أفاد بعض سكان قرية "شرق فلسطين" بولاية أوهايو الأمريكية، إنّهم أصيبوا بأعراض مثل الطفح الجلدي، والتهاب الحلق، والغثيان، والصداع، بعد عودتهم إلى منازلهم هذا الأسبوع، وأن القلق ينتابهم من أن تكون مرتبطة بتسرّب مواد كيميائية، بعد انحراف قطار محمّل بها، عن مساره قبل أسبوعين.
وتسبب الحادث، الذي وقع 3 فبراير/ شباط الجاري، باندلاع حريق هائل، ما دفع المسؤولين إلى إخلاء مئات الأشخاص الذين كانوا يعيشون بالقرب من الموقع، بسبب مخاوف من اشتعال مادة خطرة قابلة للاشتعال.
ولتجنب وقوع انفجار مميت محتمل، تم تنفيس وحرق غاز كلوريد الفينيل السام، ما أدى إلى تصاعد عمود من الدخان الأسود بقي يخيّم على المنطقة أيامًا عدة.
وتشمل المواد الكيميائية الأخرى المثيرة للقلق في الموقع غاز "الفوسجين"، وغاز "كلوريد الهيدروجين"، اللذين ينبعثان عند تحلل كلوريد الفينيل؛ وأكريلات البوتيل؛ وإيثيلين غلايكول أحادي البيوتيل أسيتات؛ و2-إيثيل هكسيل أكريلات، وفقًا لوكالة حماية البيئة الأمريكية.
يمكن أن تتغير كل هذه المواد الكيميائية عندما تتحلّل أو تتفاعل مع عناصر أخرى في البيئة، فينتج عنها مزيجًا من السموم المحتملة.
وحصل السكان على تصريح كامل للعودة إلى منازلهم في 8 شباط/ فبراير، بعد إعلان المراقبة الجوية في "شرق فلسطين" عن عدم العثور على أي مواد كيميائية مرتفعة تثير القلق.
وأوضح المسؤولون أن الفحوص الإضافية للهواء الداخلي في حوالي 500 منزل لم تظهر أيضًا أي مخاطر.
لم تظهر اختبارات مياه الصنبور من النظام البلدي وجود مواد كيميائية بمستويات من شأنها أن تشكل خطراً على الصحة، رغم أنّ المسؤولين ما زالوا يفحصون المياه من الأنهار والجداول والآبار السكنية في المنطقة.
مع ذلك، فشلت نتائج الفحوص تلك بطمأنة بعض السكان، المقتنعون بأن ثمة ما يصيبهم بالمرض، حتى لو لم يتمكن المسؤولون من معرفة مصدره.
"لا يمكنني المخاطرة بصحة عائلتي"
وقالت إحدى سكان المنطقة، أماندا غريت هاوس، أمّ لطفلين لم يبلغا سن الدخول إلى المدرسة: "عندما عدنا في 10 من فبراير/ شباط، قرّرنا أنه لا يمكننا تربية طفلينا هنا بعد الآن"، مضيفة: "كانت رائحة كريهة عالقة هناك تذكّرني بمحلول تجعيد الشعر".
ورَيث عودتها إلى منزلها، الذي يبعد مبنى واحدًا عن موقع تحطم القطار، أوضحت غريت هاوس أنّها لم تمكث لأكثر من 30 دقيقة حتى أصيبت بطفح جلدي، وشعرت بالغثيان.
وتابعت: "عندما غادرنا، أصبت بطفح جلدي على ذراعي، واستمرّت الحرقة في عينيّ لبضعة أيام بعد ذلك".
ومنذ الإخلاء جراء الحادث، عادت غريت هاوس وزوجها إلى منزلهما مرتين فقط لاستعادة بعض المستندات الشخصية والملابس.
وقالت غريت هاوس: "كانت الرائحة الكيميائية قوية لدرجة أنها جعلتني أشعر بالغثيان".
