"إسرائيل" التي تعوّدت ممارسة كل أشكال العدوان من دون أن يحاسبها أحد، يمكن لها أن تذهب بعيداً باتجاه تنفيذ مخططها القديم-الجديد باستهداف المناطق الحيوية في الجمهورية الإسلامية في إيران.
قد لا يبدو بالنسبة إلى البعض خيار الهجوم العسكري الإسرائيلي على "المنشآت النووية الإيرانية" خياراً واقعياً، وربما ينظر إليه البعض الآخر على أنه مجرد مزايدات إعلامية، يطلقها الساسة الصهاينة للاستهلاك الداخلي، ولحصد أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية، هذه الانتخابات التي يبدو أنها ستنتج حكومة يمينية متطرفة حسب النتائج الأولية التي تم الإعلان عنها.
ولكن المتابع لتاريخ "إسرائيل" العدواني على مدى السنوات الماضية، ضد الكثير من دول المنطقة، يمكن له أن يكتشف أن ما يبدو بالنسبة إلى الكثيرين بأنه مجرد استهلاك إعلامي، أو تنافس انتخابي، يمكن له أن يتحوّل في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، إلى واقع ميداني يذهب بالأوضاع إلى درجة من الخطورة لم تشهدها من قبل.
فـ "إسرائيل" التي تعوّدت ممارسة كل أشكال العدوان من دون أن يحاسبها أحد، يمكن لها وفي ظل حالة من الاصطفافات والتحالفات التي يشهدها العالم اليوم، على وقع الأزمة الروسية الأوكرانية "الأطلسية"، أن تذهب بعيداً باتجاه تنفيذ مخططها القديم- الجديد باستهداف المناطق الحيوية في الجمهورية الإسلامية في إيران، لا سيما المنشآت النووية التي تؤرّقها منذ زمن بعيد، هذا المخطط عبّر عنه صراحة رئيس أركان "الجيش" الإسرائيلي المنتهية ولايته، أفيف كوخافي، خلال مشاركته في المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي إذ قال: "إنَّ العودة إلى الاتفاق النووي أمر سيئ، وأنه أصدر أوامره بوضع خطط عملانية إضافية في حال كان هناك قرار سياسي بشن هجوم على إيران".
هذه الخطط، كما تقول مصادر إسرائيلية خُصصت لها نحو 5 مليارات شيكل (1.5 مليار دولار)، لتمويل أي هجوم محتمل ضد برنامج إيران النووي، إضافة إلى ذلك، فلا يكاد يخلو خطاب للقادة الصهاينة في مختلف المحافل المحلية أو الدولية من ترديد الأسطوانة المشروخة، بأن ما يسمّونه "المشروع النووي الإيراني" يشكّل التهديد الأكبر لـ "دولتهم"، ولدول المنطقة، وهذا الادعاء يشاركهم فيه بعض الدول العربية لا سيما الخليجية منها.
والتجربة الإسرائيلية في هذا المجال لا تخطئها عين، ففي 7 حزيران/ يونيو من عام 1981، أطلقت المقاتلات الإسرائيلية 16 صاروخاً على مفاعل "تموز" العراقي جنوب شرق العاصمة بغداد، في عملية سُمّيت في ذلك الحين "عملية أوبرا"، وأسفرت عن تدميره بشكل شبه كلي، وقتل في ذلك القصف 10 عراقيين وفني فرنسي، قيل لاحقاً إنه من أعطى الإسرائيليين إحداثيات الموقع، حينها صرح رئيس الوزراء الصهيوني، مناحيم بيغن، بأن تلك الهجمة ليست حالة شاذة، وإنما سابقة لكل حكومة مقبلة في "إسرائيل".
بعد تلك العملية بـ 26 عاماً تقريباً، وفي 6 أيلول/سبتمبر من العام 2007، نفذت "إسرائيل" عملية مشابهة أطلقت عليها "عملية البستان"، استهدفت من خلالها ما يُعتقد بأنه مفاعل نووي سوري في منطقة دير الزور شرق سوريا.
