تذكرني حادثة منجرة بيتونيا بحادثة المنشة التي وقعت في عام 1827 بوصفها الحادثة التي تسببت بالاحتلال الفرنسي للجزائر لفترة استمرت لأكثر من 130 عاما، قدم خلالها الشعب الجزائري العظيم أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، والحادثة بدأت عندما قام القنصل الفرنسي دوفال بزيارة الداي حسين حاكم الجزائر لتهنئته بعيد الفطر كما جرت التقاليد، فتجرأ القنصل الفرنسي على الداي حسين بالقول إن «ملك فرنسا لا يتنازل لمراسلة داي الجزائر». فصرخ الداي في وجهه قائلاً (اخرج أيها الرومي)، ثم تحرك الداي حركة غضب وحرك مروحة يده فلمست ريشة في طرف المروحة القنصل الذي اغتنم الفرصة وانسحب وهو يهدد بأنه سيبلغ كل شيء لحكومة بلاده» وكانت هذه الحادثة المفتعلة من القنصل الفرنسي ضد الجزائر هي الحجة لاحتلال فرنسا للجزائر طوال تلك السنوات، ويبدو ان أجهزة امن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة, تسلك مسلك قنصل الجزائر في تعاطيها مع حريق المنجرة في بيتونيا, فقد شنت أجهزة أمن السلطة حملة اعتقالات ومداهمات واسعة في أعقاب وقوع الانفجار وطالت اعتقالات السلطة أسرى محررين محسوبين على حركة حماس وجرى نقلهم بشكل فوري للتحقيق, وزعمت السلطة بأنه تم الكشف عن مصنع متفجرات في نفق أسفل المنجرة لتبرير حملة الاعتقالات والمداهمات العنيفة لمنازل المعتقلين, ويبدو ان السلطة تهدف من وراء ترويج مثل هذه الشائعات إلى امرين, الأول انها تدلل لإسرائيل على ولائها المطلق لها, وانها ستبقى تحمي «إسرائيل» من المقاومة, ثانيا ان حماس لديها نوايا للسيطرة على السلطة واستهداف عناصرها وهذا يعطيها حقاً في ملاحقتهم واعتقالهم.
ويبدو ان حادثة المنجرة فتحت المجال تماما امام أجهزة امن السلطة, لملاحقة الفلسطينيين والزج بهم في معتقلاتها, فبدلا من ان يفسر هذا على انه انصياع لرغبات الاحتلال واملاءاته على السلطة, يفسر على انه يأتي في اطار حادثة المنجرة «المفتعلة», حتى ان السلطة وأجهزتها الأمنية وبخبث شديد, لم تروج لان الانفجار الذي حدث في منجرة بيتونيا كان نتيجة لتصنيع سلاح لمواجهة الاحتلال الصهيوني الذي يتغول على أهلنا في الضفة, ويرتكب جرائم يومية بحقهم, ويقوم بملاحقة المقاومين وتصفيتهم, هذا ان صحت روايتها في الأصل بان الانفجار ناجم عن تصنيع السلاح, انما اوحت السلطة ان هذا السلاح موجه لها ويستهدف افرادها, ويسعى للسيطرة على الأمور كلها في الضفة, على غرار ما حدث في غزة, فضخمت السلطة من الحدث, وابرزت روايات كاذبة فندها شهود عيان على انها تلفيق من السلطة لتبرير جرائم الاعتقال بحق المعارضين الفلسطينيين لسياستها, فانفجار كومبريسر هواء داخل المنجرة أدى الى حدوث حفرة نتيجة الانفجار, فاعتبرت السلطة انها نفق, ولا ادري على ماذا تستند السلطة في روايتها, ولماذا يتم حفر نفق داخل منجرة في بيتونيا, وهل يمكن ان يؤدي هذا النفق الى مقر المقاطعة او الى منزل رئيس السلطة محمود عباس, وما هو الهدف من حفر هذا النفق, فبيتونيا ليست بلدة حدودية مع فلسطين المحتلة عام 1948م, ولا يمكن التسلل من داخل المنجرة الى ثكنة عسكرية او لا تقع المنجرة بجوار مستوطنة للاحتلال, وبالتالي لا يمكن التسليم بصحة رواية السلطة في حريق المنجرة, وكان الأولى بالسلطة ان تعمي على الحدث برمته حتى لا تعطي مبررا للاحتلال بملاحقة أصحاب المنجرة واعتقالهم.
أجهزة امن السلطة مارست كل اشكال التنكيل والتعذيب بحق المعتقلين لديها, وقد ناشد عدد من أهالي المواطنين المعتقلين في سجون أجهزة السلطة المسارعة لإنقاذ حياة أبنائهم الذين يتعرضون لتعذيب وحشي. وقالت عائلة الأسير المحرر جهاد ساري وهدان إن أجهزة مخابرات السلطة تواصل اختطاف ابنها ويتعرض لتعذيب قاس في سجون السلطة, كما واختطفت مخابرات السلطة أيضاً شقيقه سعد بعد اقتحامه منزله وقامت بتفتيشه بشكل همجي ويشبه تماماً ما يقوم به جيش الاحتلال أثناء اقتحامه لمنازل المواطنين بالضفة حسب اسرة سعد, وقالت شقيقة المعتقل أحمد هريش أن شقيقها عاجزٌ عن المشي وتحريك رأسه، وأنه يتعرض للشبح والتعذيب وما ظهر من كدماتٍ دليل على التعذيب الشديد وأنه خسر نصف وزنه وأنه يتعرض لضرب شديد وأن لسانه كان ثقيلًا أمام القاضي، واصفةً سجن أريحا بـ «المسلخ» وقالت إن قضية نزار بنات بدأت تعود في قضية شقيقها فحسبي الله ونعم الوكيل, وقد أدانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بأشد العبارات مواصلة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية حملات الاعتقالات السياسية بحق عشرات المواطنين في مناطق مختلفة من الضفة، داعيةً إلى وقف هذا السلوك المُدمر والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والتوقف عن ملاحقتهم. واعتبرت الجبهة أن استمرار عمليات الملاحقة والمُطاردة للمقاومين تُشكّل خدمة للاحتلال، وأكدت الجبهة أن تصاعد جرائم الاحتلال ضد شعبنا في الضفة تتطلب سياسة مغايرة للسلطة وأجهزتها الأمنية عن نهج التنسيق الأمني، فالأولى أن تساهم في حماية شعبنا ومقاوميه، فلا تجعلوا حادثة المنجرة مبررا لجرائم كبرى ترتكبها السلطة على غرار حادثة المنشة اللعينة.