ولفتت هاوس إلى أنّها أخذت بضعة ألبسة فقط، إذ حتى الملابس كانت رائحتها مماثلة لتلك الخاصة بالمواد الكيميائية، وتخشى أن يرتديها طفلايها.
وبسبب مخاوف متنوعة من التلوث، أبقت غريت هاوس طفليها خارج الحضانة في المنطقة منذ الحادث، مشيرة إلى أن بعض المدرسين أعربوا عن مخاوفهم بشأن جودة الهواء.
من جانبه، أوضح حاكم ولاية أوهايو، مايك ديواين، أنّ طلبه لحضور خبراء طبيين من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية قد حصل على موافقة، وأن المسؤولين سيصلون الأسبوع المقبل للمساعدة في دعم جهود عيادة مخصّصة للمرضى.
وقال ديواين: "نحن ندرك أنّ العلم يشير إلى أنّ المياه آمنة، وكذلك الهواء، لكننا أيضًا نتفهم جدًا قلق سكان شرق فلسطين".
وأفادت وكالة تسجيل المواد السامة والأمراض، التابعة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها، إنها تتوقع أيضًا وجود فريق في الموقع الإثنين، وفقًا لمتحدث باسم الوكالة طلب عدم ذكر اسمه، لأنه غير مصرح لهم بمشاركة التفاصيل.
وسيجري الفريق تقييمًا للتحقيق في شأن التعرض للمواد الكيميائية، الذي يتقصّى أثر انبعاث المواد الكيميائية على السكان والمجتمع.
ويمكن أن تسبب المركّبات العضوية المتطايرة الناتجة عن الانفجار أعراضًا مشابهة لتلك التي أبلغ عنها بعض سكان شرق فلسطين، ضمنًا الصداع، والتهاب الحلق، وتهيج الأنف والعينين، لكن الخبراء يقولون إنه من الصعب للغاية ربط التعرض للمواد الكيميائية بالتأثيرات الصحية.
وتقول إيرين هاينز، رئيسة قسم علم الأوبئة والصحة البيئية في جامعة كنتاكي: "هذا تحد كبير".
أوضحت هاينز أنّ "المجتمع يتعرض الآن لمزيج من العديد من المركبات العضوية المتطايرة القائمة على البترول، لذلك قد لا يكون واحدًا فقط، بل قد يكون مزيجًا منها".
وتسعى هاينز، التي لديها خبرة في التحقيق بالتعرّض للمواد السامة في المجتمعات، للحصول على موافقة من مجلس المراجعة المؤسسية في جامعتها لبدء دراسة في شرق فلسطين تساعد على تزويد السكان بمزيد من المعلومات حول تعرّضهم للمواد الكيميائية في الهواء، والماء، والتربة.
وقالت: "إنهم بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها. هذه حالة طوارئ كبيرة. بل إنها كارثة كبرى. وهم بحاجة ماسة إلى المساعدة التي يمكننا جميعًا تقديمها لهم".
وأضافت أن "الطفح الجلدي قد يكون الدليل على التعرّض للمواد السامة".
الدكتورة كاري نادو، اختصاصية الحساسية ورئيسة قسم الصحة البيئية بكلية تي إتش تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد، توافق هاينز الرأي.
وأشارت نادو إلى أنّ الطفح الجلدي، إضافة إلى التهاب الحلق والصداع يمكن أن تكون علامات سريرية على الحساسية الكيميائية.
وقالت نادو: "هناك أشخاص لديهم حساسية شديدة تجاه المواد الكيميائية، ويمكنهم أن يشعروا بها حتى قبل أن تلتقطها الأجهزة".
ولا يوجد مسار تشخيصي للحساسيات الكيميائية. ويعتمد الكثير منه على الأعراض السريرية، بما في ذلك الطفح الجلدي، وفق نادو.
وتنصح نادو وغيرها من خبراء الصحة البيئية الأشخاص الذين تظهر عليهم الأعراض بزيارة مقدم الرعاية الصحية في المقام الأول، للحصول على الرعاية الطبية، ولكن أيضًا من أجل توثيق عدد الحالات.