"كيف أساويكم بمن علموكم" تُنسب هذه الجملة إلى المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، حينما طالبها القضاة والأطباء والمهندسون الألمان بزيادة نسبة رواتبهم أسوةً بالمعلمين الحكوميين الذين يُعتبرون أعلى فئات المجتمع الألماني دخلاً ومكانةً؛ لترد عليهم ميركل بجملتها تلك التي اعتُبِرَت درساً في الأخلاق والوفاء، وأعادت للمعلم مكانته وهيبته ووقاره.
ويُعد المعلم في الدول الأوروبية وبعض البلدان العربية الأسمى مكانةً، والأجلَّ قدراً، والأعلى دخلاً؛ وذلك لدوره الكبير في تنشئة الأجيال وبناء العقول، حسب تقديرات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، ولكنَّ هذا الواقع يختلف تماماً في فلسطين المحتلة؛ إذ يُعاني المعلم الفلسطيني أوضاعاً اقتصادية خانقة؛ في ظل تنصل الحكومة الفلسطينية برام الله من الإيفاء بالاتفاق المبرم مع الاتحاد العام للمعلمين.
وفي مطلع الربع الثاني من العام الماضي، توصل الاتحاد العام للمعلمين والحكومة إلى اتفاق يقضي بمنح جميع العاملين في وزارة التربية والتعليم ومديرياتها ومدارسها علاوة بنسبة 15% تضاف إلى علاوة طبيعة العمل، ينفذ منها 10% منذ تاريخ الأول من يناير/ كانون الثاني 2023.
واحتجاجاً على هذا التنصل، يواصل ما يزيد عن 80% من المعلمين الحكوميين في الضفة المحتلة، للأسبوع الثالث على التوالي، إضرابهم عن العمل، واعتصامهم أمام مقر مجلس الوزراء ومقار مديريات التربية والتعليم بالضفة الغربية ضمن ما سُمِّي “حراك المعلمين”؛ للمطالبة بحقوقهم.
بقعة الزيت تتسع
وقال خالد شبيطة، وهو أحد المعلمين المشاركين في الحراك، إن حراك المعلمين مستمر حتى نيل حقوقهم كاملة، دون نقصان، مؤكداً أن "ما يسطره معلمو هذا الوطن الحر هو وقفة مشرفة من أجل حقوقهم".
وأضاف شبيطة، في حديث خاص مع "شمس نيوز"، أن مطالب المعلمين تتمثل "بتطبيق الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة، وصرف الراتب كاملاً، مشيراً إلى أن المعلم في الضفة يتقاضى 85% من راتبه منذ ما يربو عن سنة ونصف، إضافةً إلى اعتماد نظام تقاعد موحد، وفك أدنى مربوط الدرجة، وجدولة المستحقات ضمن سقف زمني".
وحمّل الحكومة مسؤولية إطالة زمن الإضراب واستمراره، لافتاً إلى أنهم لم يتلقوا أي وعودات سوى أنه "سيتم تنفيذ الاتفاقية عند توفر الأموال".
من جهته، أوضح المعلم مصطفى عودة، أن "الفعاليات ستزداد وتتمدد نحو سقف أعلى مما كان، كون التهديدات الصادرة بحق المعلمين وبعض المدراء اللاحقين لزملائهم المعلمين في إضرابهم هي "تهديدات واهية"" -وفق قوله-.
ويُعدُّ الاتحاد العام للمعلمين "خصماً نقابياً" ضد حقوق المعلمين، وفقاً لما أكده عودة، مشدداً على "رفض تمثيل "الاتحاد" للمعلمين في أي مبادرة حل؛ كونه تنقصه المناعة الوطنية المكتسبة" -على حد قوله-.
الحكومة في خبر كان!
ورداً على الإضراب، لوَّحت الحكومة ووزارة التربية والتعليم بعصا الفصل والنقل والخصومات من الرواتب وتهديد المعلمين، والضغط على فئات من المعلمين لتشتيت الإضراب، مثل معلمي التوجيهي والمراحل الدنيا، وضرورة عودتهم للتعليم لحساسية المراحل التعليمية -وفق ما كشفه بيان للحراك-.
ونصبت عناصر الشرطة العشرات من الحواجز العسكرية بالضفة الغربية المحتلة، ومنعت الحافلات من نقل المعلمين إلى مكان الاعتصام السلمي، ورغم ذلك فقد اتجه المعلمون سيراً على الأقدام.
واعتبر البيان أنّ تعرض أي معلم لأية عقوبة لن يكون قانونياً، ويتحمل الضامنون في القوى الوطنية والمؤسساتية مسؤولية أية عقوبة تمس أي معلم، داعياً المعلمين والمعلمات إلى الوقوف صفاً واحداً لتحصيل المطلوب ودرء التهديدات مهما كانت.
إدانة حقوقية
وأدانت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان قيامَ الأجهزة الأمنية محاولة عرقلة وتأخير وصول المعلمين المحتجين إلى مكان الاعتصام أمام مجلس الوزراء في رام الله.
وقالت الهيئة، في بيان وصل "شمس نيوز": "إن هذه الإجراءات هي محاولة لعرقلة وتقييد الحق في التجمع السلمي والحق في حرية الرأي والتعبير، التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني".
وطالبت أجهزةَ الأمن باحترام حق المواطنين في التجمع السلمي والتعبير عن رأيهم وفق القانون، مجددةً دعوتها لمجلس الوزراء واتحاد المعلمين بتنفيذ ما ورد في مبادرة إنهاء "أزمة" الإضراب من خلال قيام الاتحاد بتعديل أنظمته، والدعوة لإجراء انتخابات للاتحاد في أسرع وقت.