لَعِبَ رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح أحمد قريع (أبو العلاء) دوراً بارزاً في المشهد الفلسطيني خلال الستة عقودٍ الماضية، واُسندت للرجل الكثير من المناصب والمهام الحساسة في سياق منظمة التحرير وقيادة حركة فتح، ما جعل من شخصيته واحدة من أبرز الشخصيات الفلسطينية المعاصرة.
أحمد قريع أو (أبو العلاء) كما يحب ان يناديه الساسة والكُتاب والأصدقاء وحتى الأعداء كان من أكثر الشخصيات الفلسطينية جدلية في المشهد، بالنظرِ للمسؤوليات والمهام والمناصب التي تولاها، كيف لا وهو يعد أحد أبرز مهندسي اتفاق أوسلو، الاتفاق الذي اقرَّ موقعوه من الفلسطينيين أنه "فاشل وفشل بامتياز" وأضحى عبئاً على الحالة الفلسطينية، بينما يعترف موقعوه من الإسرائيليين أنه منح كيانهم شرعية الوجود على أرض فلسطين.
واقر قريع تلميحاً وتصريحاً في أكثر من لقاء صحفي أنَّ "أوسلو" لم يتبقَ منها سوى التزامات خاصة بالسلطة الفلسطينية، تعفي الجانب الإسرائيلي من مسؤولياته في المناطق الخاضعة مدنيًا وأمنيًا لإدارة السلطة الفلسطينية.
وانتسب قريع لحركة فتح عام 1968، وكان عضوا في كل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح، وتقلد العديد من المناصب من بينها وزير الاقتصاد.
ويعتبر قريع، المهندس الرئيس لاتفاقات أوسلو عام 1993، حيث ترأس الوفد الفلسطيني خلال المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية في أوسلو.
وفي مقابلة جرت معه عام 2018 قال عن اتفاق أوسلو إنه "جيد للطرفين لو تم الالتزام بأمانة بتطبيقه، وكان من الممكن أن يوفر سلاما حقيقيا بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، كما قال.
يشار إلى أن قريع أصدر كتابا بعنوان "السلام المعلق"، سرد فيه 'الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلى خريطة الطريق'، حيث تناول القسم الأول منه 'مفاوضات أوسلو 1993'، أما القسم الثاني فتناول 'مفاوضات كامب ديفيد: طابا واستكهولم 1995 ـ 2000'، ووجه انتقادات حادة فيها لهروب من الاتفاق الذي كبلت فيه الفلسطينيين.
وكان قريع مكلفا من قبل الرئيس الشهيد ياسر عرفات بإدارة المفاوضات المهمة مع "إسرائيل"، إذ شغل منصب المنسق العام للوفود الفلسطينية للمفاوضات متعددة الأطراف، كما ترأس الوفد الفلسطيني في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي التي أدت إلى التوقيع على اتفاق باريس الاقتصادي في باريس عام 1994، بالإضافة لترأسه الفريق الفلسطيني في المفاوضات التي أدت إلى التوقيع على اتفاقية المرحلة الانتقالية عام 1995، كما ترأس الوفد الفلسطيني في لجنة التوجيه لتنفيذ هذه الاتفاقية.
وترأس الوفد الفلسطيني في مباحثات الحل النهائي مع الإسرائيليين خلال مفاوضات استوكهولم وشارك في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000. وترأس فريق المفاوضات الفلسطيني في المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية في طابا عام 2001، كما ترأس فريق المفاوضات الفلسطيني في مفاوضات الوضع النهائي التي انطلقت بعد مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط عام 2007.
13 عشر جلسة مع نتنياهو
عام 1998، وقعت الولايات المتحدة على مذكرة عرفت بـ"واي ريفر"، نتجت عن 13 جلسة متتالية بين قريع ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ونصت على الانسحاب من أراض فلسطينية إضافية، إلا أن إسرائيل أعادت احتلال معظم الأراضي التي انسحبت منها بموجب المذكرة.
كما أن قريع كان من أوائل المسؤولين الفلسطينيين الذين التقوا أرئيل شارون، بعد تشكيل حكومته الأولى عام 2001، كما أجرى مباحثات مع زعيم حزب العمل شمعون بيريز، عندما كان وزيرا للخارجية في حكومة شارون، وكان يتوقع أن ينتج عنها خطة "أبو علاء بيريز" التي تهدف إلى انسحاب إسرائيل من المناطق التي أعادت احتلالها منذ بداية الانتفاضة الثانية، لكنها لم تنفذ.
