صعب عليّ بعض الشيء أن أفهم لماذا يحاول الناس الذي ينشغلون بالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني تجميل الواقع واعادة ترتيب الحقائق. فقد قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري لزعماء أجانب التقى بهم يوم الجمعة انه اذا لم تتبنى اسرائيل حل الدولتين فانها ستصبح دولة ابرتهايد تضم مواطنين من الدرجة الثانية. وفي سياق الامور قال كيري انه يتوقع اندلاع عنف من الجانب الفلسطيني تجاه اسرائيل بشكل عام والاسرائيليين بشكل خاص.
تشخيصا كيري صحيحان، رغم أنه تحفظ منهما بعد أن سجل وهو يقولهما ونشرت تصريحاته في موقع الاخبار الشعبي "ديلي بست". الواقع في هذه اللحظة صعب، وهو يؤدي بنا الى كارثة حقيقية. نحن نسير نحو أزمة سياسية واقتصادية مع الامريكيين والعالم، نحن نسير نحو نزاع دموي آخر مع الفلسطينيين وفي المدى الابعد، اذا لم يكن حل سياسي، وعلى ما يبدو لن يكون، نحن نقترب من دولة ثنائية القومية لا يمكنها أن تحوي في داخلها في ظروف السلام شعبين يناوشان الواحد الاخر فقط منذ قرابة 100 سنة.
يمكنني أن أفهم جيدا ما قاله كيري للزعماء الذين التقى بهم. فاسرائيل تسيطر اليوم على عدد من السكان بملايين الاشخاص. ويمنع الاحتلال عن الفلسطينيين حقوق انسان اساسية. هذا ليس أبرتهاد بعد، إذ لا يوجد هنا فصل عنصري فظ مثلما في جنوب افريقيا، ولكن في نظر العالم نحن الشعب المحتل، القامع والمستغل لشعب آخر لانه ينتمي الى قومية مختلفة. مسيرة المقاطعة على اسرائيل بطيئة، يوجد فيها تعذيب ضمير، ولا سيما لدى الاوروبيين، ولكن الاتجاه واضح. وزير الخارجية كيري حدده.
ان الارتباط بين فتح وحماس لا يبشر بالخير، بالذات بسبب الازمة السياسية التي ترافقه. فقد قررت اسرائيل وقف المحادثات، قتل المفاوضات وفرض عقوبات من جانبها على السلطة الفلسطينية. والهجمة الاعلامية الكثيفة لاسرائيل ضد الحكومة الجديدة لا تثير انطباعا كبيرا في العالم. فنحن، كما ينبغي الاعتراف، مذهولون من أن ابو مازن يخرج عن دور رئيس حكومة الدمى الذي خصصناه له، وبدلا من مكافحة حماس يرتبط بها. وفي هذه الاثناء تطالب حماس بوقف التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة. اننا نغرق في أيام ظلماء من المواجهات والانتفاضة، العمليات والحروب في غزة، وليتني أكون مخطئا.
تسألون الان ما العمل؟ كيف الخروج من هذه الورطة الرهيبة؟ الجواب واحد: لا يمكن. كل شيء ضائع. لقد خلقت اسرائيل على الارض واقعا هي غير قادرة وغير راغبة في مواجهته. لا يوجد في اسرائيل رئيس وزراء يمكنه أن يعود اليوم الى خطوط 67، الى هذا الحد او ذاك، يخلي مئات الاف المستوطنين من منازلهم (بما في ذلك اريئيل وكريات أربع)، يقسم القدس، يتوصل الى حلول وسط على الاماكن المقدسة، يتخلى عن غور الاردن ويصل الى حل متفق عليه على حق العودة. من جانب آخر لا يوجد زعيم فلسطيني يساوم على أقل من هذا، وواضح ان ليس على حق العودة. هذا هو السبب الذي جعل ابو مازن يهرب من المفاوضات في لحظات الحقيقة. هو أيضا ليس مبنا للقرارات التاريخية.
هذا هو الوضع الفظيع، وكل الباقي – فرض السيادة على المناطق ج، الاقتراحات لدولة فلسطينية في حدود مؤقتة وما شابه – هي اقتراحات عابثة بالضبط مثل المفاوضات الفاشلة وعديمة الاحتمال التي أدارتها تسيبي لفني مع الفلسطينيين في الاشهر التسعة الاخيرة.