تستند رواية الكاتب احسان عبد القدوس «الرصاصة لا تزال في جيبي» الى حقيقة انه طالما هناك استعمار يحتل ارضي فان الرصاصة الأخيرة ستبقى في جيبي أقاتل بها حتى زوال آخر جندي احتلالي عن ارضي, وكان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قد ردد مرارا وتكرارا إن التحقيق في جريمة مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي أغتيلت برصاص الاحتلال الصهيوني، خلال اقتحام مدينة جنين ومخيمها، سيكون فلسطينياً، وستتم مشاركة النتائج مع الدول ذات العلاقة, وأضاف اشتية «نعلم علم اليقين أن من يزور تاريخ قضية وحقوق شعب وأرض، قادر على تزوير طلقة أيضًا، لن نسلمهم المقذوف بأي شكل، فالأمر عبارة عن أدلة قاطعة, الأمر لا يحتاج إلى جدل أو نقاش», واليوم بعد ان سلمت السلطة المقذوف الذي قتلت به الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة للأمريكان ومن ثم سلمته أمريكا «لإسرائيل» لتمكينها من تزييف رواية القتل, والتشكيك بها, تماما كما حدث في جريمة قتل الطفل محمد الدرة, واسرة الطفلة هدى غالية, والتشكيك في جريمة قتل عائلة دوابشة وغيرها من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال, ويحاول دائما ان يشكك بها, ليدفع الأذى عن نفسه اذا ما تجرأت أي جهة حقوقية او دولية او محكمة جنائية بمحاسبته على جرائمه, التي يقترفها مع سبق الإصرار والترصد بحق الفلسطينيين, و»إسرائيل» دائما ما تجد من يساعدها على التنصل من جرائمها, وتبييض صفحتها السوداء, الامر الذي يدفعها لارتكاب المزيد من الجرائم, حتى عندما قتلت المتضامنة الامريكية راشيل كوري ودفنتها تحت رمال جرافتها بشكل متعمد وامام عدسات الكاميرا, لم يحاسبها احد على جريمتها وتكتمت عليها الإدارة الامريكية.
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وجه لطمة مدوية لرئيس وزرائه محمد اشتية عندما قال ان الرصاصة لا تزال في جيبي, فقد افرغ جيبه من الرصاص, لأنه لا يؤمن به, ويتفاخر انه لم يطلق يوما رصاصة واحدة على «إسرائيل», وقام عباس بتسليم رصاصة ادانة الاحتلال في جريمة قتل الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقله للإدارة الامريكية, وهو يعلم انه سيتم تسليمها للاحتلال, فعباس الذي ينتظر بفارغ الصبر وعلى أحر من الجمر زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة, يطمع في لقاء يجمعه بالرئيس الأمريكي, ليضفي عليه شيئاً من الشرعية, ويسوقه لدى الرؤساء والملوك العرب, وهو يأمل من وراء هذا اللقاء تحقيق ثلاثة امال, الأول إعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن, ثانيا إعادة ضخ الأموال الامريكية الى السلطة الفلسطينية بعد فترة انقطاع طويلة واستئناف تقديم المساعدات, ثالثا العودة الى مسار التسوية مجددا على أي قاعدة تشاء «إسرائيل» المهم ان يبقى مسار السلام حاضرا ولو شكليا امام الشعب الفلسطيني, كي تستطيع السلطة ان تساوم وتناور به للوصول الى الأهداف المرجوة على الساحة الداخلية الفلسطينية, وتحقيق نتائج في الانتخابات المحلية والنقابية والطلابية بعد الانتكاسة وخيبة الامل التي اصابتها مؤخرا في الانتخابات, فقد تعرت السلطة تماما امام الفلسطينيين, ولم تعد تملك ما يمكن ان تسوقه عليهم, ومن اجل ألا يلجأ الشعب الفلسطيني الى بديل عن السلام, لكن السلطة ستبقى تتوسل للإدارة الامريكية بعدم ترك ملعب السلام فارغا, وان تستعيد السلطة دورها الشكلي في الجلوس على طاولة «المفاوضات» دون الوصول الى نتائج, فالجلوس على الطاولة يطيل من عمر السلطة ويعطيها مساحة للمناورة.
لا يستطيع احد من رجالات السلطة ان يقول ان الرصاصة لا تزال في جيبي, فالجيوب افرغت من الرصاصات, ولم يعد لديها ما يمكن ان تواجه به «إسرائيل» وهى لا تتعلم من تجاربها السابقة, لأنها لا تريد ان تصطدم بحقيقة ان مسار التسوية, مسار خاطئ لا يمكن المضي به الى ما لا نهاية, فهو كالصحراء القاحلة التي لا نهاية لها, وكلما تعمقت داخلها ازددت عطشا وظمأ وخارت قواك, واصرارك على هذا المسار الخاطئ حتما سينتهي بك الى الموت, فهل تبحث السلطة عن موتها لأجل إرضاء الإدارة الامريكية والاحتلال, ولماذا يتم تقديم المقذوف الذي أدى الى قتل الزميلة الصحفية شيرين أبو عاقلة للاحتلال, وهل تتوقع السلطة ان تدين «إسرائيل» نفسها وهى التي تزيف الحقائق وتنسج الروايات الكاذبة لتضليل الراي العام العالمي والدولي, ان اقصى ما يمكن ان تصل اليه «إسرائيل» في جريمة قتل شيرين أبو عاقلة ان تقول بان رصاصة خرجت بالخطأ من سلاح جندي إسرائيلي اصابت شيرين أبو عاقلة فقتلها, وبذلك يكون جزاؤه تغريمه اغورة, او تأديته للخدمة الاجتماعية لمدة شهر, وتوجيه الشكر له على حرصه على تطبيق قواعد اطلاق النار بحذافيرها وفق القوانين التي حددها الجيش الصهيوني, والدليل المادي القوي «المقذوف» الذي يمكن ان يدين الاحتلال امام محكمة الجنايات الدولية, ويجازى به على جريمته, تم التخلص منه, وسلمته السلطة طوعا للإدارة الامريكية, وهى تعلم علم اليقين انها تبحث عن مبرر لتسوقه للعالم لتبرأ «إسرائيل» من جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للزميلة شيرين أبو عاقلة, ليت احسان عبد القدوس بيننا اليوم, ليكتب روايته الجديدة بعنوان «الرصاصة لم تعد في جيبي».