غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

التغيير بالشهادة .. "الجهاد الإسلامي" نموذجاً

الدكتور وليد القططي.jpg
بقلم/ د. وليد القططي

تحكي سورة البروج في القرآن الكريم قصة جماعة من المؤمنين الثوار، عقدوا العزم على تغيير واقع الكفر والطغيان؛ فقُتِلوا جميعاً على يد الكفار الطغاة، ولم يُفلحوا في تغيير الواقع وتحقيق النصر، ولكنهم قدموا شهادتهم على عصرهم، فأصبح دمهم هو الشاهد والفاصل بين الحق والباطل، فأدوا واجبهم ومضوا شاهدين على الناس وشهداء إلى الله، لينيروا طريق الثورة والحرية لمن بعدهم كي يغيروا واقع الباطل والشر والقبح إلى واقع الحق والخير والجمال، فيكون دم أصحاب الأخدود هو الزيت الذي يُضيء نهج التغيير بالشهادة.

نهج التغيير بالشهادة من خلال قصة أصحاب الأخدود تكرر في كل مراحل التاريخ، ومنها التاريخ المعاصر، ومعركة ميسلون في سوريا عام 1920م نموذج لذلك، فقد خرج وزير الدفاع السوري البطل يوسف العظمة بجيشه الصغير والوليد للتصدي للجيش الفرنسي الغازي بقيادة هنري غورو رغم استسلام حكومة الأمير فيصل بن الحسين وعلمه باستحالة هزيمة الفرنسيين وتغيير واقع الاحتلال القادم، ولكنه أراد أنَّ لا يكتب التاريخ أنَّ فرنسا قد احتلت سوريا بدون قتال، وأراد أنْ يُغيّر بدمه ودم جنوده ما لم يستطع تغييره بسلاحه، فأدى واجبه ومضى مع جيشه شاهداً على الباطل وشهيداً إلى الله، فتكون شهادته وجنوده نهجاً للتغيير والتحرير يمشي على خُطاه الثوار من بعده.

وعندما كان الشيخ عزالدين القسام مُحاصراً وصحبه في أحراش يعبد قرب جنين بفلسطين من الجيش البريطاني، كان مستحضراً فقه الجهاد وفلسفة الاستشهاد القائمة على هدف التغيير بالنصر أو بالشهادة، فقال لإخوانه المجاهدين عندما طلب العدو منهم الاستسلام: "لن نستسلم، هذا جهاد في سبيل الله، نصر أو استشهاد، موتوا شهداء"، وارتقى شهيداً إلى الله، فأدى واجبه ومضى شاهداً على الباطل البريطاني والشر الصهيوني، وشهيداً إلى الله بأنَّ الجهاد في سبيل الله للدفاع عن فلسطين أغلى من روحه وحياته، فكانت شهادته نهجاً سار عليه الثوار الأحرار لتغيير الباطل وتحرير الأرض والإنسان، فكان نموذجاً واضحاً للتغيير بالشهادة ومثالاً ساطعاً للتحرير بالشهادة.

وعندما هُزِم الجيش المصري في حرب يونيو – حزيران عام 1967م كتب الأديب المصري على سالم قصة فيلم (أُغنية على الممر) التي وثّق فيها قصة بطولة فصيل من خمسة جنود مشاة حاصرهم الجيش الإسرائيلي في موقعهم على قمة جبل يتحكم بممر استراتيجي في سيناء، الجنود الخمسة رفضوا الاستسلام رغم علمهم بهزيمة الجيش المصري وانتهاء الحرب، فظلوا صامدين مدافعين عن موقعهم ومعطلين تقدم العدو من خلال الممر، حتى واجهوا مصيرهم الشهادة ببطولة وشجاعة، فأدوا واجبهم ومضوا شهداء دفاعاً عن الحق والوطن، ولكنهم رسموا معالم التغيير بشهادتهم التي قادت إلى حرب الاستنزاف ثم حرب أكتوبر.