قريع ومؤسسة صامد!
أسس قريع، مؤسسة صامد "جمعية أعمال شهداء فلسطين" عام 1974، وهي مؤسسة اقتصادية تولت مهمة تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية اقتصاديا في الدول العربية، كما شاركت في المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية.
بدأت فكرتها الأساسية لرعاية أبناء الشهداء، تعلميهم، ثم تطورت لتشمل الاقتصاد الوطني الفلسطيني.
وفي ورقة صادرة عام 2017 عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات للكاتب صقر أبو فخر بعنوان "قراءة في التجربة الاقتصادية الفلسطينية مؤسسة صامد مثالا" جاء أن المؤسسة كان لها هدفان، الأول تأمين حياة كريمة لأبناء الشهداء من خلال تأهيلهم وإكسابهم خبرات في بعض المهن، والثاني تشغيل أكبر عدد ممكن من أبناء الشهداء ومن فلسطينيي المخيمات، بالإضافة لرفع المستوى المعيشي والثقافي لأسر الشهداء، ونشر التراث الفلسطيني.
يقول أبو فخر إن المؤسسة هدفت للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، في الحاجات الممكنة للمقاومة الفلسطينية واحتياجات سكان المخيم، وانتدبت نفسها لهذا الهدف، إلا أنه لم يكن واقعيا، كما أنها لم تتمكن من مواجهة الأوضاع السياسية المتفجرة في لبنان، وظاهرة هجرة الشبان إلى ألمانيا وغيرها من الأحداث التي عكرت سيرها.
إلا أن قريع ظل يرى المؤسسة كباعثة للاقتصاد الوطني الفلسطيني، وحتى بعد تدمير معظم منشآتها في لبنان وإفلاس بعض المشروعات الخارجية ظل يردد شعارات مثل "بعد الاقتصاد الوطني الفلسطيني"، "خلق نواة القطاع العام الفلسطيني".
ومن ثاني الملفات التي جعلتْ أبو علاء قريع من أكثر الأسماء الفلسطينية تداولاً بعد ارتباط اسمه باتفاق اوسلو، هو (فضيحة الإسمنت)، إذ كشفت مصادر فلسطينية أن قريع أحد الممولين للإسمنت الخرساني الذي يبنى به جدار الفصل العنصري الذي تقيمه سلطات الاحتلال الصهيوني وتقطع به أوصال الضفة الغربية المحتلة، وأن قريع أيضاً هو مسؤول مباشر عن توريد كميات هائلة من الإسمنت إلى المغتصبات الصهيونية لكي تتواصل أعمال البناء فيها.
وولد قريع في بلدة أبو ديس شرقي القدس عام 1937، وانتسب لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عام 1968.
وفي 1996، أصبح أبو العلاء أول رئيس للمجلس التشريعي الفلسطيني، قبل أن يعيّن رئيسا للوزراء (2003-2006) بعدما تقلّد مناصب عديدة أخرى من بينها وزير الاقتصاد.
وفي تسعينيات القرن الماضي، شارك أبو العلاء في المفاوضات التي جرت آنذاك بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وأثمرت في 1993 اتفاقية أوسلو للسلام.
وكان قريع عضوا في كل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح.
وبحسب مصادر قريبة من عائلة قريع، فإنّ أبو العلاء عانى من التهابات استدعت إدخاله المستشفى حيث تمّ تزويده وريديا بمضادّات حيوية، غير أنّ حالته انتكست وفارق الحياة.
يشار إلى أن لقريع مؤلفات عديدة بينها: كتاب بعنوان 'الديمقراطية والتجربة البرلمانية الفلسطينية"، الذي تحدث فيه عن تجربته في رئاسة أول مجلس تشريعي فلسطيني، وكتاب حول "صامد: التجربة الإنتاجية للثورة الفلسطينية" التي أدارها لعدة عقود من الزمن، وكتاب على "حافة الهاوية: مقاربات في الصراع والتنمية والأزمة الفلسطينيّة"، بالإضافة لنشره العديد من الأبحاث الاقتصادية.