غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

من التطبيع الى الاستعمار: المغرب في قبضة الصهاينة

راغدة عسيران.jpg

بقلم: راغدة عسيران

نقلت الصحافة، قبل أيام، أن وزيرة الداخلية الصهيونية، ايليت شاكيد، اتفقت مع وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، على "استقدام عمال مغاربة للعمل في قطاعي التمريض والبناء" في كيان العدو، وأضاف بيان وزارة الداخلية "الإسرائيلية" أن شاكيد عرضت أيضا "استقدام مغاربة للعمل في قطاع التكنولوجيا الحديثة" و"خلق روابط جديدة في مجالات التجارة والأمن والدفاع" خلال زيارتها للمغرب.

بعد تطبيع العلاقات بين المملكة المغربية وكيان العدو، برعاية أميركية في أواخر العام 2020، ابرمت اتفاقيات في عدة مجالات، أمنية واقتصادية وثقافية ورياضية، وفتح مكتب إعلامي صهيوني في المغرب لتسويق الرواية الكاذبة الصهيونية حول فلسطين ومحاربة انتماء الشعب المغربي العربي والمسلم الى فلسطين والقدس.

استجلاب عمال مغاربة الى كيان العدو للعمل في مستشفيات الصهاينة وبناء المستوطنات تعد خطوة خطيرة في تحوّل ما يعتبر "شراكة" و"تحالف" وتطبيع، الى استعمار "إسرائيلي" للمغرب والتغوّل في المجتمع المغربي. يتفق معظم المحللين على أن النظام المغربي، وخاصة الملك وحاشيته، كانوا قد طبّعوا علاقاتهم معه منذ إقامة الكيان الصهيوني، ليس بسبب وجود جالية يهودية مغربية فقط اتُخذت ذريعة لإقامة تلك العلاقات، وقد تم تحويل هؤلاء اليهود المغاربة الى مستوطنين يساهمون في سرقة الأرض وقتل الفلسطينيين وإرهابهم، بل بسبب أيضا المصالح الامبريالية الفرنسية في المغرب الذي لم يتخلص من الاستعمار الفرنسي، منذ الاستقلال الشكلي للبلاد.

وقد واصلت الدول الاستعمارية الأوروبية (فرنسا وبلجيكا واسبانيا خصوصا) استجلاب العمال المغاربة اليها، وفيما بعد، بعد انحسار الحاجة اليهم، لا سيما وأنهم مسلمون، أصبح طريق الهجرة غير الشرعية هو السائد. ما يعني أن المغرب لم يتمكن، منذ استقلاله الشكلي عن فرنسا واسبانيا، من بناء مجتمع يعيش باستقلال حقيقي ويبني أجيالا مستقرة في وطنها، إذ يضطر المواطنون الى الهجرة، بسبب الفقر المحدق وقلّة التنمية، والمساهمة في بناء الدول الاستعمارية عوضا عن بناء دولته.

واليوم، يسعى كيان الاحتلال الصهيوني المشاركة في نهب القوة العاملة المغربية الى جانب الدول الامبريالية الأوروبية، باستجلاب من يحلّ مكان الفلسطينيين، الشعب غير المرغوب به في كيان العدو، لأنه الشعب الأصيل الذي يطالب بأرضه، ويهدّد، طالما بقي فيها، الرواية الصهيونية الكاذبة، وشرعية وجوده فوق أرض فلسطين.

يتعامل العدو مع الشعب المغربي، بموافقة حكّامه ونخبه السياسية والاقتصادية، كما تصرّف المستوطنون الأوروبيون في أميركا عندما غزوا هذه القارة قبل قرون. فقتلوا شعوبها الأصيلة (الأمم الهندية) وسرقوا أراضيها ودمّروا بنيتها الاجتماعية وعزلوا من بقي حيا منها في معازل ظلّت تحت رقابة سلطة المستوطنين، واستجلبوا العمال من أفريقيا، بموافقة رؤساء القبائل والسماسرة، واستعبدوهم ليحلّوا مكان الشعوب الأصلية، كيد عاملة رخصية عملت في المزارع التي تم انشاؤها على الأراضي المنهوبة.

