إنهم الشهداء، فوارس فلسطين، يولدون في أجمل الأزمنة والأمكنة، يعطرون البلاد بروحهم وريحانهم، ويسيرون في صفوف الجهاد، قافلة من العاشقين لا تنتهي، ويرتقون شهداء على طريق القدس.
كانت قرية عانين قضاء جنين على موعد مع فارسها محمد صالح ياسين في 22 يناير 1974م، وتلقى تعليمه الأساسي في مدارس عانين، ثم انتقل إلى بلدة السيلة الحارثية لمواصلة تعليمه.
يعد من الرعيل الأول لمجاهدي حركة الجهاد الإسلامي، حيث برز اسمه ضمن مجموعات عشاق الشهادة برفقة الشهيد القائد المؤسس للعمل العسكري عصام براهمة، وتعرف إلى الشهداء القادة صالح ونعمان طحاينة، وبدأ مسيرته الجهادية المبكرة في العمل السري.
تمكنت قوات الاحتلال من اعتقاله عام 1993م، وحكم بالسجن الفعلي لمدة سنة ونصف، والقيام بمواجهات ضد الاحتلال. وأمضى ما مجموعة 7 سنوات في سجون الاحتلال على فترات عدة، وتعرض للعديد من الإجراءات العقابية بسبب نشاطه الفاعل داخل السجون، حيث قامت مخابرات العدو بنقله إلى حوالي 12 سجناً، إلا أنه واصل طريقه المنشود بكل عزم وثبات.
بعد خروجه من السجن بفترة وجيزة، اندلعت انتفاضة الأقصى، فكان من مؤسسي سرايا القدس الجناح العسكري للحركة، وساهم بالتخطيط والمشاركة في عدد من العمليات الاستشهادية، وشارك مع الشهيد القائد أيمن دراغمة في التخطيط والتنفيذ للعمليات البطولية في منطقة الأغوار، حتى أصبح على لائحة المطلوبين للعدو.
اعتقلته أجهزة أمن السلطة برفقة الشهداء القادة وليد العبيدي وأيمن دراغمة ومحمود طوالبة، ونجوا جميعاً من القصف الصهيوني الذي استهدف سجن نابلس عام 2002م. ونجا من محاولة اغتيال، حيث تسللت أفراد من وحدات المستعربين الصهاينة ولكنه تمكن من النجاة، واغتال الاحتلال الشهيد مصطفى ياسين، وتكررت مداهمات الاحتلال لمنزل عائلته بهدف اعتقاله أو اغتياله.
بحكم شخصيته القيادية الذي مثلاً رمزاً ونموذجاً حياً للشجاعة والبطولة، تولى قيادة سرايا القدس في جنين إلى جانب عدد من المجاهدين الأبطال، فكرس حياته للجهاد والمقاومة، كما شارك في معركة الدفاع عن مخيم جنين في هجوم اَذار 2002م.
شهيداً على طريق القدس:
في 7 مارس 2002م، تمكنت قوات الاحتلال من نصب كمين له وحاصرته في أحد المخابئ في قرية سيريس جنوب جنين بعد مطاردة طويلة وحاولوا اعتقاله، ولكنه رفض الاستسلام وخاض معركة بطولية معهم حتى استشهد راضياً مرضياً.
كان وقع استشهاده صعباً على إخوانه ومحبيه في سرايا القدس، حتى قال الشهيد المفكر الكبير نعمان طحاينة حين تلقي خبر استشهاده: "لا عشتم ولا كنتم ولا كانت سرايا القدس إن لم تلطخوا جسدكم بالدم وتثأروا للشهداء".
فيما صرح رئيس كيان الاحتلال المجحوم شمعون بيرس في وسائل إعلام العدو عقب اغتيال القائد: "تخلصنا هذا الصباح من كابوس اسمه محمد العانيني".