إن الصين والدول العربية، اللتين جمع بينهما تاريخ طريق الحرير القديم، شركاء طبيعيون للتعاون في إطار الحزام والطريق. وفي السنوات الأخيرة، واصل الجانبان العمل على تعزيز التنسيق الإستراتيجي والجهود المتضافرة، وحقق البناء المشترك للحزام والطريق نتائج مثمرة.
في قلب الصحراء على بعد حوالي 50 كم شرق العاصمة المصرية القاهرة، تعلو بنايات مدينة جديدة حديثة لتظهر ملامحها على الأرض، إذ تعد منطقة الأعمال المركزية في العاصمة الإدارية الجديدة بمصر أكبر مشروع تتولى شركة صينية إنشاءه بمصر حتى الآن. وتغطي منطقة الأعمال المركزية مساحة تتجاوز 500 ألف متر مربع.
هذا المشروع لا يعد فقط مشروعا مهما لخطة النهضة الوطنية المصرية، وإنما يأتي أيضا ضمن باكورة المشاريع المقامة في إطار مبادرة الحزام والطريق. فمن بين حوالي 20 ناطحة سحاب، هناك مبنى أيقوني يبلغ ارتفاعه 385 مترا، وهو أطول مبنى في إفريقيا.
وقد قال مصطفي مدبولي، رئيس الوزراء المصري، إن هذا المشروع يعد بلا شك معجزة. إنه ليس فقط معلما في مصر، بل هو أيضا رمز للتحديث فيها.
وحول تجربته بالعمل في المشروع، ذكر وليد رمضان، مهندس مصري يعمل لدى الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية (CSCEC) في إنشاء البرج الأيقوني، أنه تعلم هنا في البرج الأيقوني كيفية تشييد بنايات شاهقة في الصحراء، مضيفا بقوله "إنها تجربة جديدة حظينا بها في مصر، وها نحن ننقل التجربة بين الصينيين والمصريين".
ومن جانبه، قال تشانغ وي تساي، مدير عام الشركة الصينية العامة للهندسة المعمارية (CSCEC) في مصر" لقد قمنا بتوظيف عدد كبير من العمالة المصرية واستخدمنا عددا كبيرا من المنتجات المحلية، ما ساهم بشكل مباشر وغير مباشر في خلق أكثر من 30 ألف فرصة عمل وعزز تطوير صناعة البناء المحلية بالكامل. وبحلول نهاية العام المقبل، سيستمر العمال المهرة الذين تدربوا في المشروع فضلا عن المهندسين المحليين في لعب دور أكبر في تنمية مصر".
أما على الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، يسابق العاملون بإحدى الشركات الصينية الزمن لبناء أحد منشآت التصنيع في ميناء رأس الخير.
إنه جزء هام من رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تعد خطة طموحة تهدف إلى الحد من اعتماد البلاد على النفط وتنويع اقتصادها.
وقد قال لي تشانغ لين، مهندس بشركة "باور تشاينا" إن هذا المشروع من المتوقع أن يساهم، عند اكتماله، في الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بمبلغ قدره 17 مليار دولار أمريكي ويخلق حوالي 80 ألف فرصة عمل.
وحول مبادرة الحزام والطريق التي طرحتها الصين، ذكر عوض بن ضاوي، مسؤول العلاقات الحكومية بمجمع الملك سلمان العالمي، أنها تتبع مبدأ التشاور الواسع والمساهمة المشتركة والمنفعة المتبادلة، وتساعد على تعميق التعاون متبادل المنفعة، فهي لا تعود فقط بالفائدة على شعوب الدول الواقعة بطول مساراتها، وإنما تمضي بالعالم للأمام باتجاه رؤية الرخاء المشترك.
تجدر الإشارة هنا إلى أن المملكة العربية السعودية تعمل على تعزيز المواءمة بين رؤية 2030 ومبادرة الحزام والطريق. ويتمتع البلدان بتعاون وثيق في الاقتصاد والتجارة والطاقة والنقل والبنى التحتية وذلك من بين مجالات أخرى.
ومن ناحية أخرى، تشارك دولة جيبوتي، الواقعة في القرن الأفريقي والمطلة على البحر الأحمر، بشكل فاعل في مبادرة الحزام والطريق.
وفي هذا الصدد، قال أبو بكر عمر هادي، رئيس هيئة الموانئ والمناطق الحرة في جيبوتي إن "العلاقات بين جيبوتي أو شرق إفريقيا والصين تتسم بأنها علاقات تعود إلى قديم الزمان. لهذا تربطنا منذ أمد بعيد علاقات تجارية مع الصين. وهذا إحياء لتلك التجارة مرة أخرى، (تجارة) طريق الحرير".
وقد حظي ميناء دوراليه متعدد الأغراض ومنطقة جيبوتي للتجارة الحرة الدولية، اللذان قامت ببنائهما شركات صينية، بالإشادة حيث وُصفا بأنهما جسران لتحقيق التحول الاجتماعي الاقتصادي في جيبوتي. وقد صُمم ميناء دوراليه متعدد الأغراض بسعة سنوية تبلغ 7.08 مليون طن من البضائع. ومنذ افتتاحه في عام 2017، زاد الميناء من كفاءة تشغيل السفن بنحو أربعة أضعاف.
وذكر أبو بكر عمر هادي أن "ميناء دوراليه متعدد الأغراض هو أحد أعمق الموانئ البحرية في المنطقة. لذلك حققنا إنتاجية جيدة للغاية على الصعيد الإفريقي. وصنف البنك الدولي جيبوتي في المرتبة الـ19 بين موانئ الحاويات في العالم، والمرتبة الأولى في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء".
ويجري منذ حوالي أربع سنوات تشغيل منطقة جيبوتي للتجارة الحرة الدولية، التي استقرت للعمل بها أكثر من 200 شركة.
وأشار هو بين، السفير الصيني لدى جيبوتي، إلى أنه بعد وصول البضائع من الميناء، يمكن تجهيزها في منطقة التجارة الحرة والترويج لها بواسطة شركات أخرى، لتتشكل بذلك سلسلة صناعية كاملة. وهذا من شأنه تعزيز وتنويع اقتصاد جيبوتي ذي القيمة المضافة العالية.
على مر السنين، حققت الشراكة الإستراتيجية الصينية-العربية تقدما ملحوظا وأخذت تنمو بشكل أوثق وأقوى وأعمق. وفي عام 2021، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية حوالي 330 مليار دولار أمريكي، بزيادة حوالي 37 في المائة على أساس سنوي.وتضافرت جهود الصين والدول العربية لمكافحة جائحة كوفيد-19.
وحتى يونيو 2022، تبرعت الصين وصدرت حوالي 330 مليون جرعة من اللقاحات إلى الدول العربية.
كما تعلم الشعبان الصيني والعربي من بعضهما البعض في إطار تشجيع التبادلات الشعبية والثقافية. وكما ورد في إعلان الإجراءات بشأن التعاون الصيني-العربي في إطار مبادرة الحزام والطريق الموقع في عام 2018، تعد مبادرة الحزام والطريق بمثابة فرصة لتحقيق التنمية المشتركة للدول المشاركة ودفع الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية قدما.