بعد معركة "سيف القدس" ومشاركة فلسطينيي الداخل في الهبّة الجماهيرية، اعتبر كيان العدو أن وجودهم في أرضهم ووطنهم المسلوب يشكّل تهديدا له، وخاصة أنهم يعملون في مرافق مهمة، في مستشفياته تحديدا. فكان استجلاب يد عاملة أجنبية تحلّ مكان الفلسطينيين، ليس فقط في المستشفيات، بل السائقين وعمال البناء وغيرها من الأعمال، من أجل تهميش الفلسطينيين وإفقارهم وحثّهم على الهجرة. واليد العاملة المغربية الرخيصة قد تكون الأمثل، بدلا من المهاجرين "غير الشرعيين" من السودان وأفريقيا، الذين يعانون من التعامل العنصري بسبب بشرتهم. بالنسبة للمستوطنين الصهاينة، من ليس له علاقة بالأرض المسروقة أفضل من الفلسطيني الذي لا يمكن أن ينسى أن جذوره في فلسطين.

هذه الصفقة بين الطبقة الحاكمة المغربية والكيان الصهيوني الاستيطاني لا تلحق الضرر بالشعب الفلسطيني فقط، الذي يظل الضحية الأولى لكل عمليات التطبيع مع العدو، بل بالشعب المغربي، كون الطبقة الحاكمة المغربية تبيع القوة العاملة في بلدها الفقير الى قوة أقليمية، التي تستغلها وتجني أرباح هائلة بحجة توظيفها. هكذا تصرفت الدول الامبريالية مع الدول الفقيرة، وقد نهبت خيراتها أيضا كما يخطط الكيان الصهيوني، بالتعاون مع الولايات المتحدة، لنهب الفوسفات من الصحراء (الغربية).

لقد حارب الشعب المغربي سابقا الاستعمار الفرنسي والاسباني وقدّم الشهداء من أجل استقلال بلاده، لكنه لم يتمكّن من التخلّص من نفوذ الامبريالية التي أفقرت البلد واستغلّت يده العاملة بأبشع الطرق حتى بات المغربي يفضّل الهجرة على البقاء في وطنه، هروبا من السماسرة واستغلالهم المفرط. فهل سيقف اليوم ضد الاستعمار الجديد المتمثل بالصهاينة، الذين سرقوا أرض فلسطين ويفكّرون باستغلال اليد العاملة المغربية ونهب ثروات المغرب لصالحهم؟

ان قراءة التعليقات على أخبار زيارة بعض أركان العدو الى المغرب، خلال الفترة الماضية، في الصحف المغربية الالكترونية، تدعو للتساؤل حول وعي الشعب المغربي للمخاطر التي تحدق به من جراء هذا التطبيع مع العدو. كما هو الحال لمجمل ما يكتب على المواقع الألكترونية، لا يمكن استبعاد تدخّل أجهزة صهيونية وعميلة محترفة للتعليق والتأثير على المغاربة، لكن في المجمل، يبدو أن التضليل الذي مارسته الولايات المتحدة، وفيما بعد، الكيان الصهيوني، بالحديث عن الصحراء الغربية وسيادة المغرب عليه، أوقع فعلا المغاربة في الفخ الأميركي الصهيوني وأثّر على الرأي العام. الى جانب بعض التعليقات المؤيدة لفلسطين والقدس والمسلمين إجمالا، والتي لم ترتق الى المواجهة مع مؤيدي التطبيع..

 اعتبر بعض المعلّقين أن الكيان الصهيوني صديق للشعب المغربي لأنه اعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وفي الوقت ذاته، اعتبر هؤلاء أن الجزائر العربية والمسلمة بلدا معاديا للمغرب بسبب هذه القضية. إضافة الى تدخّلهم في المغرب، تمكّن الصهاينة من إثارة المشاعر المعادية للشعب الجزائري، من خلالها. هذه هي أحد أهم وظائف الكيان الصهيوني في العالم العربي، إثارة الفتن والكراهية بين شعوبه لمنعهم من توحيد جهودهم وطرد القوى الاستعمارية، القديمة والجديدة.

أين تقع الأحزاب المغربية الوطنية والمعادية للصهيونية من هذه المسائل؟ كيف تم تضليل الشعب المغربي، أو بعض فئاته، بأحسن تقدير، الى هذا الحدّ؟ ماذا تعني سيادة المغرب على الصحراء الغربية إن تم سرقة الفوسفات منها من قبل الشركات الصهيونية والأميركية؟ وكيف يمكن الحديث عن سيادة المغرب في ظل هيمنة الدول الغربية على الدولة وقراراتها، وإفقارها واستغلال يدها العاملة، وخاصة اليوم مع تغوّل الصهاينة في مجتمعه عبر الإعلام والثقافة والاقتصاد؟

لم يعد يكفي التضامن مع فلسطين والشعب الفلسطيني في مثل هذه الحالات، لأن المغرب كبلد مهدّد اليوم، من جراء عملية التطبيع مع العدو وملحقاته الأمنية والاقتصادية والثقافية. فالدفاع عن المغرب من الهجوم الصهيوني يعني الدفاع عن فلسطين.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".