شكل خطاب الأمين العام الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي من قلب مهرجان المقاومة فى الذكرى (٣٥) لانطلاقة مسيرة الدم والشهادة معبرًا وبشكل كامل عن تطلعات الحركة الفكرية للجهاد الإسلامي، سواء كان الأمر متعلقًا بالساحة الفلسطينية وما عليها من واجبات فى استمرارية القتال والمواجهة، أو فيما يتعلق بالدور العربي والإسلامي والعلاقة المتبادلة فى سبيل مصلحة الثبات على قاعدة القتال والمشاغلة واستنزاف المشروع الصهيوني.
وقد رأينا كيف استطاع خطاب الأمين العام أبو طارق النخالة أن يوجه ويعيد الدور العربي للتعامل مع القضية المركزية فلسطين كقضية للأمة جمعاء، وتمثل ذلك بالاحتفال الموحد بمهرجان المقاومة فى أكثر من قطر عربي شمل بعض العواصم العربية المقاومة: دمشق وبيروت وصنعاء والضفة الغربية من قلب عرين المقاومة (جنين) وغزة الصمود والتحدي، وذلك استمرار لتحقيق ثمرة معركة وحدة الساحات التي خاضها الجهاد الإسلامي مؤخرا..
هذا الترابط الزماني والمكاني حَوْل خيار المقاومة كطريق للتحرير وحَوْل القضية الفلسطينية كجوهر للصراع، وذلك إحياءً للدور العربي والإسلامي الذى يحمل فى طياته دلالات عميقة وجوهرية فى مواجهة المشروع الصهيوني الذى يريد أن يلتهم الحق والمقدس الفلسطيني على قاعدة غياب دور وقوة العرب والمسلمين فى مساندة قضيتهم الأولى فى ظل انكسار بعض الدول العربية المنهزمة فكرياً وعقائدياً والمهزومة قومياً. لقد فهم العدو خطورة وأبعاد ما ينادي به ويرمي إليه نظر الأمين العام الثاقب، وإصراره المحسوب والمقصود على ذلك المبدأ من وحدة الجغرافيا الفلسطينية القتالية للعدو، فقد تنبأ العدو الصهيوني سلفاً لمخاطر هذا المبدأ على مشروعه، فعمل على إجهاض هذا المبدأ الذى من شأنه إذا ما كتب له النجاح أن يعمل على محاصرة العدو وتفكيك مخططاته، فقام العدو -غدراً كعادته- ومتداركاً لخطورة ما يسعى إليه الجهاد لتوحيد الساحات الفلسطينية فى مواجهته باغتيال قادة سرايا القدس فى غزة؛ لإقحام الجهاد الإسلامي فى جولة صراع وقتال جديدة محاولًا محاصرة الجهاد والاستفراد به، متوهمًا منه أن يتراجع الجهاد عن ذلك المبدأ أو عن مواجهته عسكرياً، فإذا بالعدو لم يحقق أيًا من أهدافه ويفشل فى ذلك كله، فجاء رد الجهاد الإسلامي ومن خلال مهرجانه المقاوم الذي يعلن فيه توحيد الساحات فلسطينياً وعربيًا أيضا، وربطها بقضيتها الحقيقية فلسطين؛ ليعلن بذلك تحقيق هذا المبدأ الذى يعد انتصارًا لمشروع المقاومة برمتها فلسطينياً وعربيًا.
إذن؛ فنحن أمام خطوة جريئة تعيد للقضية ملامحها الأصيلة ودورها فى إعادة استنهاض الأمة التي غُيبت بفعل فريق أوسلو الفاشل والساقط وطنياً والمهزوم واقعياً بفعل التأثير الصهيوني على هذا الفريق، واقتصار دوره ومشروعه السياسي على التنسيق الأمنية المتبقي من هذا الاتفاق بما يخدم فقط للمشروع الصهيوني، دون أن يكون لهذا الفريق أي أفق أو استحقاق سياسي فى شراكته مع العدو الصهيوني.