ومع أن الأوضاع قد تغيّرت كثيراً منذ تلك الفترة، وأصبح تنفيذ عمليات كهذه أكثر تعقيداً وصعوبة، خصوصاً وأن المواجهة الحالية مع إيران تختلف تماماً عن الجانبين السوري والعراقي، من حيث الإمكانيات والقدرات العسكرية، ما يجعل "إسرائيل" تفكر ألف مرة قبل إقدامها على مثل هذه العملية، إلا أن احتمالية حدوث ذلك تبقى قائمة، خصوصاً في ظل تعطّل الوصول إلى اتفاق يعيد الحياة من جديد إلى خطة العمل المشتركة بين إيران ومجموعة 5+1 حتى الآن على الأقل، بالرغم من التوقعات السابقة التي كانت تشير إلى قرب التوصل إلى ذلك، وكذلك لاعتقاد المؤسسة الأمنية في "إسرائيل" بأن إيران بدأت في تفعيل ما يُسمى الخطة "ب"، كبديل عن عدم التوصل إلى اتفاق، وهذه الخطة تعتمد على تدشين المئات من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، والتي يمكن أن تجعل إيران قريبة جداً من صناعة "القنبلة النووية".
وبالتالي، نحن سنناقش في ما يلي إمكانية تنفيذ العدو الإسرائيلي عملاً عسكرياً مباشراً يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، وسنستعرض كذلك الأدوات التي يمكن له أن يستخدمها لتحقيق ذلك الهدف، وما التداعيات المحتملة والمتوقعة.
من الناحية العملية، يمكننا القول إنه يوجد لدى "إسرائيل" إمكانيات وأدوات عسكرية متطورة قد تمكنها من تنفيذ هجوم نوعي في عمق الأراضي الإيرانية، وحسب تصريحات العديد من قادتها، فهي وضعت سيناريوهات عديدة، وخططاً متنوعة لضمان تمكنها من شن ذلك الهجوم، مع الإشارة إلى أن تلك الخطط ستواجه صعوبات لوجستية وعسكرية كبيرة، كما يقول الكثير من الخبراء العسكريين، وأهم تلك الصعوبات هي المسافة التي يجب قطعها للوصول إلى تلك المنشآت، فأهداف إيران المحتملة تبعد ما بين 1700 إلى 2200 كلم عن "إسرائيل"، وهذا يعدّ أقصى مدى يمكن للمقاتلات الإسرائيلية أن تصله حتى في حال إعادة تزويدها بالوقود في الجو، أو في دول معينة في الإقليم قالت بعض التسريبات إنها وافقت على أداء تلك المهمة، إضافة إلى التحصينات والإجراءات الأمنية المشددة التي تحيط بتلك المنشآت، ووجود معظمها تحت الأرض بمسافات كبيرة، وكل تلك الإجراءات الاحترازية ستجعل نتائج الهجوم الإسرائيلي، كما يقول المختصون، تقتصر على تأجيل حصول إيران على ثمرة جهودها النووية فقط، وربما يذهب الإيرانيون في إطار ردهم على ذلك الاستهداف نحو تسريع برنامجهم النووي، وهو ما سيشكل انتكاسة للجهود الإسرائيلية الساعية إلى وقفه والقضاء عليه.
وقد وضعت "إسرائيل" نصب عينيها، كما تقول مصادر استخبارية غربية، استهداف عديد المنشآت الإيرانية، التي تقول إنها عبارة عن مواقع تستخدمها إيران للوصول إلى القنبلة النووية، وتشمل 5 مفاعلات أساسية هي: "بوشهر وأصفهان ونطنز وأراك وفوردو"، ومنشأة تخزين المواد المشعة في "كرج"، ومنشأة "بارشين" العسكرية، بالإضافة إلى العديد من المطارات العسكرية، ومنظومات الدفاع الجوي الإيرانية التي ستشكّل الخطر الأكبر على الطيّارين الإسرائيليين.
وفي اعتقادنا، أمام "إسرائيل" 4 خيارات لاستهداف البرنامج النووي الإيراني بمنشآته المختلفة، استخدمت خلال الاثني عشر عاماً الماضية خيارين منها من دون أن يحققا النتائج المرجوّة، أما الخياران الآخران فيبدو أنها تؤجل استخدامهما إلى ساعة الصفر.
