا متفوِّق قبل إجراء الاختبار لكن جاءت النتيجة لتؤكد تفوقه، دورك الآن أن تقيِّم التّجربة وتضع يدُك على الثغرات ثم تبدأ بوضع العلاج المناسب لها، لا أن تعيش في دائرة الألم والحسرة والتنظير ضد الذات، فهذا لن يفيدك في شيء، أنت استفِد من التجربة وطور أداءك، والفهم من هذا المنظور يجعلك تعيد النظر في علاقاتك وفي خطابك وفي أداءك، واحذر بأن تظن وتخدع نفسك أنك الأقوى والأفهم والأعرف فهذا خطر عليك ويحدث صدمات لك ولعضويتك.

حتى تقدُّمك السّياسي أو العسكري (على أهميته) ليس الضامن أو الحاسم الوحيد لتقدمك النقابي أو الجماهيري، فحزب الله حرَّر جنوب لبنان وسلاحه يحميها من العدو الصهيوني، لكنه خسِر مقعد من مقاعده الضامنة وتراجع بعض حلفائه في الانتخابات النيابية الأخيرة، فهل هذا يعني أن حزب الله تراجع في كل شيء؟!، قطعا لا.

إنّ النَّفَس الذي يربط عدم حصولك في انتخابات نقابة "ما" بأنه بطاقة لتقدُّم خصمك سياسيا وعسكريا واقتصاديا وامنيا وفي كل شيء، هذا نَفَس مُزايد أو بالحد الأدنى نَفَس جاهل بالعمل النقابي.

إنّ مَنطق الأشياء يقول بأن صِحّة العقل والفهم تكمن في الاستفادة والمُراكمة على التَّجارب النقابية والبناء عليها وعدم الانجراف خلف وَهَم الفوز بالضربة القاضية، أنت الآن حققت 6 اضعاف عضويتك وأكثر "مثلا" وهذا إنجاز عظيم يُبنى عليه، المُهم التقييم الجاد والموضوعي والبَحث عن مواطن الضّعف لتفاديها وتعزيز مواطن القوة في التجربة المقبلة.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".