نهج التغيير بالشهادة كان حاضراً في النظرية الثورية لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين منذ نشأتها مطلع ثمانينيات القرن العشرين، فقد ساهمت الحركة في إحداث التغيير بفكرها الجهادي الثوري وعملياتها الفدائية الاستشهادية، فمهدت الطريق إلى الانتفاضة الشعبية الأولى (انتفاضة الحجارة) كخطوة كبيرة نحو مشروع المقاومة والتحرير، وكان دم أبطال "الجهاد الإسلامي" المسفوح في الشجاعية في السادس من أكتوبر- تشرين الأول هو الصاعق الذي فجّر شرارة الثورة التي حرقت نارها سنوات الاحتلال السبع قبل إنشاء السلطة الفلسطينية، فكان التغيير بالشهادة هو نهج الحركة الذي افتتحت به مشوارها الجهادي رافعةً شعار الواجب فوق الإمكان والدم أقوى من السيف.

وبعدما انتهت الانتفاضة الأولى بإنشاء السلطة الفلسطينية بعد اتفاقية أوسلو، كان التحدي أمام "الجهاد الإسلامي" وقوى المقاومة الأخرى كبيراً، في كيفية مواجهة الواقع الجديد الذي أفرز سلطة حاجزة بين الشعب والاحتلال، فقررت الحركة مواجهة التحدي بنهج التغيير بالشهادة، فقامت من خلال ذراعها العسكري (القوى الإسلامية المجاهدة – قسم) بفاتحة العمل الاستشهادي في فلسطين كانت العملية الاستشهادية الأولى عبر الاستشهادي أنور عزيز تلاها تنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية الاستشهادية، وهدفها في ذلك هو تغيير الواقع المناقض لمشروع المقاومة والتحرير بوجود اتفاقية أوسلو التي تُعطي الشرعية للكيان والاحتلال، ووجود سلطة أوسلو التي تُقيم شراكة أمنية مع الاحتلال ضد المقاومة، فإن تعذر تغيير الواقع فلتكن الشهادة عليه بالقول والفكر بأنه باطل، ثم الشهادة بالدم والروح لتصنع التغيير ولتوجه البوصلة باتجاه التحرير.

ومع بداية الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأٌقصى) عام 2000م كان ذراع الحركة العسكري الجديد (سرايا القدس) يُجسّد نهج التغيير والتحرير بالشهادة فكانت أول عملية استشهادية عبر الاستشهادي نبيل العرعير تلاها عشرات العمليات الاستشهادية في كل الأرض الفلسطينية مع كل قوى المقاومة الفلسطينية، ثم بعشرات المعارك التي شاركت فيها منفردة أو بمشاركة قوى المقاومة... وهذا ما حدث بعد معركة ( سيف القدس) بعدما بادرت سرايا القدس إلى تشكيل كتيبة جنين وأخواتها فساهمت بدور مركزي في إيجاد حالة مقاومة شعبية مسلحة ضد الاحتلال في الضفة الغربية رغم ذهاب البعض نحو نهج التعايش مع الاحتلال والبعض الآخر نحو نهج تأجيل الاشتباك مع الاحتلال فذهبت "الجهاد الإسلامي" إلى نهج التغيير بالشهادة من خلال استراتيجية المشاغلة بالنار وإبقاء جذوة الجهاد والمقاومة مشتعلة وقدمت العشرات من قادتها ومجاهديها للحفاظ على مشروع المقاومة، وهو مشروع الحركة الثابت في إحداث التغيير لصالح مشروع المقاومة والتحرير كما جاء في وثيقتها السياسية: " النهج الثابت للجهاد والمقاومة هو استمرار المواجهة مع العدو الصهيوني واستنزاف طاقاته وزعزعة أمنه واستقراره لإجباره على الرحيل عن أرضنا وصولاً إلى التحرير الكامل لفلسطين".

التغيير بالشهادة نهج ثابت لـ "الجهاد الإسلامي" شاهداً بالكلمة الحرة والموقف الصلب على باطل الاحتلال وكل من يمنحه الشرعية على أي شبرٍ من فلسطين. وشهيداً بالدم الزكي والروح الطيبة على أنَّ الجهاد في سبيل الله من أجل تحرير فلسطين أغلى من الدم والروح، وسواء كان الثوارُ شهوداً أحياءً يجاهدون أو كانوا شهداءَ أحياءَ يرزقون فإنَّ التغيير آتٍ لا محالة بجهادهم، والتحرير قادم حتماً باستشهادهم.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".