إن ما نادى به الأمين العام من تأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني وفضائله المقاومة لم يأت بالتأكيد من باب الترف الخطابي، وإنما جاء مصداقاً لما حمله الجهاد الإسلامي من ميثاق فكري وموروث أخلاقي وفهم واعٍ وتأصيل لحالة الصراع القائم بأن وحدة الفلسطينيين ووحدة الأمة هى مرتكز أساس وضرورة وطنية وشرعية فى منظور الجهاد الإسلامي وواقعه الفكري فى مواجهة العدو الصهيوني ودحره؛ ليزداد الجهاد الإسلامي بهذا المنظور قوة وتماسكاً وقدرة على الفعل والتأثير فى المحيط الفلسطيني والعربي المقاوم. ولا شك بأن الحضور الجماهيري القوي المؤكد على تبني رؤية الجهاد الإسلامي ونظريته في المقاومة حمل رسائل قوية عبر هذا المهرجان، فأول رسائله:
الرسالة الأولى:
تجديد البيعة من قبل جماهير الجهاد الإسلامي لأمين المقاومة القائد (أبو طارق النخالة) لمواصلة خيار المقاومة كخيار أوحد وأمثل وأصوب لاسترداد الحقوق الفلسطينية.
الرسالة الثانية:
أن هذا الحضور الكبير والمهيب يدلل بشكل قاطع على استمرار احتضان الجماهير للمقاومة، واستعدادها للصمود والتحدي؛ لمواجهة العدو الصهيوني رغم ما دفعته من أثمان فى المواجهات السابقة.
الرسالة الثالثة:
إن هذه الجماهير جاءت لتقول للعدو بأن القدس هي بوصلة الجهاد الإسلامي، لن تتحول ولن تتغير مهما قدمت من تضحيات، ومها تجبرت آلة القتل فينا أنه، وسيبقى الجهاد الإسلامي حاضرًا بقوته وبرافعته الوطنية المتمثلة بالحاضنة الجماهيرية التي احتضنت مشروعه على مدار أكثر من (٣٥) عامًا، وأن الجهاد الإسلامي بات اليوم أقوى وأشد عوداً وأصلب من ذي قبل، وأنه نجح فى رفع راية المقاومة عالياً؛ لينتقل من كونه جزءاً من المقاومة إلى رأس حربة مشروع المقاومة فى وجه المشروع الصهيوني.
الرسالة الربعة:
موجهة لكتائب جنين وكل الكتائب المقاومة فى الضفة أن استمروا فى قتالكم، وأشعلوا الضفة بركاناً ولهبًا، فالعدو عجز من محاولاته اليائسة فى القضاء عليكم، وقد أصبحتم شوكة فى حلقه وحلق فريق أوسلو الأمني، فاثبتوا على هذا الخيار، فهو خيار عزكم وكرامتكم، وثقوا بأن لكم سنداً قوياً وركناً شديداً فى غزة، لن يقبل بأن يستفرد الاحتلال بأي ساحة من ساحات الوطن كما أكد الأمين العام ذلك فى كل خطاباته.
الرسالة الخامسة:
موجهة لكل الذين راهنوا على سقوط وهزيمة وانهيار الجهاد الإسلامي بدءًا بالاحتلال وانتهاءً بالعرب المطبعين المنهزمين، فجاءت هذه الجماهير لتقول لهم أن خبتم وخاب جهدكم وسقط اعتقادكم سقوطًا مدوياً مهزوماً على الأرض، وأن حركة تحمل الإسلام وفلسطين والبندقية فى قلب أبنائها ووعيهم لن تسقط ولن تموت، وستبقى حية تتعاظم وتكبر، وستكون دائماً عصية على الانكسار.
والرسالة الأخيرة:
هي الرهان على أبناء الجهاد الإسلامي فى كل الميادين، والدور الكبير والعظيم الملقى على عاتقهم، فالمهمة تكبر وتتعاظم، والمخاطر تزداد، فيجب أن يكونوا على قدر المسؤولية، وعلى قدر عظم المرحلة المقبلة بكل تعقيداتها.