انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الساعات الماضية، مقطع فيديو للمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، تجيب فيه على سؤال حول التصريحات التي كان الرئيس الأميركي جو بايدن، قد أدلى بها، والتي وصف بها السعودية بـ "المنبوذة" وأنها ستدفع الثمن، مؤكدة أن كلام بايدن "لا يزال قائماً"، وعن الزيارة المزعومة لبايدن إلى الرياض وتل أبيب، أشارت بيير إلى أنها لا تملك "معلومات عن الزيارة أو الإعلان عنها وعليه ليس لدي المزيد لأقدمه لكم في هذا الوقت".
من ناحية أخرى، وتبعاً للمتغيرات التي طرأت عقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن العلاقات الأميركية السعودية -ورغم الجفاء الشخصي بين بن سلمان وبايدن- إلا أن "السياسة الواقعية" هي التي تحكم مسار العلاقة، وفق ما وصفت صحيفة واشنطن بوست في مقالها.
وقال ديفيد إغناطيوس المعلّق في صحيفة "واشنطن بوست": إن "لحظة مصافحة الرئيس جو بايدن مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باتت قريبة، ويبدو أن السياسة الواقعية هي التي تسود في تحديد مسار العلاقات الامريكية-السعودية وليس حقوق الإنسان وتعهدات الحملة الانتخابية لبايدن، فالسياسة الواقعية تستند إلى القوة بدلاً من المثل أو المبادئ، ونحن على وشك رؤية نسخة من هذا على أرض الواقع عندما يزور الرئيس بايدن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في السعودية".
ويعتزم بايدن زيارة الرياض في أواخر حزيران/ يونيو الحالي، بعد توقف في "إسرائيل للقاء رئيس الوزراء نفتالي بينيت، وأثناء وجوده في السعودية، التي تستضيف مجلس التعاون الخليجي هذا العام، من المرجح أن يلتقي الرئيس بقادة دول عربية صديقة أخرى، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر، لكن "المحور العاطفي" سيكون مصافحة بايدن لمحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي.
وتشير الصحيفة إلى أنه لدى واشنطن "مصالح أمنية ومالية في الحفاظ على شراكتها الطويلة مع الرياض، كما أن المملكة حليف في جهد مشترك لاحتواء أعمال إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، محمد بن سلمان مسؤول عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، حسبما وصفت وكالة المخابرات المركزية وأنه صادَق على عملية القتل في إسطنبول في تشرين الأول/أكتوبر 2018، إن احتضان الزعيم السعودي هذا كان قادماً نحونا منذ عدة أشهر".
وتقول الصحيفة إن هذه "الأسباب تشمل المخاوف البراغماتية المتوقعة من المحتمل أن يحكم محمد بن سلمان السعودية لعقود وللولايات المتحدة مصالح أمنية ومالية في الحفاظ على شراكتها الطويلة مع المملكة، كما أن السعودية حليف في جهد مشترك لاحتواء أعمال إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، إن عاملين جديدين أثبتا خلال عهد بايدين في البيت الأبيض بأنهما حاسمان: الأول هو الحرب في أوكرانيا، وحاجة بايدن إلى مساعدة السعودية في تنظيم سوق النفط. والثاني هو رغبة "إسرائيل" القوية في أن يقوم بايدن بتطبيع العلاقات مع محمد بن سلمان والمملكة كجزء من إعادة ترتيب واسعة اختزالها هو اتفاقيات التطبيع.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير للصحيفة: "نعتقد أن السعودية لاعب مهم في المنطقة وخارجها. نحن نؤيد بشدة توثيق العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، في سياق تحقيق الاستقرار في المنطقة، واحتواء إيران، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وتحقيق الاستقرار في سوق الطاقة"، والاتصالات الأمنية "الإسرائيلية" مع السعودية مكثفة بالفعل، لكنها في الغالب غير مرئية، ومن غير المرجح أن يتغير ذلك قريباً.
