في يوم الأحد نشر أبو مازن إعلانا بالعربية والانجليزية قيل فيه إن الكارثة كانت "أفظع جريمة على الإنسانية في العصر الحديث". وهذه التصريحات في العالم العربي لا يكثر ورودها إما لأن القادة العرب يُصدقون مُنكري الكارثة وإما لأنهم يرون أن ذكرى الكارثة ذخر إسرائيلي ليسوا مهتمين بتقويته. وقد نددوا بأبو مازن ايضا لأنه لا يقول كلاما صريحا وها هو ذا الآن قاله بالعربية بصراحة.
كنتم تتوقعون أن يُستقبل الإعلان عندنا بالمباركة. لكن ذلك خطأ، فرئيس الوزراء لم يبارك بل احتج لأن هذا التصريح كان كما يرى نتنياهو اجراءً احتياليا يرمي فقط "الى مصالحة الرأي العام الدولي" والى تطهير قذارة الاتفاق مع حماس. وبين نتنياهو أن عباس لا يستطيع أن يسمي الكارثة أشنع الجرائم في التاريخ وأن يعانق في الوقت نفسه حماس التي تنكر الكارثة – كما لا تستطيع اسرائيل أن تندد بالعنصرية وأن تكون حليفة مقربة من نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.
لكن يبدو لي أن نصف الجملة الثاني لم يقله نتنياهو. وما لم يقله ايضا هو الكلام التالي: إن الكارثة في نظر نتنياهو كنز دعائي اسرائيلي واسرائيل وحدها تقرر من يجوز له أن يستعمل هذا الكنز ومن لا يجوز له. يجب على أعداء اسرائيل مثلا أن ينكروا الكارثة ويجوز لحلفائها أن يعترفوا بها اذا تحملوا فقط مسؤولية عنها واذا خدم ذلك مصالح دولة اسرائيل.
إن الحَكَم الأعلى في قضايا الكارثة وكاهنها الأكبر هو رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو. فرئيس وزراء اسرائيل بخلاف الآخرين له الحق وعليه الواجب الاخلاقي أن يشتغل بابتذال منهجي يومي للكارثة: فالكارثة بحسب ما يرى نتنياهو ليست حدثا كان لمرة واحدة مميزا تمت فيه محاولة القضاء على مجموعة عرقية كاملة باسم مبادىء عنصرية قاتلة. إن كل ارهاب في واقع الامر على اسرائيل هو كارثة؛ وكل تهديد استراتيجي لهيمنتها كارثة؛ وكل تهديد لدولة اسرائيل هو بعث لهتلر من قبره. فيتبين أنه يتجول في العالم هتلرون كثيرون ويحدث ما يشبه الكوارث في كل مرة يحاول فيها نتنياهو كما اتهم أبو مازن الآن، أن "يضائل الاضرار" أو يحرز مزايا سياسية أو يدفع ببرنامج عمله السياسي قدما.
لا يعني هذا أن أبو مازن لم تكن له مصالح في نشر هذا الاعلان الآن خاصة، فمن المنطق أن نفرض أنه كانت له مصالح لكن من المؤكد أن ذلك لا يعني أن هذا الاعلان يفترض أن يمنحه ولو ميزة واحدة في الساحة السياسية. فالاعتراف بالكارثة واجب اخلاقي كوني من لم يفِ به يستحق التنديد، وليس هو عمل تفضل يُحظي بنقاط سياسية.
لكن حقيقة أن أبو مازن مثل نتنياهو هو لاعب سياسي لا تُقلل من أهمية هذه الخطوة التصريحية التي جعلته واحدا من أكثر القادة العرب قطعا في معارضتهم إنكار الكارثة. وكان يجب أن يُبارَك هذا الاعلان حتى لو جاء من أعداء كبار مثل أبو مازن.
أنا مثلا آمل تنديدا ايرانيا لا لبس فيه لإنكار الكارثة. وما كان هذا الاعلان ليجعل ايران صديقة لاسرائيل وما كان ليُبطل حقيقة أن سياسة ايران تعرض دولة اسرائيل للخطر. لكننا باعتبارنا نرى انكار الكارثة عملا معيبا موجها على الانسانية، كان يجب علينا أن نبارك كل تعبير عن معارضة الكارثة.
ليس الغريب في نتنياهو هو مجرد الاستعمال السياسي لذكرى الكارثة – لأن كل رؤساء وزراء اسرائيل فعلوا ذلك – بل الفظاظة والتبسيط اللذين يفعل بهما ذلك. والفظاظة والتبسيط هذان لا ينفعان النضال للحفاظ على ذكرى الكارثة. بل إنهما لا ينفعان دولة اسرائيل.