وسنشير في ما يلي بعجالة إلى الخيارين اللذين تم استخدامهما وما زالا قيد الاستخدام، وإن على فترات متباعدة، ومن ثم سنفصّل بعض الشيء في الخيارين المتبقّيين لأنهما سيشكلان في حال استخدامهما أو واحد منهما، مرحلة حاسمة في تاريخ المنطقة والإقليم.
أولاً: عمليات الاغتيال:
شهدت إيران العديد من عمليات الاغتيال لعلماء نوويين إيرانيين خلال السنوات الأخيرة، ويرى المراقبون أن "إسرائيل" اعتمدت على هذا الأسلوب لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، وحرمانه من ركن مهم من بنيته الرئيسية وهي العلماء، الذين يقع عليهم الجهد الأكبر في تقدم هذا البرنامج.
ففي 12 كانون الثاني/يناير من عام 2010 ، اغتيل مسعود علي محمدي، أستاذ الفيزياء النووية في جامعة طهران، وذلك في انفجار دراجة مفخخة وُضعت قرب منزله، وفي 29 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، تم اغتيال مجيد شهرياري، العالم في الفيزياء النووية أمام إحدى الجامعات بتفجير سيارته بقنبلة لاصقة، وفي 23 تموز/ يوليو 2011، اغتيل داريوش رضائي نجاد، الأستاذ الجامعي والمتخصص في الفيزياء الكهربائية بإطلاق النار عليه، وفي كانون الثاني/يناير 2012 اغتيل مصطفى أحمدي روشان، نائب المدير التجاري في موقع نطنز النووي، بتفجير عبوة لاصقة في سيارته قرب إحدى الجامعات في طهران.
أخطر وأهم تلك العمليات استهدفت العالم النووي البارز، محسن فخري زاده، في كانون الأول/ديسمبر من العام 2020، في كمين تعرض له موكبه قرب العاصمة الإيرانية طهران، والعالم فخري زادة كان يُتهم من قبل أميركا و"إسرائيل" بأنه العقل المدبر للبرنامج النووي الإيراني.
ولكن، بالرغم من الخسارة الكبيرة التي لحقت بها من جراء تلك الاغتيالات، لم توقف إيران برنامجها النووي "السلمي"، وهذا يرجع إلى امتلاكها آلاف الخبراء والعلماء في هذا المجال الحيوي والحساس.
ثانياً: الهجمات السيبرانية:
وهو خيار استخدمته "إسرائيل" وحليفتها أميركا وما زالتا في مراحل كثيرة، وأدى إلى تعطيل جزئي في بعض المنشآت النووية والبنى التحتية الإيرانية، حيث كشف رئيس منظمة الدفاع السلبي الإيراني، العميد غلام رضا جلالي في تشرين الأول/أكتوبر 2019، عن تعرّض إيران لـ 50 ألف هجوم سيبراني في كل عام، كان من أهمها الهجوم الإلكتروني بفيروس يدعى "ستاكسنت" في أيلول/سبتمبر 2010، والذي أصاب آلاف الحواسيب في منشآت ومصانع نووية إيرانية من بينها مفاعل بوشهر ومنشأة نطنز، بعد ذلك الهجوم بعامين، تعرض البرنامج النووي الإيراني لهجوم آخر بواسطة فيروس يسمى "فلايم"، تسبب في تعطيل الكثير من المنظومات المتحكمة بعدد من المنشآت النووية، وفي نيسان/أبريل 2021 كانت منشأة نطنز النووية هدفاً من جديد للهجمات الإلكترونية، إذ تعرضت لحريق كبير، خلّف أضراراً جسيمة، ودمّر حسب تقارير متداولة مختبراً يتم استخدامه لإعداد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.
ولم تقتصر الهجمات السيبرانية على المنشآت النووية فقط، بل طالت البنى التحتية الحيوية الإيرانية، إذ تعرض قطاع الاتصالات في شباط/فبراير من عام 2020 لهجوم إلكتروني كبير ضرب البنية الأساسية لهذا القطاع الحيوي في معظم أنحاء البلاد، ما أدى إلى حدوث اضطراب في عمل شبكات الإنترنت، وتعطّل نحو25% من عملياتها، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2021 تعرض النظام المعلوماتي لتوزيع الوقود إلى هجوم كبير أدى إلى توقف 4300 محطة عن تقديم الخدمة لزبائنها بشكل كامل، قبل أن تعود إلى العمل بعد 4 أيام.