وأضاف أن رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط أثارت بعض الآمال في فرصة التقاط صور لثلاثة زعماء- بايدن وبينيت ومحمد بن سلمان- لكن الوقت لم يحن بعد.
وفي الوقت الحالي، من المحتمل أن يكون الناتج الرئيسي هو اتفاق سعودي رسمي للسماح بتحليق الطائرات "الإسرائيلية" في أجواء المملكة، ويضيف أن الدفع "الإسرائيلي" القوي للتقارب بين الولايات المتحدة والسعودية أمر بالغ الأهمية من الناحية السياسية. ذلك لأن السعودية لديها اليوم عدد قليل من المؤيدين السياسيين في واشنطن.
وعلى الرغم من عقود من الضغط النشط، فقد أحرقت المملكة تدريجياً جسورها للجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وبدا أن الرئيس دونالد ترامب يعيد إحياء الصداقة، لكن ذلك لم يكن قاعدة صلبة، ويبدو أن الحلفاء الرئيسيين الآخرين للولايات المتحدة حريصون على أن تجدد واشنطن علاقاتها مع الرياض أيضًا، وزار كل من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون محمد بن سلمان في السعودية. لقد شجعوا بايدن على فعل الشيء نفسه، وتجاهل بايدن محمد بن سلمان لعدة أشهر، ورفض العام الماضي إجراء مكالمة هاتفية ودية يريدها الزعيم السعودي ثم طلب ذلك.
وأعتقد أن أحد أسباب ازدراء بايدن كان شخصيًا، الرجلان مختلفان كاختلاف الطباشير والجبن، كما يحب البريطانيون القول.
وكان بايدن مستعداً للمصافحة في قمة مجموعة العشرين في روما في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لكن محمد بن سلمان لم يحضر، مما جنب بايدن لحظة محرجة. وسيكون اجتماع بايدن ومحمد بن سلمان جزءاً من تواصل واسع النطاق مع القوى المتوسطة، كما وصفها توم دونيلون، مستشار الأمن القومي السابق وشخصية وثيقة الصلة بالبيت الأبيض بإدارة بايدن.
وشمل ذلك رحلة بايدن الشهر الماضي إلى آسيا وقمة الأمريكيتين الأسبوع المقبل في لوس أنجليس والرحلة المخطط لها إلى "إسرائيل" والسعودية في وقت لاحق من هذا الشهر، وقمة الناتو يومي 29 و30 حزيران/ يونيو، والهدف من كل هذه الزيارات هو تعزيز الشراكات الأمريكية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبالنسبة لمناصري السياسة الخارجية البراغماتية، فإن السؤال الأساسي هو ما الذي ستحصل عليه إدارة بايدن في مقابل جلوسها مع محمد بن سلمان، من الناحية المثالية، من وجهة نظر واشنطن، قد تنفصل المملكة عن روسيا فيما يسمى كارتل منتجي أوبك بلس – وتوافق على إنتاج المزيد من النفط ودعم زيادة إنتاج مماثلة من قبل الإمارات العربية المتحدة، ومن شأن ذلك أن يخفف أسعار النفط ويعزز الاقتصاد العالمي ويقوض روسيا دفعة واحدة – مما يمنح بايدن دفعة يحتاج إليها بشدة.
وفي اليمن تتراجع الحرب فيها، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة. الهدنة التي تم التفاوض عليها بمساعدة السعودية لا تزال ثابتة، وتطير طائرات ركاب من صنعاء إلى عمّان وقريباً إلى القاهرة.
ولكن فيما يتعلق بأي مساءلة ذات مغزى من محمد بن سلمان بشأن مقتل خاشقجي أو غيرها من قضايا حقوق الإنسان المهمة، من المرجح أن يخرج بايدن خالي الوفاض، فقد عاقبت الولايات المتحدة العديد من المسؤولين الصغار، ولم يقدم الزعيم السعودي نفسه سوى تصريحات لطيفة، نافيًا المسؤولية الشخصية عن العملية التي أدت إلى مقتل خاشقجي.