غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الطيور الأليفة ورحلة سفر

جبريل ابو كميل.jpg
بقلم/ جبريل ابو كميل

يقول وليام جلاسر: تتحكم بنا خمس احتياجات جينية؛ النجاة، والحب، والانتماء، والقدرة، والحرية، وبين جمال مقولته والواقع لا تجتمع خمسة جلاسر الجينية في قطاع غزة تحديداً.

إذ يعيش الناس ظروفاً غير عادية أبداً.. فالحرية على وجه الخصوص باتت أشبه بحالة شذوذ فكري غير منطقي، وعلى سبيل التخصيص هنا نتحدث عن الطيور الأليفة في رحلة سفر عادية تموت فيها الإنسانية ويزداد فيها الوجع بفعل الجشع.

كغيرهم من الطيور الناقمة على صخب المدينة الحالمة بالحرية، ينشط كثيرون بالبحث عن أفكار للنجاة من الفقر الاقتصادي والنفسي المكتظ في مدينتهم الصغيرة، في مقابل ذلك يعيشون صدمة حضارية، بعضهم يهرب من الموت إلى الموت وآخر يسكنه الحب والجمال، في وقت يجتهد أحدهم بجمع ما تيسر لديه من المال لكسب المال، لكن أحلام البسطاء تبقى أسيرة؛ تجعلهم لا يحلقون عالياً بل يسيرون ببطء كسلحفاء عرجاء تتجه نحو سراب الصحراء.

ورغم مرارة السفر وشرف المحاولة يسكنهم حب الوطن الذي تغيرت تفاصيله حتى بات الناس رغم عجزهم يدفعون فاتورة الإنتماء بما لا ينسجم مع القدرة المجتمعية ليعيشون حكاية الزمن المفقود.

ذلك ينطبق مع البيت الشعري: لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمـن تنادي، ولو نارٌ نفخت بها أضاءت.. ولكن أنت تنفخ في الرماد . 

تماماً كما هو الواقع مع الطيور العائدة إلى غزة من رحلة الموت، يحملون سترة النجاة التي تسقطهم في حفرة القانون.

هنا لست بارعاً في كتابة الرواية ولا أعيش الخيال، فحقيقة الأمر تكمن في وجع بات يشبه جريمة متكاملة الأركان، وكأن الأمر أقرب إلى شكل لعبة "الحاكم والجلاد" أين المفتش؟ " أخرجلي لصك"، تلك تسلية طفولية قديمة يعرفها كثيرون ممن يتعايشون اليوم تحت وطأة الضرائب المفروضة حديثاً على أصناف مختلفة من بضائع استهلاكية ربما يعتبرها الحاكم ثانوية، لكنها في واقع الأمر حاجة ضرورية يستخدمها الناس كسترة نجاة  لعوراتهم، الحكمة في القول صمت لا يلغي الحاجة عن السؤال ولا ينهي معركة بطون خاوية سئم أهلها النظر إلى معطيات قانون رُسم من وحي الخيال.

كيف لا؟! وقد بات الناس يعيشون في غزة مرحلة اللافرق بين الفرق، الغني تائه حيران، والفقير المعوز يقتله الصبر والصمود، في مقابل لافتات مزخرفة ب"ذلك فضل من الله" تزين جدران حاكم غافل عن حاجة طيوره الذين يغرقون في بحر الشتاء حتى يذوب لحمهم من قسوة الصيف.

روايات الصبر ومعجزات الصمود كثيرة عجيبة هنا، لكنها وعلى ما يبدو باتت للحديث الاستهلاكي لا المنطقي، خصوصاً مع انعدام التقدير المعيشي والاكتفاء بالتسجيل الضريبي.

ومع فارق الزمن مع حكايا اليوم لخص الشاعر إبراهيم طوقان

الحدث بوصفه: وطنٌ يُباعُ ويُشترى وتصيحُ فليحيَ الوطنْ

لو كنتَ تبغي خيْرَهُ لبذلتَ من دمِك الثمنْ...

ولقمت تضمد جرحه لو كنت من أهل الفطن..

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".