ولكن، يبدو أن هذا الخيار أيضاً لم يحقق سوى نتائج متواضعة تمكنت إيران وبسرعة من التغلب عليها، وتجاوز آثارها، إذ قالت تقارير استخبارية نشرتها صحف أميركية مختلفة، إن فاعلية تلك العمليات التخريبية منخفضة وسلبية، وأنها جاءت برد فعل عكسي، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن إيران قد أعلنت في شهر حزيران/يونيو 2021 عن تشكيل ما سمّته "قيادة موحدة دفاعية أمنية نووية"، تحت إشراف مباشر من حرس الثورة في إيران، للتصدي لكل ما من شأنه أن يستهدف منشآتها النووية، ولمعالجة بعض الخروقات التي حدثت في فترة سابقة، حسب الإعلان الإيراني.
ثالثاً: الصواريخ البالستية:
وهذا الخيار يغيب عن مخيّلة الكثير من المختصين، ويعتقد البعض بأنه غير وارد، ولا يوجد إمكانية لتحقيقه، إلا أن المتابع لتطوّر منظومة الصواريخ الإسرائيلية والبالستية منها على وجه الخصوص، يجد أن القيام بعملية من هذا النوع وارد وبقوة، ويمكن أن تكون أقل كلفة من الهجوم الجوي الذي يرجّح معظم الخبراء حدوثه.
وعندما نتحدث عن هجوم من خلال صواريخ بالستية، يمكن لنا أن نشير إلى طريقتين لشن هجوم كهذا، الأول بصواريخ أرض- أرض متوسطة المدى من طراز "أريحا 3"، والتي يبلغ مداها ما بين 4800 إلى 6500 كيلومتر، وهي تستطيع الوصول إلى الأراضي الإيرانية بسهولة، ويقول عنها موقع "ميسيل ثريت" الأميركي إنها عبارة عن نسخة مطورة من صاروخ "أريحا 2"، وقد دخلت الخدمة عام 2011، وتعمل بالوقود الصلب، ويبلغ طول الصاروخ 16 متراً، وقطره 156 سم، ويصل وزنه عند الإطلاق إلى 29 طناً، وهو يحمل رأساً حربياً واحداً، ويمكن إطلاقه من تحت الأرض أو من مركبات متحركة، ومن مميزات هذا الصاروخ أنه يستطيع حمل رأس حربي تقليدي، أو رأس نووي، أو حتى رأس حربي كيميائي، كذلك هو مزوّد برادار حديث للتوجيه، ووسائل للتمويه والخداع، يتم استخدامها لتضليل المنظومات المضادة للصواريخ.
أما الطريقة الثانية، فهي استخدام العدو الصهيوني للصواريخ البالستية التي يمكن إطلاقها من الغواصات، إذ تملك "إسرائيل" 5 غواصات من طراز "دولفين" ألمانية الصنع، مزودة بأجهزة توجيه حديثة تسمح لها بالتحرك بهدوء في قاع البحر تجنباً لاكتشافها من قبل الرادارات، فضلاً عن إمكانية بقائها تحت الماء لفترة طويلة من دون الحاجة إلى التزود بالوقود أو المؤن، وتستطيع هذه الغواصات إطلاق صواريخ بالستية يصل مداها إلى آلاف الكيلومترات.
رابعاً: الهجوم الجوي:
وهذا هو الخيار الأكثر ترجيحاً لتقوم "إسرائيل" بالاعتماد عليه لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، لأنه وحسب العديد من المختصين الأكثر جدوى من بين كل الخيارات الأخرى، وذلك يرجع إلى امتلاك "إسرائيل" مجموعة من الطائرات الهجومية المتطورة التي يمكن لها أن تطير لمسافات بعيدة تتجاوز الألفي كلم، وهي المسافة المطلوبة للوصول إلى الأراضي الإيرانية، وكذلك لامتلاكها الطائرات التي تقوم بتزويد الطائرات المقاتلة بالوقود في الجو، إضافة إلى الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع المنوط بها جمع المعلومات وإرسال الإحداثيات.
