غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

تفاصيل اللحظات الأخيرة

"ليث أبو سرور".. استدان ثمن سلاحه واستشهد بعدما ألقى بنفسه أمام الرصاص ليحمي رفيقه

ليث أبو سرور
شمس نيوز - مطر الزق

تحرك ليث مسرعًا صوب السيارة، كان رفاقه يركضون خلفه حاملين أسلحتهم الرشاشة، أنفاسهم كانت تشتعل غضبًا، لم يكن يهمهم قلة عددهم أمام جيش جرار يملك كل وسائل القتال والدمار، حاولوا الالتفاف خلف خطوط العدو؛ إلا أن إرادة الله أوقفت السيارة فجأة؛ لتلحق بهم نحو ست آليات عسكرية إسرائيلية.

في مثل هذه الظروف لا يوجد وقت للتفكير، فقد أحكم ليث أبو سرور (25 عامًا) إغلاق المركبة، ووضع الأبطال الحبة في "بيت النار" واستعدوا لمعركة لن يخرجوا منها؛ إلا بإحدى الحسنيين: إما النصر، أو الشهادة، التفت آليات الاحتلال حول المركبة، وحاصرتها من كل الجهات؛ لكن للحظات لم يتمكن الجنود المدججون بالسلاح من إطلاق رصاصة واحدة صوب المركبة.

أفرغ ليث ورفاقه الأبطال (كمال لحلوح وناصر أبو صلاح) كل ما يمتلكونه من رصاصات صوب آليات الاحتلال، واستغل جنود الاحتلال توقف الرصاص؛ فانتشروا كالجراد حول المركبة، مصوبين أسلحتهم الرشاشة إلى صدور الأبطال.

أصيب ليث في كتفه فتناثرت دمائه فوق أصدقائه، التفت إليهم فوجد أحدهم على قيد الحياة، ولم يصب بطلقة واحدة، فخطف ليث نفسه بسرعة كالبرق، وارتمى فوق صديقه لحمايته، ونجا الشاب من موت محقق؛ ليكون شاهدًا على معركة بطولية أثبت فيها أقمار "كتيبة جنين" أنهم على قدرٍ من المسؤولية لمواصلة درب الشهداء حتى التحرير.

استشهد ليث ورفيقاه "كمال وناصر" بعد معركة بطولية في مواجهة جنود الاحتلال، وزَفَ أبناء جنين الشهداء بمواكب مهيبة جدًا، مؤكدين مواصلة الطريق على خطى الشهداء للانتقام لدمائهم وتحرير الأرض والمقدسات من دنس المحتل.

حكاية ليث أبو سرور كانت مليئة بالإثارة، فهو أكبر أشقائه، تزوج في سنٍ مبكرة بداية العشرينيات من عمره، وأنجب ثلاثة أبناء وهم "صلاح وجوان ونور" كان حنونًا جدًا يداعب أطفاله وأشقاءه ووالدته التي فقدت سندًا مهمًا في البيت.

قُصي الذي حظي بسماع صوت شقيقه ليث قبل استشهاده بدقائق معدودة، يقول لمراسل "شمس نيوز": "الحمد لله ليث لا يخرج من البيت إلا وهو متوضئ، يجاهد نفسه على عمل الخير، يحاول إدخال الفرحة والسرور على قلب والدته وشقيقاته، وزوجته، وأبنائه".

كان يدفع نصف يوميته إلى شقيقه الصغير "عبد" وإلى والدته، وما يتبقى معه يصرفه على أبنائه وزوجته، يُشير قُصي إلى أن شقيقه ليث يحب أن يُدلل جميع أفراد العائلة على حسابه الخاص.

توقف قُصي عن الحديث قليلًا فابتلع ريقه، ليستعيد نبرة صوته، مع ضحكة سمع صوتها مراسل "شمس نيوز" ليحكي عن قصة كوب الشاي الذي طلبه ليث من والدته قبل ساعات من استشهاده برصاص الاحتلال.

كانت الأم جالسة في المنزل تتفقد أبناءها، وتستعد للخروج لزيارة عائلية، فجأة طلب ليث من والدته أن تُعد له كوبًا من الشاي، تفاجأت الأم وقالت لابنها: "منذ متى وأنت تحب الشاي؟" ليرد عليها "من اليوم يا أمي".

أعدت الأم كوبًا من الشاي، وجلست تتحدث مع نجلها، ثم خرجت من البيت وهي تبتسم، ولسان حالها يقول: "الله يرضى عنكَ يا إمي"، ولحظات قليلة حتى وصلت شقيقاته اللاتي جلسن في فرح وسرور.

دار الحديث بين ليث وعائلته بكل حب واحترام، فقد تعرض لأسئلة عن سبب تركه لعمله في قهوة السعدي، فهو ترك العمل قبل خمسة أيام من استشهاده، يبدو أن ليثاً كان يعمل موعد استشهاده، فقد استبدل شقيقه الصغير "عبد" في العمل بدلًا منه.

فجأة توقف قُصي عن سرد تفاصيل الجلسة الأخيرة بين ليث وعائلته، ليقول "قبل بضعة من الوقت طلب مني مبلغ كبير من المال، فسألته عن سببه، فأجاب بأنه يريد شراء السلاح لمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، رفضت ذلك، وطلبت منه أن ينسى الأمر؛ لأن خلفه زوجة وأطفال، لكنه كان دائمًا يقول: "الله يرعاهم".

يكره ليث رؤية جنود الاحتلال يسيرون في مدينة جنين؛ فهو كغيره من الشباب الثائر كانوا ينتفضون كلما سمعوا عن عملية اجتياح أو نية لهدم منزل لأحد الشهداء، في محاولة منهم لمواجهة جيش الاحتلال ووقف جرائمه ضد أبناء شعبنا.

لكن ليث لم يستمع لشقيقه قصي؛ فأمضى في طريقه، واشترى السلاح، وتبين أنه استدان بعضًا من المال لشراء السلاح، كان يطمح أن يعيش بكرامة وحرية، وأن يصنع لأطفاله نصرًا وعزًا، يتفاخرون به أينما حطت أقدامهم.