غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

حكاية الاتصال الأخير

والدة الشهيد أمير بسطامي قلبٌ يذوب حُزناً: "عُكازي وسندي.. والله"!

امير بسطامي
شمس نيوز - مطر الزق

صوتُ إسعافاتٍ لا يتوقف، آهاتٌ وصرخاتٌ تخترق سكون الفجر، إحداهن تخترقُ حلقات المتجمهرين، وتتجه مسرعةً صوب شابٍ مسجى بدمائه، تتوقف فجأة أمام جثمان الشاب وتُشيح بكفها الأيسر الدموع التي انفجرت من عينيها؛ وتصرخ من أعماق قلبها: "أمير.. أمير.. أصحى يا أمير.. أنا أمك".

يا ألهى على هذه الأم الثكلى.. التي تقف الكلمات خجلا من دموعها، وتتوارى الحروف عجزاً عن وصفِ فقدها لوليدها، فَمَن ذَا الَّذِي يجرؤ على وصف أم تحتضن جثة ابنها الوحيد من الذكور، مَن ذَا الَّذِي يجرؤ على وصفِ الوداعِ الأخير، الوداع الأبدي لأمير إيهاب بسطامي الذي خطفته رصاصةٌ إسرائيلية من حضنِ أمه خلال اقتحامٍ لمدينة نابلس فجر الاثنين 13 فبراير 2023.

طبعتْ الأم المفجوعة قبلة حارة على جبين ابنها أمير، ذلك الجبين البارد، الذي لم تحركه دموع والدته الدافئة، الأم الصابرة تعلَّقت بجسد ابنها، وفجأة صرخت في وجه المحيطين لجثته: "هاتوا السُترة، هاتوا السترة، لأشم رائحته"، في خلفية المشهد كانت إحداهن تُمسك بوالدة الشهيد خشية عليها من شدة البكاء والألم الذي أصاب قلبها.

"عاش أمير في أسرة محافظة، إذ تمكن من حفظ 18 جزءاً من القرآن الكريم، وكان ملتزمًا بالصلاة والعبادة، ويلازم جده بالاعتكاف في المساجد، وكان إنساناً لطيفاً ومؤدبًا ومحترمًا، يقدم المساعدة للجميع، كما تقول والدته المكلومة، الغارقة في دموعها.

تمسك أمير بتنفيذ حديث النبي (صلى الله عليه وسلم)؛ ببر والديه، فكان خير الأبناء، يساعدهما في كل احتياجاتهما، "الله يرضَى عليك يا أمير.. انت نور عيني .. وانت أميري ما كان يخليني محتاجة حاجة".

ميلاد أمير

 

Black and Yellow Police Business Card (4).jpg
 

تعود ذاكرة والدة أمير إلى الأيام الماضية عندما جلست في المنزل لتجهز حفل عيد ميلاد نجلها، إذ أن (21 عامًا) كانت مليئة بالحب والضحكات التي رسمها أمير على وجه والدته وشقيقاته، تهمس والدته بأذنه: "سأشتري لك ملابس جديدة".

ابتسم أمير وأشار بيده على أحد الملابس التي يحبها قائلًا: "أريد مثل هذه الملابس" ارتسمت الفرحة على وجه والدته التي أبلغته وكلها أمل أن تشتري له ما يريد وتضيف إليها ملابس أخرى قبل قدوم شهر رمضان وعيد الفطر.

بلعت الوالدة المكلومة ريقها بصعوبة وهي تقول والدموع لا تزال تجري عبر أخاديد وجهها،: "لم أشترِ شيئاً، وهي أمير استشهد قبل رمضان وقبل العيد.. الله يرحمه كان ايدي اليمين".

العشاء الأخير

سيظل احتفال عيد ميلاد أمير مخزون في ذاكرة والدته وشقيقاته؛ لكن أكثر ما تتذكره والدة أمير العشاء الأخير الذي اشتراه لشقيقاته قبل أن يذهب إلى العمل، قبل أن تصعد روحه إلى السماء، تقول: "قبل ما يطلع على العمل اشترى سندويشات لشقيقاته.. والحمد الله كانت ليلة جميلة".

انتهت حفلة العشاء الأخير لأمير، وترك والدته وشقيقاته وذهب للعمل؛ لكن والدته طلبت منه ألا يُطيل الغياب وأن يعود إلى حضنها الدافئ بشكل سريع، ليرد عليها بالقول: "إن شاء الله .. الأمور تساهيل".

كانت عقارب الساعة تُشير إلى الرابعة فجرًا وما زالت والدة أمير تُمسك جفنها خشية من أن تغفو وتنام قبل عودة أمير، ولسان حالها يقول: "طولت الغياب يا أمير"، أمسكت الهاتف النقال واتصلت عليه ليجيبها: "نامي يا إمي.. أنا في الطريق ما تتصلي لأني بسوق".

 

Black and Yellow Police Business Card (5).jpg
 

رغم اتصال أمير الدافئ؛ إلا أن قلبها لم يهدأ وكان يستشعر أمراً آخر. هكذا هم الأمهات يخشون على أبنائهم من الهواء الطائر. دقائق قليلة قبل أن يرنَّ هاتف والدة أمير، التي صدمت من اتصال شقيقتها في وقت متأخر من الليل.

"ابنك عندك"، كلمتان جعلتا قلب والدة أمير يخفق بسرعة شديدة، لترد على شقيقتها "شو في؟!"، لتجيبها بصوت متقطع :"حبيت أطمئن على أمير!"، شعرت والدة أمير أن شيئاً ما قد حدث لمهجة قلبها.

أغلقت شقيقتها الهاتف، وظلت تُمسك حدقات عينيها التي كادت أن تغفى لولا اتصال مفاجئ آخر: "معك شرطي بمستشفى رفيديا الحكومي، ابنك أمير مصاب وهيو بالمستشفى تعالي شوفيه يا حجة"، كلمات وقعت كالصاعقة على قلب والدة أمير التي سألته: "أصيب ولا استشهد؟".

لم يكن رد الشرطي مقنعًا لوالدة أمير التي أيقظت زوجها من النوم، لتصرخ بصوت مرتفع: "أمير استشهد أمير استشهد"، قفز والد أمير من النوم لا يدري ما يفعله، وبلمح البصر ارتدى ملابسه واتجه برفقة زوجته إلى المستشفى ليتأكد من الخبر.

كانت الأجواء باردة جدًا لكن قلب أم أمير كان يغلي كالبركان على نجلها وتقول وهي في الطريق: "يا رب يكون مصاب مش مستشهد"، وصلت السيارة إلى المستشفى التي كانت مليئة بالناس وأصوات الإسعاف التي تذهب وتعود معلنة عن تسجيل إصابة جديدة.

في تلك اللحظات لم تتمالك والدة أمير نفسها التي انفجرت باكية على نجلها وهي تردد: "الله يرحمك يا أمير".

واستشهد أمير بسطامي، وأصيب أكثر من 6 مواطنين برصاص الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحام قوات الاحتلال لمخيم الفارعة في مدينة نابلس بالضفة المحتلة، ليرتفع عدد الشهداء منذ بداية العام الجاري إلى 50 شهيدًا برصاص واعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين؛ بينهم 11 طفلًا وسيدة مُسنة، وأسير في سجون الاحتلال.

Black and Yellow Police Business Card (6).jpg