وسنلقي الضوء هنا على طائرة "الشبح" أميركية الصنع، و تُعرف بطائرة "أف 35" التي ستكون العنصر الأهم في أي هجوم جوي إسرائيلي يستهدف إيران، إذ تملك "إسرائيل" 30 طائرة من هذا الطراز، وتنتظر 15 أخرى في إطار صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الطائرة تستطيع التخفي بشكل كامل عن الرادارات، وتبلغ سرعتها (1200 ميل في الساعة)، ولديها إمكانية لتحديد الأخطار المحيطة بها بزاوية 360 درجة، يبلغ المدى الأقصى الذي تستطيع الوصول إليه من خلال استخدام خزاناتها الداخلية نحو 2200 كلم، وتطير على ارتفاع 50 ألف قدم، أما على مستوى التسليح فالطائرة تملك مدفعاً رشاشاً من طراز GAU-22 عيار 25 ملليمتراً، وصاروخين من طراز AIM-120C جو-جو، وقنبلتين موجهتين من طراز GBU-31 يبلغ وزن كل واحدة منهما نحو 900 كيلو غرام، ولأن هذه القنابل لا تستطيع اختراق التحصينات الإيرانية المفترضة، تصبح "إسرائيل" بحاجة إلى قنابل أميركية من طراز GBU-28، وهي قنبلة ذكية تزن أكثر من 2000 كيلو غرام، ويتم توجيهها بأشعة الليزر، وتملك هذه القنبلة خاصية النفاذ عميقاً في داخل الأرض، إلى عمق 20 قدماً من الأسمنت المسلح، مع الإشارة هنا إلى أنه وبسبب وزن هذه القنبلة الكبير لا تستطيع الطائرات حمل أكثر من قنبلة واحدة، وهذا الأمر يعني حاجة "إسرائيل" إلى أسطول من الطائرات المقاتلة لتنفيذ الهجوم، وطائرات أخرى لمواجهة المضادات الأرضية، وفتح الطريق لتلك التي تحمل القنابل، وثالثة لتزويد المقاتلات بالوقود في الجو خصوصاً في رحلة العودة، وهذا العدد الكبير من الطائرات في حال توافره سيكون صيداً سهلاً لمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية أو الحليفة.
ولكن، لنفترض أن "إسرائيل" امتلكت كل ما يلزم من طائرات وقنابل لتنفيذ هجوم على مسافة ألفي كيلومتر خارج أراضيها، فهي بحاجة إلى مسارات جوية آمنة لا تشكّل خطراً على طائراتها، وربما في وقت معين تقديم المساعدة لتلك الطائرات لتنفيذ هبوط اضطراري أو للتزود بالوقود.
وفي اعتقادنا، يتوجّب على الطائرات الإسرائيلية أن تسلك أحد المسارات الأربعة التالية للوصول إلى أهدافها المفترضة، وهي مسارات لن تكون سهلة في كل الأحوال، حتى لو كانت بعض الدول التي تمر من فوقها تلك المسارات لا تمانع في توجيه ضربة إسرائيلية لإيران، إلا أن خوفها من تبعات ذلك قد يمنعها من قبول هذا الأمر.
المسار الأول الذي من المفترض أن تسلكه الطائرات الإسرائيلية، هو المجال الجوي التابع لكل من الأردن والعراق وصولاً إلى الأراضي الإيرانية، وهذا المسار هو الأقصر من بين المسارات الأربعة، إذ تبلغ مسافته نحو 2000 كم، ولكن هذا المسار محفوف بالمخاطر بسبب الوجود الإيراني النشط في الأراضي العراقية، وهناك إمكانية بأن تكون إيران قد نشرت بطاريات صواريخ أرض – جو هناك حسب ما تقول مصادر استخبارية أميركية، وهذه البطاريات ستشكّل خطورة كبيرة على الطائرات الإسرائيلية حتى قبل أن تصل إلى أهدافها على الأراضي الإيرانية.
أما المسار الثاني فهو يمر فوق الأراضي السعودية، بمحاذاة الحدود الأردنية -العراقية مروراً بمياه الخليج العربي وصولاً إلى إيران، ويبلغ طول هذا المسار نحو 2500كم، وهو ما يتطلب تزويد المقاتلات بالوقود في الجو لأكثر من مرة، أو الهبوط في القواعد الأميركية في الأراضي السعودية لهذا الغرض، وهذا الأمر يبدو صعب المنال، إلا في حال شاركت مقاتلات أميركية في تنفيذ الهجوم، بحيث تكون السعودية مضطرة إلى السماح لها باستخدام أجوائها أو القواعد الموجودة على أراضيها.
المسار الثالث يمر عبر الأجواء السورية والتركية، وهو أيضاً مسار غير مريح للإسرائيليين لسببين: الأول، المضادات الأرضية السورية التي يمكن لها أن تتصدى لتلك الطائرات، ولها تجربة كبيرة في هذا المجال، إذ نجحت في 10 شباط/فبراير 2018 في إسقاط طائرة إسرائيلية مقاتلة من طراز F16 بعد تنفيذها لغارة على الأراضي السورية، وأيضاً وجود المنظومات الدفاعية الروسية من طراز (S300 وS400)، التي يمكن لها، وفي ظل توتر العلاقة بين الكيان الصهيوني وروسيا، أن تشكل تهديداً حاسماً للطائرات الإسرائيلية، أما السبب الثاني فهو إمكانية رفض تركيا استخدام أجوائها لتنفيذ هجوم على جارتها إيران، التي تجمعها بها علاقات وطيدة، بالرغم من التباينات الكثيرة بين الطرفين في ملفات متعددة.
أما المسار الرابع الذي يمكن للمقاتلات الإسرائيلية أن تسلكه، من دون أن تمر في أجواء الدول العربية المجاورة لإيران، فهو يمر فوق البحر الأحمر بمحاذاة الحدود البحرية للسعودية واليمن من الناحية الغربية، ومن ثم الالتفاف بمحاذاة الحدود البحرية الجنوبية لكل من اليمن وعُمان المطلة على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، وصولاً إلى مضيق هرمز ومنه إلى الأراضي الإيرانية، ويُعدّ هذا المسار طويلاً جداً ومعقّداً، إذ يتعين على المقاتلات الإسرائيلية أن تقطع مسافة تزيد على 5800 كم ذهاباً ومثلها إياباً، وهذا الأمر أشبه بالمستحيل، إلا في حال قدمت لها البوارج الأميركية المنتشرة في المنطقة المساعدة اللازمة لتلك الرحلة الخطرة وغير مأمونة العواقب.
في الختام، يمكن لنا أن نخرج بخلاصة تشير بدون أدنى شك إلى أن أي عملية إسرائيلية لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، والأهداف الحيوية الأخرى لن تحقق الأهداف المراد تحقيقها، وستكون عملية مليئة بالصعوبات والمفاجآت، وحسب تقديرات أميركية استخبارية فإنه في أفضل الأحوال سينجح الهجوم إذا سار كل شيء على ما يرام، وهو أمر مستبعد، في تعطيل القدرة الإيرانية على بناء سلاح نووي لسنة أو اثنتين على أفضل تقدير، مع احتمال كبير بأن تُمنى تلك العملية بفشل ذريع تكون تداعياته على متخذ القرار الإسرائيلي كارثية، إضافة إلى إمكانية اشتعال حرب طاحنة في عموم الإقليم يدفع ثمنها الجميع وفي مقدمتهم "إسرائيل"، التي ستجد نفسها في مواجهة محور قوي ومتماسك لم تواجه مثله من قبل.
فإيران التي باتت اليوم تمثّل قوة إقليمية وعالمية لا يُستهان بها، لن تقبل أن تمس سيادتها بأي شكل من الأشكال، وهي تملك الإمكانيات البشرية والعسكرية التي تمكّنها من الرد على أي عدوان، وتملك أيضاً حلفاء أقوياء في عموم المنطقة سيكونون إلى جوارها عند الحاجة، وستجد "إسرائيل" نفسها في عين العاصفة التي ستضرب أركانها من كل حدب وصوب، ولن تكون المراكز الحيوية والاستراتيجية فيها بمنأى عن ضربات إيران وحلفائها.
في المقال القادم، سنتحدث باستفاضة عن تلك المراكز الإسرائيلية الحيوية والحساسة، التي يمكن أن تُستهدف في إطار الرد الإيراني على أي هجوم إسرائيلي.